الخميس 7 يوليو 2022 / 10:58

عن زيارة بايدن المرتقبة إلى السعودية

علي حمادة- النهار العربي

كان أبرز ما أدت اليه الأزمة التي نشبت في السنوات القليلة الماضية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، أنها دفعت المملكة وعدداً من الدول العربية الحليفة تاريخياً لواشنطن إلى البحث جدياً عن مسارات جديدة في علاقاتها الدولية. فعلى الرغم من كون الولايات المتحدة بالنسبة إلى هذه الدول، كانت الحليف الأول، إلا أن التوتر في العلاقات لن يؤدي إلى كسر العلاقات معها لصالح أي طرف دولي آخر مهما عظم شأنه. لكن الأزمة التي يقال إنها ستأخذ منحى مختلفاً تماماً بدءاً من زيارة الرئيس جو بايدن إلى المملكة، ولقائه مع القيادة السعودية، وقادة عدد من الدول العربية الرئيسية على أرض المملكة، أدت إلى انضاج سياسة خارجية سعودية خاصة قامت على تثمين العلاقة مع الولايات المتحدة إنما ليس بأي ثمن، على قاعدة الأخذ في الاعتبار مصالح المملكة وأمنها القومي، والذي تعرّض للخطر في الأعوام القليلة الماضية، أي منذ التوقيع على الاتفاق النووي الايراني عام 2015، حيث لم تراعِ واشنطن أمن السعودية بوصفها أهم الحلفاء قاطبة، لا بل إن عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما تميز بإنحراف البيت الأبيض عن مسار تاريخي، وتقديم "الخيار الإيراني" الذي جعل منه أوباما رهاناً رئيسياً لولايتيه الرئاسيتين.

وكان رهان أوباما هو على مرحلة جديدة يفتح فيها طريق طهران، بمعنى أنه يراهن على استعادة علاقات مميزة معها من بوابة الاتفاق النووي، والمكاسب الاقتصادية التي تليه. ولا شك في أن الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) كانت طرفاً في سياسة الممالأة لطهران. لكن، كان الثمن باهظاً جداً في مجمل الشرق الأوسط. وبدل أن يفتح الاتفاق النووي والمميزات الاقتصادية الناتجة منه، مساراً تطبيعياً بين طهران والعالم، وبالتالي تتغير فيه السياسات التوسعية في المحيط، بما فيها تمويل الميليشيات المذهبية، فتلتفت إيران الى مشاكلها الداخلية، لا سيما الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، أدى رهان أوباما الى عكس ذلك تماماً. فقد موّل النظام في طهران من عوائد الاتفاق وفوائده سياسة أكثر عدوانية في محيطه، وجرى الإبقاء على الشق العسكري السري قائماً، ولم تنفتح طهران لا بل إنها ازدادت انغلاقاً فيما هي تؤدي سياسة مزدوجة، من خلال صفين من القيادات، الأولى قيادة قيل إنها إصلاحية استخدمت للعلاقات العامة الخارجية، وكان الرئيس السابق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف وجهيها، والثانية قيادة محافظة تمسك بالسلطة الفعلية شكّلها تحالف المؤسسة الدينية المتزمتة مع المؤسسة العسكرية والأجهزة، أبقت على قواعد اللعبة في النظام من دون تغيير، ورفضت أن تعدل في سياساتها المهددة لأمن دول المنطقة القومي.

بالعودة الى العلاقات الأمريكية - السعودية التي ساءت أكثر منذ مجيء الرئيس جو بايدن الى البيت الأبيض يمكن القول اليوم إن القيادة السعودية واجهت مرحلة تعرضت فيها المملكة الى سياسات سلبية على أكثر من صعيد. فمن الوعود الانتخابية المسيئة للمرشح جو بايدن بحق السعودية، الى التضييق على مشتريات السعودية من السلاح لأغراض دفاعية، ورفع جماعة الحوثي عن لوائح الإرهاب، وممارسة الابتزاز السياسي من بعض أركان الإدارة والجناح اليساري في الحزب الديمقراطي بشأن قضية مقتل الصحافي جمال الخاشقجي، كانت واشنطن بدءاً من رئيسها تهرول نحو طهران، للعودة الى الاتفاق النووي للعام 2015 بكل مساوئه، وإنْ على حساب أمن الحلفاء في الشرق الأوسط. وعندما نتحدث عن الحلفاء لا نعني السعودية وحدها، بل كل دول منظومة مجلس التعاون، ومصر والأردن. وبقية القصة معروفة.

لكن المهم اليوم إننا وبعد كل ما حصل، نقول إن الأزمة أخرجت الى الضوء قيادة سعودية حازمة، وصلبة، وواعية، وناضجة، ومحنكة. والأهم إنها أماطت اللثام عن الكثير من الدهاء السياسي والدبلوماسي في ملف العلاقات الخارجية. ولذلك كنا نستغرب كثيراً أن نسمع بعض المراقبين يتحدثون بعد الإعلان عن زيارة للرئيس بايدن، عن كسر الرياض لعزلتها. والحقيقة أن الرياض لم تُعزل مرة، لا بل أن الولايات المتحدة عندما عرّضت امن حلفائها، واستقرارهم بخيارات وهمية هي إرث الرئيس أوباما، اكتشفت في ضوء التطورات الدولية الأخيرة، لا سيما حرب أوكرانيا أنها كادت أن تخرج من أقاليم رئيسية وفي مقدمها الشرق الأوسط بسبب سياسات خاطئة. هكذا عادت واشنطن - بايدن لتكتشف أن سياساتها في الشرق الأوسط لا بد من أن تصطلح لا سيما مع دول المركز العربي الحليفة. وقد اكتشفت إدارة بايدن بما فيها اللوبي الإيراني أن الرهان على إيران وهم كبير، من شأنه أن يفشل ويخرج أمريكا ومصالحها ومصالح حلفائها الأوروبيين من المنطقة.

هكذا وقبل أن يصل الرئيس جو بادين إلى المنطقة، ويحل على أرض المملكة من المفيد جداً للرئيس أن يعدل من تكتيكاته الإعلامية بشأن الزيارة، وأن لا يظهر نفسه كمن يذهب خلسة او متنصلاً من خطوة تجمعه بقيادة دولة عربية مركزية أساسية، صاحبة دور واسع في المنطقة وخارجها على أكثر من صعيد. وإلا أصبحت الزيارة فارغة من مضمونها الاستراتيجي المنتظر.