الخميس 7 يوليو 2022 / 12:20

لا عودة إلى نظام القطب الواحد.. ولا حرب باردة

24-زياد الأشقر

في ديسمبر (كانون الأول) 2021، تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن عن المفاوضات الجارية في شأن الحشد الروسي حول أوكرانيا، مؤكداً أن بلاده لن تناقش القلق الروسي في ما يتعلق بعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، ومعتبراً أنه "لا يحق لبلد معين فرض نفوذه. هذا المطلب يجب رميه في مزبلة التاريخ".

وفي مؤتمر ميونيخ للأمن، وقبيل أيام فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا، تردد صدى هذا الرأي من قبل عدد من صانعي السياسات، بما في ذلك وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، التي جادلت بأن أوروبا تواجه خياراً خطيراً: "هلسنكي أو يالطا..الخيار بكلمات أخرى هو بين نظام يقوم على التشاركية في الأمن والسلام..أو نظام قائم على التنافس الدولي وتقسيم دوائر النفوذ".

على هذه الخلفية، كتبت الباحثة في مركز سكوكروفت للاستراتيجيا والأمن إيما م. آشفورد في مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، أنه من السهل معرفة سبب ترحيب الكثيرين بالحرب في أوكرانيا- وبالنجاح غير المتوقع للجيش الأوكراني في دفع الهجوم الروسي الأولي-كإدانة لتقاسم النفوذ في العالم، وكإعادة تأكيد على النظام الدولي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة، حيث السلطة والقوة لهما تأثير أقل من الأعراف والقيم.

لا خطأ أكبر
إلا أنها حذرت من أن لا خطأ أكبر من هذا الخطأ، مشيرة إلى أن دوائر النفوذ ليست مفهوماً قائماً على العرف، أو أمراً تسلم به دولة لدولة أخرى بدافع الأخلاق أو الشفقة. ولم تكن أوكرانيا رفضاً لفكرة دوائر النفوذ، وإنما مثال واضح لكيفية التطبيق العملي لهذا المبدأ.

وأضافت أن أوكرانيا هي مؤشر واضح على حدود النفوذ الأمريكي العالمي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وإثباتاً على الحد الذي يمكن أن تذهب إليه روسيا للدفاع عما تراه دائرة نفوذها الإقليمي. ولا تشكل الحرب في أوكرانيا استمراراً للحظة الأحادية القطبية، وإنما خط فاصل بين المرحلة التي كانت ترى فيها الولايات المتحدة العالم كله كدائرة نفوذ تابعة لها، وعالم جديد متعدد الأقطاب حيث تكون فيه القوة الأمريكية مقيدة ومحدودة.

وبكلام آخر، فإن الحرب في أوكرانيا أثبتت ثلاثة أمور في ما يتعلق بتغيير موازين القوى العالمي. أولاً، بينما لاتزال أمريكا تدعي امتلاك دائرة نفوذ عالمي، فإنها غير راغبة عملياً عن المجازفة بحرب نووية مع روسيا لحماية أوكرانيا. وعمل الجيش الأمريكي والاستخبارات والمساعدات المالية في ترجيح موازين القتال من دون توريط قوات أمريكية بشكل مباشر.

ثانياً، ثبت أنه نادراً ما تكون دوائر النفوذ غير قابلة للتحدي، ذلك، ان روسيا أخفقت في فرض إرادتها على أوكرانيا، بعدما فشلت في تحقيق الأهداف الأولية والثانوية من الحرب. وفي هذه الحال، قد يكون مجال النفوذ الروسي أقل بكثير مما كان مفترضاً قبل 24 فبراير (شباط). وربما كان هذا المجال مقتصراً فقط على ما يزيد قليلاً عن حدود روسيا.

ثالثاً، وبينما تركزت تغطية الحرب على إطار من الثنائية- بوصفه صراعاً بين روسيا والغرب-فإن الرد على الحرب كان أقل وضوحاً بكثير. إذ أنه خارج أوروبا، فإن معظم الدول اتخذت مواقف أكثر دقة حيال هذه الأزمة.

لا عودة إلى القطب الواحد
لا شيء من هذا يوحي بان العالم عائد إلى لحظة القطب الواحد التي برزت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، أو أن العالم في طريقه إلى حرب باردة بأسلوب جديد مع روسيا، أو حتى مع روسيا والصين معاً. وعوض ذلك، فإن العالم يتفتت على نحوٍ متزايد إلى بيئة معقدة ومتعددة الأقطاب. ويتعين التعلم الخوض في غمار عالم غير منقسم إلى أبيض وأسود، وإنما توجد فيه الكثير من المناطق الرمادية.