ماريو دراغي (أرشيف)
ماريو دراغي (أرشيف)
السبت 23 يوليو 2022 / 23:25

ماريو دراغي .. محبوب إيطاليا الذي أقصاه "اليمين"

24 - بلال أبو كباش

خرج رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي من رئاسة الوزراء في إيطاليا مرغماً بعد مؤامرة من أحزاب اليمين الثلاثة "الرابطة" و"فورزا إيطاليا" و"حركة خمس نجوم". التي ضيقت الخناق على حكومته، وأفشلت مساعيه في تجديد الثقة به في البرلمان، ليفصح بعد قبول رئيس البلاد سيرجيو ماتاريلا يوم الخميس الماضي استقالته، في كلمة مؤثرة، عن حزنه، قائلاً: "هناك من يفضل حل الحكومة والذهاب إلى الانتخابات البرلمانية المبكرة من أجل زيادة نسبة حضوره البرلماني أكثر من حرصه على مصلحة الوطن".

يعد دراغي واحداً من أبرز السياسيين الذي تولوا منصب رئيس الوزراء في إيطاليا بحكم خبرته الطويلة، خاصة الاقتصادية، والتي اكتسبها على مدار سنوات عديدة، حين تسلم رئاسة البنك المركزي الأوروبي في 2011، العام الذي كان شاهداً على أزمة اقتصادية حادة في الاتحاد الأوروبي، واشتهر في جميع أنحاء أوروبا بقوله إنه سيكون مستعداً للقيام "بكل ما يلزم" لمنع اليورو من الانهيار. وبفضل دوره الكبير في مكافحة أزمة اليورو لقبته وسائل إعلام كبيرة بـ"سوبر ماريو". 

في عام 2014، أدرجت مجلة فوربس دراغي كثامن أقوى شخصية في العالم. في عام 2015، صنفته مجلة فروتشن بأنه "ثاني أقوى قائد في العالم".

كما تولى دراغي قيادة بنك إيطاليا منذ 2006 حتى 2011، وشغل بعدها منصب رئيس مجلس الاستقرار المالي منذ 2009 حتى 2011.

لم يمر خبر استقالة دراغي سريعاً، إذ ألقى بظلاله على البورصة الإيطالية وأدى لتراجعها 2%. كما تصدر وسم "إيطاليا الفقيرة" شبكات التواصل الاجتماعي والذي تساءل فيه الإيطاليون عن السبب في تخلي بلادهم عن رجل دولة نادر تحتاجه إيطاليا بشدة.

ومنذ وصولة لرئاسة الوزراء في فبراير (شباط) 2021، وضع دراغي إيطاليا على طريق التعافي من جائحة كورونا التي ضربت البلاد بشراسة. وابتكر برنامج إصلاح اقتصادي وإداري جلب لإيطاليا 200 مليار يورو من صندوق الاتحاد الأوروبي. 

لمع نجم دراغي في إيطاليا بسبب نزاهته وقوته الاقتصادية، إضافة لعدم ارتباطه بأي حزب سياسي أو بشبكات النفوذ الغامضة المتغلغلة في النظام السياسي الإيطالي.  

الصحف الإيطالية العريقة علقت على استقالة دراغي، وكتبت صحيفة "لا ريبوبليكا" على صفحتها الأولى يوم الخميس الماضي، "إيطاليا تعرضت للخيانة". فيما عنونت "لا ستامبا" "عار عليكم". في إشارة للأحزاب التي رفضت التحالف مع رئيس الحكومة الذي يحظى باحترام محلي ودولي كبير.

ومع رحيل دراغي، يزداد القلق في أوروبا من صعود اليمين المتطرف في إيطاليا، وفور تأكيد خبر الاستقالة، توقع الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية لورانس بون، أن تفتح استقالة دراغي الباب أمام "فترة إرباك"، معتبراً أنها ستكون بمثابة خسارة "أحد أعمدة أوروبا".

يقول المحرر في صحيفة "فايننشال تايمز" توني باربر، "مما لا شك فيه أن توقيت رحيل دراغي سيء بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون هجوم روسيا على أوكرانيا اختباراً وجودياً لعزيمة الديمقراطيات الغربية، فقد قدم دراغي قيادة استثنائية في بلد تتعاطف أحزاب كبيرة فيه مع روسيا".

ويضيف باربر، أن دراغي كان من أوائل قادة الاتحاد الأوروبي الذين دافعوا عن ضرورة منح أوكرانيا وضع عضوية المرشح. وقدم مقترحات للكتلة المكونة من 27 دولة للتغلب على حالة الطوارئ في مجال الطاقة بسبب اعتمادها على الغاز والنفط الروسي. لكن استقالته فاقمت المخاوف خاصة وأنها تأتي بعد رحيل بوريس جونسون عن "10 داوننغ ستريت". ويشير الخبراء، أنه "في حال استمرار الحرب الأوكرانية لمدة طويلة وتصاعد الأزمات الاقتصادية من جراء ذلك في مختلف البلدان الأوروبية، قد نشهد سقوط رؤساء حكومات آخرين".

ومن أبرز الأسماء المرشحة لخلافة دراغي، زعيمية اليمين المتطرف الإيطالي جورجيا ميلوني المشككة بجدوى التكتل الأوروبي وماتيو سالفيني المقرب من موسكو، إلى السلطة. ويخشى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو الاثنين بشدة. 

ولكن ورغم إسهامات دراغي الكبيرة، فإن الاقتصادي الكبير بقي ضعيفاً سياسياً لكونه تكنوقراطياً غير حزبي. ومما أسهم في إضعافه أكثر هم السياسيين الذين دعموه في 2021، وباتوا اليوم خصوماً تؤامرو عليه وأخرجوه من الحكم.