الجمعة 29 يوليو 2022 / 19:09

من الأب المؤسس إلى محمد بن زايد... أولوية التعليم في بناء الحضارة

العلامة هي السمة المميزة التي تُعرف بها الأشياء، وعلَّم أي ميَّز بسمة تُعرف. والتعليم هو اسم المفعول من هذا الفعل، يظل -أو ينبغي له أن يظل- يحمل دلالة هذا الفعل كغاية كبرى مهما تطورت الحياة وتفرعت شؤونها، فالتمييز بعلامة متعارف عليها هو الغاية التي تسعى إليها منظومات التعليم على اختلاف أشكالها ومناهجها، وتزداد هذه المنظومة أهمية وفعالية وقيمة، كلما كانت ملامح العلامة أو العلامات -المراد جعلها مَيزة للمتعلمين- واضحة ومدروسة بعناية، ضمن تخطيط يراعي خلاصات قيم الماضي ويرتبط عملياً بتفاصيل الحاضر والواقع المعيش، ويمتد بجسور قوية نحو المستقبل المنشود.

لا توجد إذن منظومة تعليم معيارية يمكن تطبيقها في كل الحالات للحصول على النتائج نفسها. إنما كل منظومة تقاس كفاءتها في ضوء ما وُضعت لأجل تحقيقه من غايات، بحيث يمكن مناقشتها والتعاطي معها وتطويرها بالرأي والمشورة والخبرة.

بفطرته وحكمته الفريدة أدرك الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله هذا المعنى الذي يكتنزه اسم "التعليم" باعتباره عملية متواصلة من وضع العلامات لتشكيل شخصية الفرد وتمييزها، وبالتالي إثراء المجتمع كله ليصبح قادراً على النهوض بمسؤوليته في مسيرة التنمية التي تضع الإنسان محوراً وهدفاً لها. وأدرك- رحمه الله- أن التعليم -باعتباره مراكمة علامات- يجب أن يكون على مراحل تبدأ باستدعاء المخزون الأصيل من المعارف والقيم وتعزيزها وربطها بالواقع ثم تأتي مرحلة إثراء القاعدة بالمعارف والعلوم التأسيسية، صعوداً وارتقاء في سلم التطور في ضوء الفكرة الأصيلة التي يمكن تلخيصها في أن الإنسان هو ثروة هذا المجتمع، هو هدف التنمية ووسيلتها في آن.

وتزخر أقوال الشيخ زايد رحمه الله، وأفعاله، بما يؤكد هذا الوعي. وتعبر قصائده بآيات جمال خالصة من الشعر النبطي عما يعزز هذا الفهم الفريد للتعلم والعلم، هنا بعض أشعاره رحمه الله، مخاطباً الشباب حاثاً على التعلم رابطاً بينه وبين الأخلاق والفهم وإتقان العمل وحسن المعيشة وحماية الوطن:

هبوا بعقل وحسن تصريف
معكم ثقافه وعلم واتقان
وشهايد مِن دون تزييف
يبغي الوطن سور وبنيان

والمتابع لتطور منظومة التعليم في الإمارات يجدها تجمع بين البعدين على حد تعبير الشيخ زايد، أي العلم والأخلاق، يقول:

بوصيك كانك رجل تعلم
إتأن في أمر بتعنيه
إعمل بطيب وزين وافهم
مترى العدل يعدل براعيه
إصبر ومترى الصبر يسهم

ويقول:

صاحب مروة وعلم وذات
سيره عدل شفته وسِيده

لم تحد دولة الإمارات يوماً عن هذا النهج، بل طورت أدواتها، وارتقت بمحتوى معارفها وعلومها، وحدثت مناهجها وطرق تدريس علومها دوماً بما يضمن تحقيق غاياتها: تطوير العلامات والسمات المميزة لإنسان الإمارات حسب كل مرحلة وخصائصها، وصولاً إلى جعله شريكاً منتجاً حقيقياً في مسيرة الحضارة الإنسانية من دون التخلي عن منظومة القيم الأصيلة التي نشأت عليها حضارته.

وفي ضوء ذلك، علينا أن ننتبه إلى الدلالة التي لا تخطئها عين في أن يكون من بين أول القرارات التي صدرت بعد تولي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، رئاسة الدولة، هيكلة منظومة التعليم، واستحداث هيئة اتحادية لجودة التعليم تتبع لمجلس الوزراء، وهيئة للتعليم المبكر، وإعادة تشكيل مجلس التعليم والموارد البشرية برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن زايد.

وفي ضوء ذلك أيضاً ما يحظى به المعلم من رعاية، أحدث مؤشراتها اعتماد المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي قرار رفع نسبة الراتب الخاضع للتقاعد للمواطنين العاملين في المدارس الحكومية في إمارة أبوظبي إلى 80% من الراتب الإجمالي بمبلغ يتجاوز 6.6 مليار درهم.

ثمة استراتيجية واضحة، وبرامج عمل منضبطة، ومنجزات حقيقية على أرض الواقع، يمكن دوماً قياسها في ضوء هذا الفهم لروح مفهوم التعلم، التي تدير منظومة التعليم في الإمارات؛ فمنذ أيام قلائل اعتمد سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي رئيس مكتب أبوظبي التنفيذي، خطة دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي تتضمن إضافة تسع مدارس جديدة ضمن مشروع مدارس الشراكات التعليمية ليصبح إجمالي عددها 31 مدرسة تستوعب أكثر من 46 ألف متعلم. ومشروع مدارس الشراكات التعليمية هو نموذج تعليمي مبتكر قائم على الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، أسهم منذ انطلاقته سنة 2018 في توفير 34.500 مقعد دراسي ودعم أكثر من 93% من الطلبة لتحقيق تقدم ملموس في أدائهم الأكاديمي.

وتركّز هذه المدارس على استدامة فرص التعليم النوعي، والارتقاء بالأداء الأكاديمي للطلبة، وتوظف أفضل التجارب العالمية والخبرات والكفاءات المحلية ضمن منهج مصمم خصيصاً لتحقيق أهداف منظومة التنمية في الدولة، يستهدف التطوير الشامل للكفاءات الفردية لكل طالب كهدفٍ رئيسي لعملياتها، ليكون فرداً منتجاً ومؤثراً في مجتمعه وفي سوق العمل.

إضافة إلى الاتصال الروحي، ثمة اتصال منهجي بين قادة الدولة في كل شيء، ومن ذلك منظومة التعليم في الإمارات، منبع ذلك الاتفاق الواعي منذ البداية على مفهوم التعلم، منذ أرسى قواعده الأب المؤسس الشيخ زايد رحمه الله، ومكَّن له قائد التمكين الشيخ خليفة بن زايد رحمه الله، وأبدع في تطويره والارتقاء به خير الخلف لخير السلف الشيخ محمد بن زايد حفظه الله، ويتجلى هذا الاتصال في ما نراه من تطور منتظم في مسيرة تطور التعليم وإعادة النظر الدائمة والدؤوبة في علومه ومحتواها ومناهجها وطرق تدريسها لتمكين المنظومة دائماً من العمل على تحقيق الأهداف والغايات المرتبطة بمهارة بخلاصات الماضي الإيجابية ومتطلبات الحاضر الحقيقية في سعيه نحو المستقبل الزاهر.