بيلوسي في تايوان (أ ف ب )
بيلوسي في تايوان (أ ف ب )
السبت 6 أغسطس 2022 / 20:45

بيلوسي في تايوان.. مُبادرة دبلوماسية جريئة وتوقيت مثاليّ

24. طارق عليان

في المنفذ الإعلامي الرقمي الناطق باللغة الصينية والمشهور باسم "The Initium"، قالت الخبيرة السياسية التايوانية لين زي-لي، في تحليل لها، إن "زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي التي امتدت 19 ساعة سيكون لها أثر باقٍ ودائم".

وكما لاحظ كثيرون، فإن رحلة نانسي بيلوسي التي امتدت 19 ساعة إلى تايوان كانت الزيارة الأولى من نوعها للمتحدثة باسم مجلس النواب الأمريكي منذ عام 1997. وخلال الخمسة وعشرين عامًا الفاصلة بين الزيارتين، تغيرت أمور ولم تتبدَّل أمور أخرى.

في حين أنّ الصين تُعدُّ قوة اقتصادية وعسكرية عالمية كبرى، فإن العلاقات بين ضفتي المضيق الفاصل بينها وبين تايوان تتميز بمستويات عالية من العداء وانعدام الثقة. وما زالت الصين تود أن تتوحد مجدداً، وما برحت تايوان تدعم الوضع الراهن، ولا يوجد أي مجال للتنازل والمساومة من جانبها.

وبحسب التحليل، فإن إن السؤال المعني بسبب إصرار بيلوسي على زيارة تايوان رغم التحذيرات التي أصدرتها الصين يبدأ يُظْهِر لنا دافعها والمخاطر التي تنطوي عليها زيارتها. فقد كانت زيارتها انتقادًا لقدرة الصين المُتزايدة على تشكيل النظام العالميّ والتلاعب به.

وخلال زيارة سابقة إلى بكين عام 1991، حين كانت بيلوسي آنذاك مجرد عضوة في الكونجرس الأمريكي، اعتقلتها الشرطة الصينية وطردتها من البلد بعد أن رفعت راية سوداء في ساحة تيان آن "مُهداة إلى الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل قضية الديموقراطية في الصين".

ومنذ ذلك الحين، اغتنمت بيلوسي كل فرصة لاحت لها للاحتجاج على كبار قادة الصين بسبب قضايا حقوق الإنسان، وعبَّرَت عن دعمها لحركات انفصالية في التيبت وهونغ كونغ. وخلاصة القول إن نقدها لحقوق الإنسان الصين كان دومًا محوريًّا لسياستها الخارجية.

ووفق التحليل، فإن دعم تايوان الديموقراطية محوري أيضاً للإرث السياسي الذي تأمل أن تتركه السياسية ابنة الثانية والثمانين عامًا. ولمَّا صمدت بيلوسي في مواجهة التهديد العسكري الصيني لزيارتها إلى تايوا، فقد أمست قائدة للحركة الغربية التي تقرُّ بوجود تايوان الديموقراطيّة، وتهدف في نهاية المطاف إلى هدم "مبدأ الصين الواحدة" الذي تتبناه بكين وينص على أنّ تايوان جزء من الصين.

بيد أن زيارة بيلوسي لم تحقق هذا الهدف، بحسب التحليل، على الأقل ليس بشكلٍ مباشر، إذ كان لها الأثر المُعاكس. وتحديداً، لم تجرؤ الصين على الانتقام من الولايات المتحدة، وإنما نفّسَت عن غضبها في تايوان، إذ أعلنت عن تدريبات عسكرية تمتد لثلاثة أيام في مياه البحر المحيطة بتايوان وأطلقت ذخيرة حية.

وفضلاً عن ذلك، دخل عدد كبير من المقاتلات الصينية، المجال الجوي التايواني، وحلّقَ فوق الخط المركزيّ لمضيق تايوان، كما فرضت بكين مجموعة كبيرة من العقوبات التجارية على بعض الصناعات الغذائية وصناعات تربية الأحياء المائية التايوانية. ورغم ذلك، فإننا نعلم أن مثل هذه الإجراءات عادةً ما تكون مؤقتة، وبينما تخبو جذوة هذه المشكلة، فقد تنتهي نهاية هادئة بلا صخب.

ورغم أن إدارة الرئيس بايدن تعتبر الصين بلداً منافساً، فمن المهم لها إدارة خطر نشوب حرب كارثية بين القوتين النوويتين.
 
ويتجاهل المسؤولون الصينيون ووسائل الإعلام الصينية التي اعتادت على استخدام تهديدات على غرار "آلة الحرب" في دعاياتها حقيقة أنّ أهم قضية على الإطلاق للصين حاليًا هي الاقتصاد، لا مشكلة المضيق المُشترك.

ورغم اعتماد أوروبا والولايات المتحدة المستمر على القطاع الصناعي للصين، فإن توقعات الاقتصاد الصيني ليست مُبشِّرَة نظراً لـ "سياسة القضاء على فيروس كورونا" والتراجع المستمر في صناعة العقارات الذي يُعرقل انتعاش الاقتصاد.

وتقع كل تلك الأحداث سلفاً للمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي سيستهل الولاية الثالثة لشي جين بينغ. ويبدو أن جميع الأطراف المعنية تعي أن أي صراع عسكري كبير مع الولايات المتحدة سيكون باهظ الثمن.

وذكَّرَ مثال الحرب الروسية-الأوكرانية القادة بأن الحرب ليست حلاً للمشكلات. والأدهى من ذلك، كما اكتشف البنتاغون، أنه لا حاجة لإرسال جنود أمريكيين إلى الحرب طالما أُرسلت إمدادات لا تنتهي من الأسلحة إلى تايوان.

وقد تردد صدى إقامة بيلوسي في تايوان أيضاً بسبب مسار الرحلة الذي وقع عليه اختيارها. فتماشياً مع اهتمامها المعتاد بحقوق الإنسان، زارت بيلوسي المتحف الوطني لحقوق الإنسان في جينجمي، والتقت ممثلين للأشخاص الذين تضطهدهم بكين مثل لي مينغ-تشي ولام وينغ-كي ووئير كايكسي، فأثارت بذلك سخط بكين.

وأوضح التحليل أن السبب الذي دعا بكين إلى تحذير بيلوسي من المجيء إلى تايوان هو أن الصينيين يرونها أبرز "النواب المناهضين للصين" في واشنطن كلها.

واعتبر التحليل زيارة بيلوسي بمنزلة علامةً فارقة جديدة في العلاقات الثنائية بين الدولة الجزيرة والولايات المتحدة، في حين أصبح التعاون الشامل بين البلدين وضعاً سائداً.

وقد صمَّمت الولايات المتحدة إطارًا للتعاون والتدريب العالميين للسماح لتايوان بالتعاون مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا في معسكرات الدراسات الدولية والتحاورات مع المسؤولين من جميع أنحاء العالم. وتفوق الدلالات السياسية لهذا الإطار قيمته الاقتصادية والتجارية.

وبالنسبة للعلاقات الصينية الأمريكية التي تُعدُّ ذات أهمية جيوسياسية كبرى، أكَّدَت إدارة الرئيس بايدن على أنها "ستُنافس وتتعاون وتواجه" متى كان ذلك ضروريًّا، وما زال هذا النهج ساريًّا بعد الحرب الروسية-الأوكرانية.

ولا تزال الصين المُترددة في إدانة روسيا أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا وتايوان، إذ أثبتت أنه ما زال هناك ترابط تجاري في جميع أنحاء العالم.

ورغم ذلك، فتأكيد الغرب المُتكرر على النظام الدولي القائم على القواعد يتباين بشكل كبير عمّا تسعى إليه الصين؛ لكن الجائحة الأخيرة والحروب الدائرة سلّطت الأضواء على عُقم المنظمات الدولية، على حد وصف التحليل، في حين أن مؤشرات الكساد الاقتصادي الذي يلوح في الافق توحي بأساس واهٍ جدًا للتعاون بين الدول.

وبعد زيارة بيلوسي إلى تايوان، من الواضح أن بكين، بسياسيتها الرافضة لأي شكل من أشكال التعامل مع حكومة تايبيه، لا تترك لإدارة الرئيسة تساي إنغ ون خيارًا سوى اغتنام الفرصة لتعميق العلاقات التايوانية-الأمريكية. وتأتي هذه الزيارة في وقت تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى تايوان حقًا، بحسب لين زر لي.

واختتمت لين زر-لي تحليلها بالقول: "حقيقة الأمر أن هيكل السلطة غير المُتكافئ على جانبي مضيق تايوان أدى إلى إيمان بكين بأنها ستكون قادرة على استغلال الاقتصاد لتعزيز الوحدة أو إرغام تايوان عليها بتهديدها عسكريًّا. وكما هو متوقع، إذا استمر تمديد العقوبات، فقد يخشى المرء أن ما سيترتب على ذلك ليس خضوعَ التايوانيين إلى الصين، وإنما مقاومة أكتر اتحادًا للغزو الخارجي، تستقطب مزيدًا من الدعم لتايوان من الدول الديموقراطية. ولو تحقق ذلك، لكان ذلك دليلاً دامغاً على أن بيلوسي كانت مُحقَّة في زيارتها لتايوان".