(أرشيف)
(أرشيف)
الإثنين 8 أغسطس 2022 / 23:43

دبلوماسي أمريكي: تركيا حليف صعب ومعقد بالنسبة للناتو

سلّط السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إيفو دالدر، الضوء على الأهمية الاستراتيجية التي تمتلكها تركيا بالنسبة للغرب، على الرغم من أنها لم تكن حليفاً موثوقاً به لدى حلف الناتو، بسبب ماضيها.

وكتب دالدر، وهو رئيس مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، في مجلة "بوليتيكو"، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "حليف صعب ومعقد للغاية" بالنسبة للناتو، موضحاً أنه "وقف الشهر الماضي ممسكاً بيد الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيمي رئيسي، وهما من ألد أعداء الغرب، ثم بعدها بأيام قليلة، جلس بجوار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عند توقيع صفقة تسمح لصادرات الحبوب الأوكرانية بعبور البحر الأسود".

أهمية استراتيجية.. ولكن

وأشار الدبلوماسي الأمريكي السابق إلى أهمية تركيا الاستراتيجية بالنسبة لحلف الناتو من الناحية الجغرافية، موضحاً أنها تقع على طول جنوب البحر الأسود، وتمثل جسراً بين أوروبا وآسيا ومع الشرق الأوسط إلى الجنوب، وآسيا الوسطى إلى الشرق، والقوقاز إلى الشمال. وبالنسبة للبلدان المُطلة على البحر الأسود، تعد المضائق التركية الممر المائي الوحيد إلى بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط والمحيطات وراءه.

أما من الناحية السياسية، فقال دالدر إن "تركيا هي أكبر دولة إسلامية في الناتو، ويمكن أن تكون صلة وصل جيدة مع العالم العربي والإسلامي"، مضيفاً أنه "على الرغم من أن دبلوماسيتها معطلة، إلا أن صلات أنقرة الوثيقة بالعديد من اللاعبين الرئيسيين توفر لها ثقلاً سياسياً، وهو ما أكده إبرام صفقة الحبوب الأوكرانية أخيراً".

ومن الجانب العسكري، كتب دالدر "تنشر تركيا ثاني أكبر جيش في الناتو، مع خبرة قتالية ضد الأعداء الداخليين والتهديدات الخارجية، وهي موطن لقوات الولايات المتحدة والقدرات العسكرية الأخرى ذات الأهمية الحاسمة للدفاع عن كل من الناتو والولايات المتحدة".

تاريخ أسود

ومع ذلك، لم تكن أنقرة حليفاً موثوقاً به لدى الغرب، إذ أن قائمة مخالفاتها طويلة، وتعود بعضها إلى عقود؛ مثل غزوها غير القانوني لقبرص في عام 1974، والمواجهات المتكررة مع اليونان في بحر إيجة.

وأضاف دالدر أن "الاضطرابات الداخلية في تركيا ليست بالأمر الجديد بالنسبة لدولة شهدت أربع انقلابات عسكرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كذلك فإن سلوك تركيا غير المنتظم بشكل متزايد في سياستها الخارجية، يضع علامات استفهام كثيرة حول ما إذا كانت موضع ثقة للناتو".

علاقات دافئة مع بوتين

وذكر السفير الأمريكي السابق لدى الناتو، أن أردوغان ليس الزعيم الوحيد في الناتو الذي أقام علاقات دافئة مع بوتين، فنرى أيضاً رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني قبل بضع سنوات، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان اليوم.

ولفت دالدر إلى أن "أردوغان يعد الزعيم الوحيد في الناتو الذي اشترى صواريخ دفاع جوي متطورة من روسيا، بدلاً من شراء معدات غربية يمكن دمجها في شبكة الدفاع الجوي لحلف الناتو، وأيضاً الزعيم الوحيد في الناتو - وإن لم يكن أول زعيم تركي - يهدد حليفاً بالقوة، كما فعل قبل بضعة أسابيع في سلسلة تغريدات على تويتر باللغة اليونانية".

أردوغان.. مصدر إزعاج

أما داخل الحلف، "ففي أغلب الأحيان، يكون الرئيس التركي مصدر إزعاج للتكتل، إذ أنه غالباً ما يستخدم طريقة الموافقة بالإجماع إما لمحاولة الحصول على مبتغاه أو عرقلة الاتفاق. على عكس جميع الحلفاء الآخرين تقريباً، فتركيا مستعدة دائماً لاستخدام حق النقض والوقوف بمفردها لمحاولة الحصول على ما تريد"، وفقاً للمسؤول الأمريكي.

وعلى سبيل المثال، "بسبب انزعاجها من الأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد سفينة إمداد تركية تحاول كسر الحصار المفروض على غزة، منعت أنقرة تعاون الناتو مع إسرائيل لسنوات، كما أصرّت على الناتو أن يعتبر تهديدات المعارضة الكردية الداخلية تهديداً للحلف، كذلك منع أردوغان الموافقة على خطط الحلف للطوارئ للدفاع عن بولندا ودول البلطيق".
 
وقبل أسابيع قليلة فقط، استخدمت تركيا حق النقض مرة أخرى، هذه المرة لمنع دعوة السويد وفنلندا للانضمام إلى الناتو. وعلى الرغم من أن القضية قد تم حلها في الوقت المناسب لإصدار دعوة رسمية في قمة مدريد في يونيو (حزيران)، نظراً لأن الانضمام النهائي يتطلب من جميع دول الناتو التصديق على الخطوة، إلا أن أنقرة لا تزال تحمل البطاقة النهائية بشأن ما إذا كان البلدان سينضمان إلى الحلف ومتى.

طرد تركيا من الناتو

والآن، بحسب ما كتب دالدر "بعد رفض أردوغان فرض عقوبات على روسيا بسبب غزوها الفظيع لأوكرانيا، واحتضانه للقادة المتطرفين، فضلاً عن تكتيكاته داخل الناتو، بدأ البعض يجادل بأن الوقت قد حان لتعليق أو إخراج تركيا من الحلف".

إلا أن رئيس مجلس شيكاغو للشؤون العالمية يرى أن هناك مشكلتين في هذا الاقتراح، إحداهما عملية والأخرى استراتيجية، لافتاً إلى أن "مبدأ الإجماع ذاته الذي استغلته تركيا بنجاح لتحقيق أهدافها الخاصة، هو ذاته يجعل تعليقها أو طردها من الناتو مستحيلاً دون موافقة أنقرة".

وبينما يمكن لتركيا الانسحاب من الناتو في أي وقت - كما فعلت فرنسا من هيكلها العسكري في عام 1966 - سيحتاج الحلف إلى الإجماع على طرد عضو. وبالتالي، فإن قاعدة الناتو هي: "لا يمكن تغيير قاعدة توافق الآراء إلا بتوافق الآراء".

عوائق استراتيجية

هناك أيضاً سبب استراتيجي لإبقاء تركيا في الناتو ومحاولة استخدام الدبلوماسية والإقناع والضغط سواء كان ذلك داخلياً أو خارجياً، لأن تركيا، بحسب دالدر "تمتلك مكاناً حيوياً استراتيجياً للحلف، ولديها روابط وثيقة بالشرق الأوسط والقوقاز لا يمتلكها أي عضو آخر".

وفي بعض الأحيان يرى دالدر أن تركيا "تلعب دوراً مفيداً في الجمع بين الأطراف المتمردة كما أبرزت بالفعل علاقاتها مع كل من كييف وموسكو، وكذلك فإنها تساهم بشكل كبير في الدفاع المشترك للتحالف الأطلسي"، مختتماً بالقول إن أنقرة "حليف يصعب التعايش معه بشكل متزايد، ولكن أحياناً وجوده يكون ضرورياً".