الرئيسان الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ.(أرشيف)
الرئيسان الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ.(أرشيف)
الأربعاء 10 أغسطس 2022 / 13:34

أمريكا والصين.. الحاجة تبدّد الخلاف

24- طارق العليان

باتت الصين الصاعدة اقتصادياً بسرعة البرق حازمة بشكل متزايد بخصوص ممارسة ضغوط لإنفاذ مطالبها الاقتصادية والسياسة والإقليمية. والولايات المتحدة التي طالما تعاملت مع الصين بوصفها حالة تستحق الإحسان تتعاطى معها الآن بوصفها منافساً، وتعاملها بشكلٍ مُتزايد على أنها مصدر تهديد.

لطالما حافظت الولايات المتحدة على سياسة «الغموض الإستراتيجي» فيما يخص تايوان، إذ كانت تبيع الأسلحة إلى حكومتها، وترفض في الوقت عينه التقيُّد بأي التزامات أمنية صريحة. ويظل تسليح تايوان الطريقة المثلى لدعمها، بحسب الصحيفة، غير أن وضوح الموقف يمكن أن يكون مُعينًا أيضًا

ورغم أن بعض التوتر لا مناص منه بين البلدين، فقد اتخذ الخِطاب المتبادل منعطفاً عدائياً. فليس بين البلدين سوى القدر القليل من الثقة أو التعاون حتى بشأن قضايا ذات اهتمام مشترك، مثل مكافحة جائحة فيروس كورونا المُستجد أو التعاطي مع مشكلة التغير المُناخي.

وكانت حالة الجمود من جانب البلدين واضحة الأسبوع الجاري. فقد قامت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي بزيارة مُستفزة لتايوان للتأكيد على دعم بلادها للحكومة الديمقراطية، وصعَّدَت الصين ردة فعلها، إذ أجرت تدريبات عسكرية تعدَّت فيها على المجال الجوي والمياه الإقليمية لتايوان للتأكيد على تصميمها وفرض سيادتها على ما تعدُّه ملكًا لها.

وأعلنت الصين الجمعة الماضية (5 أغسطس) عن تعليقها الاتصال مع الولايات المتحدة بشأن عدد من القضايا، بما في ذلك التغير المناخي والجهود الساعية إلى منع تهريب المخدرات.

وفي هذا السياق، رأت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في افتتاحيتها أن من مصلحة الجميع أن يجد البلدان الأقوى في العالم أجمع سبلاً لتخفيف حدة هذه التوترات. وعلى مدار نصف القرن الماضي، وتحديداً بداية من الزيارة البارزة للرئيس ريتشارد نيكسون للصين عام 1972، استقر قادة الولايات المتحدة والصين مرارًا وتكرارًا على إعلاء أهمية المصالح المشركة على الصراع بين البلدين. وقد ساهم بناء هذه العلاقة كثيراً، رغم نقائصها كلها، في استقرار العالم وازدهاره.

وقد تخلّت إدارة الرئيس بايدن عن خطاب الكراهية الذي تبنته إدارة الرئيس ترامب، غير أنها لم تُقدِّم رؤيتها الخاصة لتحقيق التوازن بين التنافس والتعاون. وبدلاً من ذلك، فقد حصرت علاقتها بالصين إلى حدٍ كبير في سلسلة من ممارسات إدارة الأزمات، إذ فرضت عقوبات لانتهاكات الصين لحقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ وفي هونغ كونغ، وسعت في الوقت عينه إلى التعاون معها في قضايا كجائحة فيروس كورونا المُستجد والتغير المناخي والحرب الدائرة في أوكرانيا.

ورأت "نيويورك تايمز" أن هناك عدداً من الخطوات الملموسة التي يمكن للولايات المتحدة أن تتخذها وربما تساعد على تحسين العلاقات بين البلدين.
أولاً، عوضاً عن الاعتماد على سياسات تجارية عقابية تضرب بجذورها في الخوف من الصين بوصفها منافساً اقتصاديّاً، تحتاج الولايات المتحدة إلى التركيز على المنافسة بالاستثمار في التعليم الفني والبحث العلمي والتطوير الصناعي. لقد فات أوان أن يفتح الرئيس بايدن صفحةً جديدة بعد مناورة إدارة ترامب الفاشلة التي حاولت أمريكا بموجبها إرغام الصين على تقديم تنازلات اقتصادية بفرض تعريفات على الواردات الصينية.

وتوقعت الصحيفة توقيع بايدن الثلاثاء على قانون CHIPS . (وهو ما حدث بالفعل أمس) (خلق مُحفزّات مفيدة لصناعة أشباه الموصلات) الذي يشمل دعمًا بقيمة 53 مليار دولار للإنتاج المحلي لأشباه الموصلات، وهي اللبنات الأساسية للعصر الرقمي. وقد تُوصف هذه الخطوة بمحاولة لمحاكاة الصين، ولو أن الولايات المتحدة كانت أول بلد يمارس هذا النوع من السياسات الصناعية.

وأوضحت الصحيفة أن الولايات المتحدة بحاجة أيضاً إلى تجاوز الفكرة القديمة التي مفادها أن المشاركة الاقتصادية ستُحدِث تحولاً تدريجياً في السياسات الصينية والمجتمع الصيني. فبدلاً من محاولة تغيير الصين، ينبغي للولايات المتحدة أن تركِّز على بناء علاقات أقوى مع جيران الصين. إن تعزيز التعاون بين الدول ذات المصالح المُتباينة – وفي بعض الحالات، الدول التي لها تاريخ طويل من الصراع – ليس بالمهمة اليسيرة، غير أن التاريخ الحديث يُعلِّمنا أن الولايات المتحدة أكثر فعالية في تعزيز مصالحها والدفاع عنها عندما لا تتصرف من جانبٍ واحد.

وتُعدُّ تايوان جزءاً بالغ الأهمية من ذلك المشروع. ورأت الصحيفة أن توقيت زيارة بيلوسي لتايوان كان سيئاً. فالأولوية الأكثر إلحاحاً لإدارة بايدن في السياسة الخارجية، برأي الافتتاحية، تكمن في مساعدة أوكرانيا على قهر الغزو الروسي، والخلاف التايواني يجعل من الأصعب إقناع الصين بالحد من دعمها لروسيا. غير أن جوهر رسالة بيلوسي إلى تايوان كان دقيقاً. فلطالما دعمت الولايات المتحدة نضج الديموقراطية التايوانيّة، ومن مصلحة أمريكا معاملة تايوان بوصفها حليفًا عظيم القيمة.

لطالما حافظت الولايات المتحدة على سياسة "الغموض الإستراتيجي" فيما يخص تايوان، إذ كانت تبيع الأسلحة إلى حكومتها، وترفض في الوقت عينه التقيُّد بأي التزامات أمنية صريحة. ويظل تسليح تايوان الطريقة المثلى لدعمها، بحسب الصحيفة، غير أن وضوح الموقف يمكن أن يكون مُعينًا أيضًا.

وأوضحت الافتتاحية أن حدة التوترات بشأن تايوان تتصاعد لثلاثة أسباب مترابطة: فقد أمست الجزيرة المتمتعة بحكمٍ ذاتي أكثر ديمقراطية ومُستقلة على نحو يشي بالتحدي؛ وأصبحت الصين تحت القيادة المُستبدة لشي جين بينغ أكثر عدوانيّة؛ واستجابت الولايات المتحدة للاتجاهين بتقديمها تعبيرات أقوى عن الدعم.
عندما صرَّحَ بايدن في مايو (أيار) الماضي بأن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان ضد أي هجوم صيني، أصرَّ مساعدوه على أنه لم يقصد أي تحوُّل في السياسة الأمريكية.

ولكن، ترى الصحيفة أنه يتعين على البيت الأبيض أن يلزم الوضوح بشأن التزام أمريكا بالإقرار بدولة صينية واحدة – "سياسة الصين الواحدة" – استند دائمًا وأبدًا على التصرف السلميّ للصين تجاه تايوان.

ولا يُراد من هذين الجهدين – وتعني الصحيفة تعزيز الاقتصاد الأمريكي وبناء تحالفات أقوى من ذي قبل – عَزْل الصين مطلقاً. على العكس تماماً، فهما يكفلان أساساً أقوى لإدارة بايدن والإدارات التالية لها لإشراك الصين في قضايا تنطوي على أوجه اختلاف حقيقية، غير أنها تتمتع بإمكانات حقيقية للتطور، خاصّة قضية التغير المناخي.

واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول إن "التعامل مع الصين بوصفها قوة عدائية هو تبسيط عقيم. فالدولتان تحتلان مساحة كبيرة من الكوكب ذاته. وهما لا تتفقان على معنى الديمقراطية أو حقوق الإنسان، لكنهما تتشاركان بعض القيم، وأهمها على الإطلاق السعي لتحقيق الرخاء والازدهار".

إن الحقيقة المزعجة، برأي "نيويورك تايمز"، هي أن الولايات المتحدة بحاجة إلى الصين، والعكس صحيح. ولا يوجد مثال أفضل من سفن الشحن التي استمرت في ترحالها ما بين مُدن قوانتشو ولونغ بيتش وكاليفورنيا خلال زيارة بيلوسي، وستظل في ترحالها لفترة طويلة بعد عودتها إلى وطنها.