بريطانيا (أرشيف)
بريطانيا (أرشيف)
الخميس 11 أغسطس 2022 / 16:48

بريطانيا.. اتهامات تطال المحافظين بتجاهل "كارثة مالية وطنية"

بينما تشتعل بريطانيا هذا الصيف، وتستعد لحساب مالي بارد في الخريف، تزداد الدعوات إلى حكومة المحافظين للتحرك، وسط انشغالهم باختيار زعيم جديد خلفاً لبوريس جونسون، من خلال انتخابات حزبية مطولة تبدو أولوياتها في كثير من الأحيان بعيدة عن الاضطرابات المتزايدة في البلاد، وفقاً لوكالة "أسوشييتد برس".

ويواجه الملايين قيوداً على استخدام المياه، بسبب الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، إذ وصلت إلى 40 درجة مئوية (104 درجة فهرنهايت) في يوليو(تموز) الماضي للمرة الأولى على الإطلاق، بينما ارتفعت فواتير الطاقة في منازل البريطانيين مع توقعات باستمرار ازدياد قيمتها، في الوقت الذي تضغط فيه الحرب الروسية الأوكرانية على إمدادات النفط والغاز العالمية.

ويتوقع بنك إنجلترا ركوداً طويلاً وعميقاً في وقت لاحق من هذا العام إلى جانب تضخم بنسبة 13%.

حالة من التغيّب
ورغم ذلك، هناك القليل من الشعور بالأزمة بين المحافظين، حيث تتقاطع وزيرة الخارجية ليز تروس ووزير الخزانة السابق ريشي سوناك في التودد لأعضاء الحزب الذين سيختارون خليفة لرئيس الوزراء المغادر بوريس جونسون.

وفي ظل النظام البرلماني البريطاني، سيصبح الفائز في سباق قيادة حزب المحافظين الذي سيتم الإعلان عنه في 5 سبتمبر(أيلول) المقبل، رئيساً للوزراء أيضاً، دون الحاجة إلى انتخابات وطنية.

والأعضاء المحافظون هم إلى حد كبير في منتصف العمر أو أكبر، ومعظمهم من الطبقة المتوسطة أو الأثرياء، وآراؤهم لا تعكس دائماً آراء الدولة ككل.

وقالت هيلين جالي، المحامية والمسؤولة المحلية عن حزب المحافظين التي حضرت اجتماع المرشحين في بلدة إيستبورن الساحلية الإنجليزية: "أود أن أرى بعض سياسات المحافظين الحقيقية، ضرائب منخفضة، تحرير الصناعة والتجارة من لوائح الاتحاد الأوروبي، بعض الاعتماد على الذات والشعور بالمسؤولية".

وتنعكس هذه الأولويات في عروض حملة تروس وسوناك، اللذان يقولان إنهما سيعالجان أزمة تكلفة المعيشة من خلال تدابير طويلة الأجل لتعزيز الاقتصاد.

وقالت تروس إنها ستخفض الضرائب الفردية والشركات بدلاً من إعطاء الناس "صدقات"، بينما أكد سوناك أنه سيتعامل مع التضخم قبل خفض الضرائب، وسيقدم مساعدة غير محددة للأشخاص الذين يكافحون لدفع فواتيرهم.

ويقول منتقدون إن أياً من المرشحين لا يدرك حجم الأزمة، إذ من المتوقع أن تواجه ملايين الأسر ضغوطاً مالية أكبر في أكتوبر(تشرين الأول) المقبل، عندما يتم رفع سقف فواتير الطاقة المنزلية المرتبطة بأسعار الجملة.

"قنبلة مالية"
وتتوقع شركة الاستشارات Cornwall Insight أن يدفع متوسط الأسرة بعد ذلك أكثر من 3500 جنيه إسترليني (4200 دولار) سنوياً مقابل الغاز والكهرباء، أي أكثر من ضعف المبلغ في العام السابق، مع زيادة أخرى مستحقة في العام الجديد، بينما حذر مارتن لويس، الذي يدير موقع Money Saving Expert الشهير، من أن "هناك كارثة مالية وطنية محتملة"، حيث لا يستطيع الملايين تدفئة منازلهم هذا الشتاء.

ومن جهته، دعا رئيس الوزراء السابق جوردون براون، الذي قاد المملكة المتحدة خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008، جونسون وتروس وسوناك إلى الاجتماع معاً ووضع ميزانية طارئة استعداداً لـ "قنبلة مالية" في أكتوبر(تشرين الأول) المقبل.

وقال براون، عضو حزب العمال المعارض، لمحطة ITV: "لا يقتصر الأمر على أنهم نائمون على عجلة القيادة، بل لا يوجد أحد على عجلة القيادة في الأساس"، فيما اتفق توني دانكر من مجموعة الأعمال "اتحاد الصناعة البريطاني" مع براون، الذي قال: "ببساطة لا يمكننا تحمل صيف من الخمول الحكومي بينما تدور مسابقة القيادة".

ومن جانبه، لفت آلان واغر، الباحث المشارك في المملكة المتحدة في مركز أبحاث Changing Europe، إلى أن "حزب المحافظين يجري محادثة منفصلة تماماً عن الشعب، إنه وقت خطير للغاية".

عالم خارج فقاعة المحافظين
وطارد المتظاهرون المناهضون للفقر والبيئة تروس وسوناك في فعاليات الحملة، تذكيراً بأن هناك عالماً آخر خارج فقاعة المحافظين، وفي إيستبورن، وقف العديد من نشطاء المناخ الذين تسللوا إلى الحشد لمضايقة تروس لفشلها في معالجة أزمة المناخ.

وبالفعل، نادراً ما تظهر أزمة البيئة في مسابقات الترشح، إذ يقول كل من تروس وسوناك أنهما سيبقيان هدف الحكومة المتمثل في خفض انبعاثات الكربون في بريطانيا إلى الصفر الصافي بحلول عام 2050، مع تقديم سياسات من شأنها أن تجعل ذلك أكثر صعوبة.

وفيما تدعم تروس التكسير الهيدروليكي، وتجديد استخراج النفط والغاز في بحر الشمال، وتقول إنها ستعلق الرسوم الخضراء المستخدمة لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة، ويرغب سوناك بحظر مزارع الرياح البرية الجديدة، رغم أنه يدعم الرياح البحرية والمزيد من الطاقة النووية لخفض البصمة الكربونية لبريطانيا.

تقدم تروس
وتشير استطلاعات الرأي الحزبية، بحسب "أسوشييتد برس"، إلى تقدم تروس في السباق، بينما ينظر بعض المحافظين إلى سوناك بعين الشك لتركه الحكومة التي ابتليت بالفضيحة الشهر الماضي، وهي خطوة ساعدت في إسقاط جونسون.

ووصف المعارضون وزير المالية السابق على أنه "شبه اشتراكي بعد أن رفع الضرائب والإنفاق، بسبب المليارات التي أنفقها لدعم الاقتصاد خلال جائحة فيروس كورونا".

ومع ذلك، فإن ما يروق لحزب المحافظين لا يروق بالضرورة للبلاد، ويقول كريس كورتيس، رئيس الاستطلاعات السياسية في شركة الأبحاث Opinium، إن "الوعود الاقتصادية للمرشحين ستصطدم قريباً بواقع صارخ".

وأضاف "يمكن أن تصدق تروس كل ما تحب سماعه، أنها ستكون قادرة على حل الأزمات من خلال التخفيضات الضريبية، ولكن هناك شريحة كبيرة من السكان على وشك التعرض لكوارث"، لافتاً إلى أن "الحديث عن أن طريقة هؤلاء الأشخاص ليست من النوع الذي يروق لأعضاء حزب المحافظين، ولكن يجب أن يكون هناك تدخل ضخم جديد لمساعدة الناس هذا الخريف".