قادة حركة طالبان (أرشيف)
قادة حركة طالبان (أرشيف)
السبت 13 أغسطس 2022 / 22:21

حياة الأفغان تنقلب رأساً على عقب في ظل طالبان

24 - شيماء بهلول

توشك أفغانستان على إكمال عام كامل من إحياء الذكرى السنوية الأولى لوقوع البلاد تحت سيطرة حركة طالبان الإرهابية، إثر انسحاب القوات الأمريكية بعد 20 عاماً في 15 أغسطس(آب) 2021.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت البلاد الممزقة تعيش تحت قواعد وخارطة مختلفة، من انهيار للمؤسسات إلى فقدان للحرية، دافنة أحلام الشعب الأفغاني بأكمله نحو حياة أفضل.



كابوس
ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية في مقال افتتاحي، أنه بعد مرور عام من حكم حركة طالبان في أفغانستان مازالت البلاد تعيش في كابوس، بسبب تزايد معدلات الفقر والجوع ناهيك عن سياسة القهر التي تتبعها الحركة في إدارة شؤون البلاد.

وأشارت إلى أن الكابوس بات يحكم قبضته على الشعب الأفغاني، الذي أصبح يعاني في ظل حكم طالبان من القهر والجوع، مضيفة "كان من المتوقع أن يرى العالم حركة طالبان في زيها الجديد، بحيث تكون أكثر حداثة ومرونة بعد توليها حكم البلاد مرة أخرى".

وتابعت "حركة طالبان مازالت تمارس أسلوبها في قهر المعارضين الذين يتعرضون للاعتقال التعسفي والتعذيب، بل والقتل في بعض الأحيان بينما لا تتمتع الصحافة في ظل قيادة طالبان بالحرية الكافية".



قمع الحرية
وفيما تزال التظاهرات النسوية التي تطالب بحقوق المرأة في البلاد قائمة بين الفينة والأخرى، شهدت العاصمة الأفغانية كابول اليوم السبت طلقات نار في الهواء من مسلحي طالبان، لتفريق مظاهرة نظمتها نساء يطالبن بالحق في العمل والتعليم.

وجمعت المظاهرة ما يقارب 40 امرأة يهتفن "خبز وعمل وحرية" و"العدل العدل، سئمنا الجهل" أمام وزارة التعليم، وبعد حوالي 5 دقائق من بدء المظاهرة قامت مجموعة من مقاتلي طالبان بتفريقهن بعد إطلاق رشقات رصاص في الهواء.



وفي إطار مطالبتهن بحقوقهن في العمل والمشاركة السياسية، رفعت المتظاهرات لافتة كتب عليها "15 أغسطس(آب) يوم أسود"، في إشارة إلى ذكرى سيطرة الحركة على السلطة في البلاد العام الماضي.

وأوضحت زوليا بارسي إحدى منظمات الاحتجاج لوكالة الأنباء الفرنسية "لسوء الحظ جاءت طالبان التي كانت جزءاً من أجهزة المخابرات وأطلقت النار في الهواء"، وأضافت "قاموا بتفريق الفتيات ومزقوا لافتاتنا وصادروا العديد من هواتفنا المحمولة"، وأكدت متظاهرة أخرى تدعى منيزة مبارز، أنها تعتزم مواصلة الاحتجاج للمطالبة بحقوق النساء، وقالت "لن ندع طالبان تكمّ أصواتنا، سنحتج من منازلنا".



اعتداء على النساء
ورصدت وكالة الأنباء الألمانية صوراً على وسائل التواصل الاجتماعي لقوات طالبان وهي تطلق طلقات تحذيرية وتعتدي جسدياً على النساء، لتفريق تجمعهن في قلب المدينة، وأظهر مقطع فيديو آخر مجموعة صغيرة من النساء، محاصرات من قبل طالبان في مكان مغلق.

وذكر صحافي من الوكالة الفرنسية، أن أحدهم صوّب بندقيته على المتظاهرات، وطارد عناصر الحركة بعض المتظاهرات اللواتي لجأن إلى المتاجر المجاورة، وقاموا بضربهن بأعقاب البنادق، ولجأت متظاهرات إلى متاجر قريبة وطاردهن مسلحو طالبان وقاموا بضربهن بأعقاب البنادق، كما صادروا الهواتف المحمولة من المتظاهرات، إضافة إلى تعرض صحافيون للضرب على أيدي طالبان.



حقوق ضائعة
ومنذ عودتهم إلى السلطة في أغسطس(آب) الماضي، عملت الحركة على الحد من الحريات التي اكتسبتها النساء تدريجياً على مدى السنوات الـ 20 الماضية منذ سقوط نظامهم السابق (1996-2001).

وفرضوا سلسلة من القيود على المجتمع المدني يهدف الكثير منها إلى إخضاع المرأة لمفهومهم المتطرف للإسلام، واستبعدوا النساء بشكل كبير من الوظائف الحكومية وقيّدوا حقهن في السفر ومنعوا الفتيات من الالتحاق بالمدارس الإعدادية والثانوية.



ويعود آخر قرار في هذا المجال إلى أوائل مايو(أيار) الماضي، عندما أصدرت الحكومة مرسوماً أقرته حركة طالبان والمرشد الأعلى الأفغاني هبة الله أخوند زاده، يلزم النساء بوضع النقاب في الأماكن العامة، وأوضحت حركة طالبان أنها تفضل أن ترتدي النساء البرقع، لكنها ستتسامح مع أشكال أخرى من الحجاب لا تكشف سوى العينين.

وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في أفغانستان ريتشارد بينيت إن "كل هذه الإجراءات تشكل نموذجاً لفصل جنسي كامل وتهدف إلى جعل المرأة غير مرئية في المجتمع"، وطوال العقدين الماضيين اكتسبت المرأة الأفغانية حريات جديدة، وعادت إلى المدرسة أو تقدمت لوظائف في جميع القطاعات وإن ظلت البلاد محافظة اجتماعياً.



الصحافة تنزف
وأعربت منظمة "مراسلون بلا حدود"، عن أسفها لنهاية العديد من وسائل الإعلام في أفغانستان، وقال المدير التنفيذي للمنظمة كريستيان مير، في بيان أمس الجمعة إن "العديد من وسائل الإعلام توقفت عن العمل وفقد مئات الصحفيين وظائفهم".

وأضاف "الصحافة في أفغانستان تنزف، لقد سنت طالبان العديد من القوانين التي تقيد حرية الصحافة وتشجع على اضطهاد وترهيب وسائل الإعلام والصحفيين".

وأعلنت المنظمة أن نحو ثلث 550 وسيلة إعلام نشطة في أفغانستان توقفت عن العمل بحلول 15 أغسطس(آب) 2021، كما انخفض عدد الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام بأكثر من النصف إلى حوالي 4750 شخصاً، وكان أكثرهم تتضرراً النساء، حيث فقدت ثلاثة أرباع الصحفيات وظائفهن أو تخلين عنها خوفاً من طالبان، ولم تعد هناك صحفيات يعملن في 11 من أصل 34 إقليماً أفغانياً.

وأضافت أن طالبان جعلت العمل أكثر صعوبة إلى حد كبير، مشيرة إلى أن هناك رقابة متزايدة ورقابة ذاتية، فضلاً عن موجة من الاعتقالات التعسفية للعاملين في مجال الإعلام، وبحسب البيانات، اعتُقل منذ استيلاء طالبان على السلطة ما لا يقل عن 80 عاملاً إعلامياً لفترات متفاوتة، واعتقل بعضهم "بطريقة وحشية للغاية"، وأشارت المنظمة إلى أن أفغانستان تحتل اليوم المرتبة 156 من بين 180 دولة في "ترتيب حرية الصحافة".



عدم الاعتراف بالحركة
ومن جهتها، حذرت حبيبة سرابي الحاكمة السابقة لإحدى الولايات الأفغانية من انهيار البلاد، وقالت لوكالة الأنباء الألمانية: "لقد أصبحت أفغانستان مرة أخرى ملاذاً آمناً للميليشيات الإرهابية تحت حكم طالبان، وينبغي على العالم ألا يعترف بطالبان".

وأشارت سرابي، التي شغلت منصب وزيرة التعليم في عهد الرئيس حامد كرزاي حتى عام 2005، أيضاً إلى مسؤولية المجتمع الدولي، مؤكدة أن القوى الغربية ساعدت أمراء الحرب وغيرهم من السياسيين الفاسدين في أفغانستان على تولي السلطة في البلاد.

ولكن بالنسبة للعديد من الخبراء، لم يكن انهيار الدولة الأفغانية مفاجئاً، وإضافة إلى دعم القوى الإقليمية، ساعدت معاهدة السلام بين الولايات المتحدة وطالبان المبرمة في الدوحة عام 2020 الإسلاميين المتشددين على اكتساب قوة جديدة.

وقالت سرابي إنه "بالنسبة للجيش الأفغاني، على الجانب الآخر، كانت محادثات السلام نكسة مريرة، وفي هذا الوقت العصيب بالتحديد، انسحبت القوات الدولية دون خطة واضحة ودون مسؤولية واضحة"، وأضافت السياسية البارزة "لقد أعيدت أفغانستان ببساطة إلى أيدي الإرهابيين"، لافتة إلى أن هذا التطور في الأمور سيؤثر على بقية العالم، وتابعت "إذا نسينا أفغانستان، فإن التطرف سيطرق أبوابنا".



اللحظات الأخيرة
وبدوره، وصف القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى كابول، روس ويلسون اللحظات الأخيرة التي شهدت سيطرة طالبان على السلطة، حسب ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، التي التقت بالسفير وعدد آخر من المسؤولين الذين سبق لهم العمل في أفغانستان للحديث عن مشاعرهم وآمالهم وأحياناً إحباطهم.

وقالت الصحيفة "في صباح يوم 15 أغسطس(آب) 2021، تلقى روس ويلسون تحديثاً أمنياً رهيباً من القادة العسكريين، كان إطلاق النار يندلع في جميع أنحاء العاصمة الأفغانية مع اقتراب مقاتلي طالبان وتخلي قوات الأمن المحلية عن مواقعها"، وأضافت "أمر ويلسون بإغلاق السفارة وإجلاء حوالي 1500 أمريكي وموظف آخر، حيث تم حرق الوثائق على عجل وتدمير المعدات".

وقال ويلسون: "لقد كان الأمر مؤلماً"، مضيفاً "كان على الناس أن يتركوا الأشياء ورائهم - ممتلكاتهم، حياتهم قد اقتلعت من جذورها بشكل لا يصدق، جميعهم يفكرون في أصدقائهم الأفغان، سواء الزملاء الأفغان أو الأشخاص الذين يعرفونهم ويهتمون بهم".

ولا يزال السفير يتوخى حذره من حركة طالبان، كما حذر من الاعتراف بسلطتها كحكومة شرعية، حتى في الوقت الذي يشجع فيه الولايات المتحدة على مواصلة العمل مع الشعب الأفغاني ومساعدته.