كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كاني يغادر قصر كوبرغ الذي تجري فيه المحادثات النووية في فيينا (رويترز)
كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كاني يغادر قصر كوبرغ الذي تجري فيه المحادثات النووية في فيينا (رويترز)
الخميس 18 أغسطس 2022 / 14:58

الأمتار الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي.. هل تشهد تعثراً؟

24. إعداد: شادية سرحان

دخل ملف إحياء الاتفاق النووي الإيراني مرحلة حاسمة، بعد أن قدمت طهران ردها على المقترح الأوروبي الأخير بهذا الشأن، وحالياً تعكف واشنطن وبروكسل على دراسة الرد الإيراني بهدف إحياء الاتفاق النووي الذي وقع عام 2015 بين طهران و6 قوى دولية كبرى، والذي أتاح رفع عقوبات عن إيران لقاء خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها، إلا أن الولايات المتحدة انسحبت أحادياً منه خلال عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معيدة فرض عقوبات على إيران التي ردت ببدء التراجع تدريجياً عن معظم التزاماتها.

ومع اقتراب الطرفين الإيراني والأمريكي من إبرام صفقة لإحياء الاتفاق النووي، تبرز إلى الواجهة قضية الضمانات التي تبدو أحد هواجس طهران في أي اتفاق مستقبلي خصوصاً مع مطالبة إيران للولايات المتحدة في ردها الأخير بتعويضها إذا انسحب أي رئيس أمريكي مستقبلي من الاتفاق، في حين ما زال البرلمان الإيراني يرى الاتفاق بعيد المنال، فهل اقترب موعد إحياء الاتفاق الصعب أم إنه في طريقه إلى الفشل؟.

اجتماع برلماني

وخلال اليومين الماضيين، عُقدت سلسلة اجتماعات في إيران بين رئيس فريق التفاوض وكبار المسؤولين في الحكومة والبرلمان ومجلس الأمن القومي الإيراني، لكن الكلمة الفصل في قرار عودة طهران للاتفاق النووي تبقى لدى المرشد الأعلى، علي خامنئي، صاحب القرارات النهائية في جميع قضايا الأمن القومي الرئيسية للبلاد.

وأنهى البرلمان الإيراني، أمس الأربعاء، اجتماعاً مغلقاً بحضور وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، إضافة إلى رئيس الوفد الإيراني المفاوض علي باقري كني، لمناقشة آخر تطورات المفاوضات النووية.

وناقش البرلمان المقترحات التي قدمتها طهران رداً على المسودة الأوروبية لإحياء الاتفاق النووي.

وفي السياق، أكد مستشار الوفد الإيراني المفاوض في الملف النووي محمد مرندي، أن "الأجواء الحالية الخاصة بالمفاوضات النووية إيجابية".


الضمانات

واليوم الخميس، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن المطالب الإيرانية بضمانات من الولايات المتحدة، أعاقت مرة أخرى جهود إحياء الاتفاق النووي المبرم في العام 2015.

وذكرت الصحيفة الأمريكية أن "الرد الإيراني لم يتضمن قبولاً أو رفضاً لمسودة نص اتفاق الاتحاد الأوروبي، لكنه أثار عدة قضايا تريد إيران إدراجها في الاتفاق"، موضحةً أن "إيران أعادت طلب ضمانات أمريكية بعدم انسحاب أي رئيس أمريكي مستقبلي من الصفقة، كما حدث مع الرئيس السابق دونالد ترامب في العام 2018، واعتبرت أن هذه التطورات تترك "واشنطن والعواصم الأوروبية غير متأكدة من إمكانية التوصل إلى اتفاق".

وقال فريق التفاوض الإيراني إنه "من الأمور الأساسية الأخرى في الرد الإيراني على المقترح الأوروبي، التأكيد بأن الشركات الغربية التي تستثمر في إيران ستتم حمايتها إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق مرة أخرى، كما فعلت في عهد ترامب".

كما طرحت إيران آليات في الاتفاق من شأنها أن تسمح لطهران بزيادة أنشطتها النووية بسرعة إذا انسحبت واشنطن من الاتفاق.

وأفاد مسؤول أوروبي، أن طهران وواشنطن بحاجة إلى الموافقة على مسودة النص من عدمه، رافضاً فكرة استئناف المحادثات بين الطرفين. وقال مسؤولان غربيان إنهما "لا يتوقعان أي إعلان عن صفقة وشيكة، رغم أن الاتفاق لا يزال ممكناً خلال الأيام المقبلة".


الرد الإيراني

وكانت إيران، ردت، الإثنين الماضي، على مسودة النص "النهائي" للاتحاد الأوروبي لإنقاذ الاتفاق‭ ‬النووي المبرم في عام 2015.

وركز الرد الإيراني على الأسئلة المعلقة المرتبطة بالعقوبات والمشاركة الاقتصادية بحسب مسؤول غربي تحدث لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية، مشيراً إلى أن الرد لم يتضمن أي مطالب إضافية في ما يتعلق بتحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن العثور على آثار اليورانيوم في أماكن لم تبلّغ طهران عن أنشطة فيها.

ولكن مصدراً مقرباً من مجلس الأمن القومي الإيراني، أفاد، أمس الأول الثلاثاء، أن رؤية طهران ووجهة نظر المنسق الأوروبي في بعض نقاط المفاوضات النووية "لا تزال غير متقاربة"، إلا أنه أضاف أن الجولة الأخيرة من المفاوضات النووية "خرجت من حالة الركود".

ونقلت قناة "العالم" الإيرانية عن المصدر قوله، الثلاثاء، إن ما أعلنه الاتحاد الأوروبي يأخذ في الاعتبار "هواجس إيران" بشأن 3 محاور رئيسية، مشيراً إلى أن طهران "ما زالت تنتظر الرد". وتابع: "لا يمكن أن تعكس التفسيرات حقيقة الأمور بشأن المفاوضات حتى ظهور التصريحات الرسمية".

ومن جهتها، أفادت وكالة "إرنا" الإيرانية، أن نقاط التباين المتبقية "تدور حول 3 قضايا، أعربت فيها أمريكا عن مرونتها اللفظية في حالتين، لكن يجب إدراجها في النص"، في حين ترتبط الثالثة "بضمان استمرار تنفيذ "خطة العمل الشاملة المشتركة" (الاسم الرسمي للاتفاق)، التي تعتمد على واقعية أمريكا لتأمين (التجاوب مع) رأي إيران".

وكشفت مصادر مطلعة مقربة من المفاوضات النووية الإيرانية، أن طهران طالبت في ردها بـ"ضرورة الحصول على ضمانات اقتصادية أقوى، لديمومة تنفيذ الاتفاق النووي، ورفع العقوبات، وتسهيل تجارة الشركات الأجنبية مع إيران وضمان استمرارها".

كذلك طالبت إيران "بتضمين الاتفاق بنداً للحصول على غرامات مالية في حال انسحاب واشنطن من الاتفاق أو أخلّت به"، بحسب المصادر.

ويبدو من الأمور الأساسية لطهران سعيها للحصول على تأكيدات بأن الشركات الغربية التي تستثمر في إيران وحتى المصارف الأجنبية ستتم حمايتها إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية مرة أخرى، كما حصل في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، بحسب ما ذكرت "صحيفة وول ستريت جورنال".

وأجرت طهران وواشنطن بتنسيق من الاتحاد الأوروبي مباحثات غير مباشرة ليومين في الدوحة أواخر يونيو (حزيران)، لم تفض إلى تحقيق تقدم يذكر.

وفي الرابع من أغسطس (آب)، استؤنفت المباحثات في فيينا بمشاركة من الولايات المتحدة بشكل غير مباشر. وبعد 4 أيام من التفاوض، أكد الاتحاد الأوروبي أنه طرح على طهران وواشنطن، صيغة تسوية "نهائية"، وينتظر ردهما "سريعاً" عليها.

وكان أمير عبد اللهيان أكد الاثنين الماضي أن "الأيام المقبلة مهمة. في حال تمت الموافقة على مقترحاتنا، نحن مستعدون للإنجاز، وإعلان الاتفاق خلال اجتماع لوزراء الخارجية".


رد واشنطن
وبحسب التقارير في هذا الصدد، لا تزال الكرة التي رمتها إيران في ملعب الولايات المتحدة، بانتظار رد خلال الأيام المقبلة، رغم تصريحات واشنطن بأن مطالب طهران الأخيرة لا مكان لها في المحادثات النووية.

وبدورها، رفضت وزارة الخارجية الأمريكية، عبر المتحدث باسمها نيد برايس، الإفصاح عن موقف واشنطن من الرد الإيراني على المسودة التي قدمها الاتحاد الأوروبي لإعادة إحياء الاتفاق النووي.

وأشار برايس إلى أنه لا يمكنه التعليق بشكل عام على ما إذا كان سيصدر بيان أمريكي نهائي بخصوص وجهات نظر إيران بشأن نص الاتحاد الأوروبي المقترح، مضيفاً "نراجع الرد الذي قدمته إيران إلى الاتحاد الأوروبي والذي تسلمناه، وقد نقلنا ملاحظاتنا إلى الاتحاد بشكل خاص وسنستمر في ذلك، لكننا لن نفصل في ذلك".

وشدد متحدث باسم الخارجية الأمريكية على أن "ما يمكن التفاوض عليه قد تم التفاوض عليه"، مضيفاً، "الطريقة الوحيدة لتحقيق عودة متبادلة لخطة العمل الشاملة المشتركة تكمن في تخلي إيران عن مطالبها غير المقبولة، التي تتجاوز بكثير اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة".

وتابع برايس: "لو أظهر الإيرانيون قدرا من الجدّية لكنا وصلنا اليوم إلى نتائج ملموسة".

ومن جهة أخرى، شدد على أن العقوبات المفروضة على الحرس الثوري الإيراني هي خارج الاتفاق النووي وغير مرتبطة به.

وبشأن انتقادات أعضاء الكونغرس لنهج حكومة بايدن لإحياء الاتفاق النووي، قال برايس إن "الحكومة الأمريكية لا تنظر إلى مفاوضات إحياء الاتفاق النووي من وجهة نظر سياسية فحسب، بل تنظر أيضًا إلى المصالح الوطنية للولايات المتحدة في هذه المفاوضات".

وشدد برايس على أن إعادة إحیاء الاتفاق النووي لا تزال "الطريقة المفضلة والأكثر فاعلية" لفرض قيود دائمة على برنامج إيران النووي، وقال إنه منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، يتقدم البرنامج النووي الإيراني بسرعة.

وأشار إلى أن حكومة بايدن تبلغ أعضاء الكونغرس بآخر التطورات في عملية المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي، وأكد أن البيت الأبيض يحتاج إلى دعم الكونغرس الكامل في هذا الاتجاه.


الخطوة التالية
ومن جانبه، أفاد ناطق باسم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي نسّق المحادثات الرامية لإعادة إيران والولايات المتحدة إلى الاتفاق، بأنه تم تلقي الرد الإيراني على مقترحه الخاص بإحياء الاتفاق النووي، واصفاً الرد، بأنه "بنّاء".

ونقل موقع "بلومبيرغ"، عن مسؤول مطلع أن الاتحاد الأوروبي بصدد التشاور مع الولايات المتحدة بشأن المضي قدماً في الخطوة التالية، مشيراً إلى أن رد إيران لا يزال يتطلب دراسة.

وأوضح المصدر ذاته، أن الأطراف الأخرى في المحادثات النووية بما فيها الولايات المتحدة والصين وروسيا لا تزال بصدد تقييم الرد الإيراني.


ترقب إسرائيلي
وفي الأثناء، نقلت القناة الـ13 الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إيران تقترب من التوقيع على اتفاق نووي، وإنهم يلاحظون ذلك ويعتبرون الاتفاق سيئاً.

ونقلت القناة الإسرائيلية عن المسؤولين قولهم إن "إسرائيل تستعد لسيناريوهات مختلفة، وتعمل على تحديد التوجهات للقيام بالإجراءات المناسبة من أجل الاستعداد لذلك الأمر".

كما نقلت عنهم قولهم إن "إيران تعد لتجييش الرأي العام لديها لتتمكن من التوقيع على الاتفاق".


آثار اليورانيوم
و بعد جولة الأسبوع الماضي، من المحادثات حول إحياء الاتفاق النووي الإيراني، طالبت طهران بغلق التحقيقات في أنشطة مواقعها النووية من قبل وكالة الطاقة الذري، وتصر إيران على إغلاق تلك التحقيقات الخاصة بشأن العثور على آثار يورانيوم مخصب في مواقع سرية لم تعلن عن وجودها في المفاوضات التي سبقت الاتفاق النووي لعام 2015.

وتقول إن "الاتفاق النووي قد نزع عن برنامجها النووي أي جانب عسكري محتمل. وبشأن هذه النقطة فإن حلها سيكون في التفاوض المباشر بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران"، بحسب ما تمخضت عنه نتائج مفاوضات فيينا.

وحسب معطيات المسودة النهائية لإحياء الاتفاق (المقدم من الأوربيين) فهناك تسريبات أنه من المنتظر أن تتم الموافقة على مطالب طهران في هذا الشأن وغلق التحقيقات في التفاصيل.


تفاؤل روسي
فيما، أفاد المبعوث الروسي إلى فيينا بأن عقبة تحقيق "الوكالة الذرية" في آثار اليورانيوم بإيران "قد سويت"، وقال مندوب روسيا الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، لشبكة CNN، إن إحدى العقبات الرئيسة أمام إحياء الاتفاق المتعلقة بتحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن آثار اليورانيوم التي تم العثور عليها في مواقع غير معلنة في إيران "يبدو أنه تمت تسويتها".

وأضاف أوليانوف، رداً على سؤال لمذيعة شبكة CNN بيكي أندرسون، الثلاثاء، أن الدول الأوروبية وروسيا ودول أخرى قدمت "حلاً جيداً".
ولم يشرح المفاوض الروسي كيف "تمت تسوية" تلك القضية، وما إذا كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستُسقط التحقيق أو ما إذا كانت إيران قد وافقت على تقديم إجابات لأسئلة الوكالة بشأن وجود آثار يورانيوم في مواقع غير معلنة.

وتابع أوليانوف "آمل أن يكون رد فعل واشنطن إيجابياً. وإذا حدث ذلك، فمن المرجح أن نعقد اجتماعاً وزارياً للجنة المشتركة لخطة العمل الشاملة المشتركة إما هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل. وفي الواقع، نحن قريبون جداً من المرحلة النهائية".، مضيفاً أن "الكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة".
تبادل السجناء
وفي السياق ذاته، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أمس الأربعاء، أن إيران مستعدة لتبادل السجناء مع الولايات المتحدة، داعيًا إدارة الرئيس جو بايدن إلى "التحرك بدلاً من العروض المسرحية" من أجل تحقيق ذلك.

وأضاف كنعاني "نتوقع أن تفرج الولايات المتحدة دون أي شروط عن المواطنين الإيرانيين المحتجزين لدورهم في الالتفاف على العقوبات الأمريكية. لا نعترف بازدواج الجنسية في إيران ونعتبرهم مواطنين إيرانيين".


مخاطر إقليمية
وصرح دبلوماسيون ومسؤولون لوكالة "رويترز"، أنه سواء قبلت طهران وواشنطن العرض "النهائي" من الاتحاد الأوروبي أم لا، فمن غير المرجح أن يعلن أي منهما فشل الاتفاق لأن إحياءه يخدم مصالح الطرفين.

وتوجد مخاطر كبيرة، إذ إن الفشل في المفاوضات النووية من شأنه المخاطرة باندلاع حرب إقليمية جديدة مع تهديد إسرائيل بعمل عسكري ضد إيران إذا فشلت الدبلوماسية في منع طهران من تطوير قدراتها لامتلاك أسلحة نووية.

وحذرت إيران، التي نفت لسنوات طويلة السعي وراء مثل هذه الطموحات، من رد "ساحق" على أي هجوم إسرائيلي.

وبدأت إيران والقوى التي لا تزال منضوية في الاتفاق (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وروسيا، والصين) مباحثات لإحيائه في أبريل (نيسان) 2021، تم تعليقها مرة أولى في يونيو (حزيران) من العام ذاته. وبعد استئنافها في نوفمبر (تشرين الثاني)، علقت مجدداً منذ منتصف مارس (آذار) قبل أن تعود لتشهد حلحلة خلال الأشهر الأخيرة، بعد جهد من الاتحاد الأوروبي، وحرص واشنطن على التوصل لاتفاق ولكن ليس بأي ثمن.