اعتصام أنصار التيار الصدري في البرلمان العراقي (أرشيف)
اعتصام أنصار التيار الصدري في البرلمان العراقي (أرشيف)
الخميس 18 أغسطس 2022 / 15:32

ماء بارد ووجبات ساخنة.. اعتصامان في بغداد

رغم اختلاف المطالب بين اعتصامي التيار الصدري والإطار التنسيقي، تتشابه يوميات المعتصمين قرب المنطقة الخضراء في بغداد وداخلها: خيم ملونة وقدور كبيرة من الأرزّ والخضار واللحم والماء البارد لمقاومة الحرّ الشديد.

ويقول منظمون من الطرفين إن التنظيم والدعم اللوجستي للاعتصام تؤمنها المواكب العاشورائية المتجذّرة في التقليد الديني الشيعي في العراق، وهي عبارة عن مواكب متحركة تمولها تبرعات، وتؤمن المأكل والمشرب لزوار عاشوراء ومراسم الأربعين في كربلاء.

ففي أواخر يوليو(تموز) الماضي، توزعت في محيط البرلمان العراقي أعداد كبيرة من الخيم الملونة التي نصبها مناصرو الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، تعبيراً عن قدرته على تعبئة الشارع وسط نزاع سياسي مع خصومه، والمطلب الأساسي للمعتصمين هو حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وردّ الإطار التنسيقي بأن أقام بدوره اعتصاماً في محيط المنطقة الخضراء المحصنة حيث توجد المؤسسات الحكومية والمقار دبلوماسية.

ومن بين هذه المواكب، موكب "أحباب الصدرين"، تيمناً بمقتدى الصدر ووالده محمد الصدر، ويقول فاضل رحمن أحد المشرفين على الموكب الذي يضمّ 25 شخصاً "ننام هنا في الخيم، أحضرنا أوسدتنا من بيوتنا وجئنا"، ويضيف الرجل الذي ارتدى قميصاً أسود وسروال جينز والبالغ من العمر 33 عاماً "نقدّم وجبات رئيسية للمعتصمين، من الفطور إلى الغداء، والعشاء. الشاي موجود، والماء البارد، أهم ما في الأمر هو الماء البارد في هذا الحرّ".



ويؤكد الرجل الذي يعمل سائق عربة تكتك، وتبرع من جيبه بـ250 ألف دينار (170 دولار)، لتمويل الموكب بالطعام، أن وجوده متواصل في هذا الاعتصام إلى "أن نبعد الفاسدين".

وفي الخيم يحتمي المعتصمون من الشمس، متمددين على فرش صغيرة، بعضهم حظي بمكيّف متحرّك داخل خيمته، يغذّيه من الكهرباء التي تزوّد البرلمان، وفي باحات البرلمان، توزعت أكشاك العصير والقهوة والشاي، وبرادات المياه، ويقوم البعض بذبح المواشي للطبخ، من على أكشاك صغيرة أو طاولات، يوزّع متطوعون الخبز أو الجبنة، وفي بعض الأحيان، توزّع الوجبات الساخنة مباشرة من شاحنات صغيرة.

وبالمجمل، يضمّ اعتصام التيار الصدري نحو "70 موكباً" تابعة لمناصري التيار أو لعشائر، كما يقول أحد المشرفين، ويضيف الرجل الذي فضّل عدم الكشف عن هويته إنهم يقدمون "للمعتصمين المواد الغذائية التي يحتاجون إليها".



ويقدّر قيمة الأموال التي ينفقها كل موكب يومياً لإطعام المعتصمين بنحو "6 ملايين دينار (حوالي 4 آلاف دولار)، ونحو 100 كيلوغرام من الأرزّ، ومواد أخرى مثل لحم العجل والخراف والفاكهة والمياه"، ويشير مثلاً إلى أن متبرعاً من إقليم كردستان قدّم 12 خروفاً.

وأمام الباب الرئيسي للبرلمان، يقف محمد حسين على شاحنة بيضاء صغيرة، بثياب تلطّخت بمواد الدهان الذي يعمل به، وبالعرق الذي يسيل منه تحت أشعة الشمس الحارقة، ولفّ الرجل البالغ من العمر 33 عاماً رأسه بقميص أسود يحميه من أشعة الشمس، فيما نادى بأعلى صوته على العابرين لتناول الأرزّ واللحم والفاصولياء التي يوزّعها.

وقال "كل ليلة أجتمع مع أصدقائي، ونقرر نوع الطعام الذي سنقوم بإحضاره في اليوم التالي"، ولا يتجاوز دخل محمد في الأسبوع 40 ألف دينار (حوالي 27 دولاراً)، لكن أمله في أن يكون هذا الاعتصام انطلاقاً للتغيير دفعه لأن يتبرع وأصدقاؤه بقليل من الأموال لدعم المعتصمين.

وأضاف "كل منا يدفع 20 إلى 15 ألف دينار ونشتري ما نقدر عليه، نقطع الأموال عن أولادنا لنقدم الطعام للمعتصمين"، وأوضح الرجل الذي لديه 6 أطفال أنه "يفعل كل هذا أملاً بأن يمحي السيد مقتدى الفاسدين من الوجود، ونستريح".



وعلى طريق مؤدٍ إلى المنطقة الخضراء يعتصم أنصار الإطار التنسيقي منذ نحو أسبوع مطالبين بتشكيل حكومة تؤمن الخدمات الأساسية وتحسّن الحياة اليومية للعراقيين، ويضمّ الإطار التنسيقي خصوصاً كتلة الفتح البرلمانية الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران وكتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الخصم التاريخي للصدر، وعلى إحدى الخيم، وضعت لافتة كتب عليها "يجب احترام مؤسسات الدولة خصوصاً التشريعية والقضائية"، رداً على ما يبدو على مطالبة الصدر بحلّ البرلمان.

ويؤكد مصدر في الإطار التنسيقي فضّل عدم الكشف عن هويته أن "الخيم الموجودة هي الخيم نفسها الخاصة بالمواكب العاشورائية"، ويضيف أن "آلاف المتضررين من تعطيل تشكيل الحكومة مستعدون لتقديم كل أنواع الدعم، ما يحتاج إليه المعتصم لا يتعدّى الطعام والشراب، وفي معظمها من بركات عاشوراء".

ويقول أبو علي الكاظمي، أحد المعتصمين، إن "كل تلك الاحتياجات يتمّ تأمينها على حسابنا الخاص، وعبر مواكب حسينية ومواكب عشائر، نطبخ بأنفسنا ونقدم الخدمات للناس، العشائر تدعمنا، المنازل المجاورة للاعتصام تدعمنا"، وأضاف الرجل البالغ من العمر 45 عاماً أنّ "الحياة معطلة في العراق الآن بسبب تلك الجهة المحتلّة للبرلمان"، مؤكداً أن "الاعتصام سوف يستمرّ إلى حين تلبية مطالبنا المشروعة لا سيما تشكيل حكومة".