الجمعة 19 أغسطس 2022 / 11:20

تونس مع دستورها الجديد

افتتاحية الخليج الإماراتية

دخل الدستور التونسي الجديد، الذي أجازه الناخبون في استفتاء 25 يوليو (تموز) الماضي، حيز التنفيذ بمجرد مصادقة الرئيس قيس سعيد عليه ونشره في الجريدة الرسمية، لتبدأ البلاد حقبة جديدة تزدحم بالتحديات والتطلعات على أكثر من صعيد، وهو ما سيضع المسؤولين أمام مخاطرة شديدة الدقة لكسب رهانات ظل بعضها مهمشاً ومؤجلاً لعشرات السنين.

دستور تونس الجديد يطوي سابقه، الذي صاغته عام 2014 أحزاب ائتلفت لتحقيق مصالحها الخاصة أكثر من الاتفاق على خدمة الدولة ورعاية مقتضياتها، وهو ما أدى إلى تفجر صراعات وأزمات حزبية كادت تدفع البلاد إلى مصير مجهول، وكانت مشاهد المناوشات والعنف والخروج على الآداب في البرلمان المنحل، وتعطل مؤسسات الدولة وتفاقم ظواهر الفقر والبطالة والفساد والإرهاب، مؤشراً على انهيار فعلي للوضع السياسي وتفشي انعدام الاستقرار. وأمام هذه الحالة غير الطبيعية، جاءت الهبة الشعبية في 25 يوليو (تموز) 2021 التي أطاحت بالمنظومة الحاكمة التي كانت تديرها حركة «النهضة» الإخوانية وتوابعها، وتم استكمال التحرك الشعبي في ذات اليوم من هذا العام بإجازة الدستور الجديد، رغم اللغط والانتقادات من أطراف في داخل البلاد وخارجها تسعى إلى توطين الأزمة ومنع أي خطط لحلها وإنهائها بما يفتح لتونس المجال للتقدم والتحرر من سطوة قوى الجر إلى الخلف.

قيس سعيد، الذي صادق على الدستور الجديد، تعهد باستكمال مسار التصحيح عبر وضع قانون انتخابي جديد خلال الأيام المقبلة، وإرساء محكمة دستورية تحافظ على علوّ الدستور وحماية الحقوق والحريات، وصولاً إلى إجراء انتخابات تشريعية في ديسمبر المقبل، وفق خريطة الطريق الرئاسية المعلنة العام الماضي، والتي جاءت استجابة للإرادة الشعبية المطالبة بالاستقرار السياسي والأمان الاجتماعي وتحرير مشاريع التنمية من سطوة الصراعات الحزبية والحسابات الضيقة لبعض الأطراف. ورغم حملات التضليل والتشكيك والطعن في الدستور الجديد والمسار السياسي الراهن، هناك أمل ينمو بأن تتجاوز تونس العقبات الراهنة وتنطلق في العمل بما يكفل تحقيق الطموحات الوطنية المشروعة، ويسمح لها بتدارك كل ما تم تضييعه من وقت ومقدرات.

وهذا الاستحقاق لن يكون يسيراً في ظل الأوضاع الاجتماعية الصعبة وأجندات بعض الأطراف السياسية التي خسرت المعركة وانسحبت عنها الأضواء، وضغوط قوى خارجية، غربية بالأساس، بدأت تشعر بفقدان نفوذها وهيمنتها في تونس ودول شمال إفريقيا. وكل هذه العوامل تجعل من تثبيت العمل بالدستور الجديد وتشكيل مشهد سياسي مختلف تحدياً وثورة شاملة تتطلب كثيراً من العمل والصبر حتى تتحق الأهداف المرجوة.

إرادة التونسيين وتضامنهم وتعلقهم بتحقيق الأفضل، يمكن أن تقهر جميع التحديات مهما اشتدت، والمرحلة الحالية استثنائية بكل المقاييس، فمعها ستبدأ جمهورية جديدة وفق دستور جديد هو الرابع في تاريخ البلاد الحديث. ومثلما هي قاعدة أي مسار سياسي فإن العبرة في النتيجة، وهي في هذه الحالة عودة الاستقرار إلى تونس وتثبيت أركان دولة القانون والمؤسسات وترسيخ النزاهة والشفافية ثقافة لخدمة الشعب وحده بعيداً عن الحسابات الحزبية الضيقة.