الأحد 28 أغسطس 2022 / 21:07

كسرنا أرقام الرؤية في تمكين المراة .. المجتمع يطير بجناحيه

يُقاس مدى تقدُّم الأمم بمكانة المرأة في مجتمعها، لأنها المعيار الوحيد الذي نستطيع به بأن نقيس النمط الصحى للتحضّر أو للتدين الوسطي المرتبط بمعاني الدين الإيجابية، فهو المقياس لمعايير التسامح وقيم المجتمع الفاضلة، وأن تكون تلك النوعية من التعامل الخلاق الذي نتجاوز به ثقافة الهيمنة الذكورية، والممارسات الاجتماعية الرجعية.

كانت الخطوة الحضارية حينما أعطى المؤسس الأول اهتماماً بالغاً لقضية المراة والتعليم، مع تعزيز كل منظومة القيم الدينية والاجتماعية والأخلاق والثقافة الإماراتية في نفس كل مواطنة.

وليس ثمة شك في أن سيادة الظلم والغبن والقهر الذي وقع على المرأة في أزمنة وحضارات مختلفة، لم يجعلها قادرة على الحصول على الاستحقاقات الكاملة لتكون العمود الفقري لمجتمعها.

وليس من قبيل التعصب أن أؤكد أن دولتنا تعد مصدر إلهام للطاقات البشرية النسوية العربية ولكل الدول الإقليمية أو الشرق أوسطية عمومًا.

وإني كثيراً ما أعزو إلى المرأة الإماراتية انتصارات الإمارات وتميزها في تفعيل قيم التسامح والاعتدال والتعايش، تلك القيم التي كانت عاملًا أصيلًا في تحقيق نجاح المرأة الإماراتية وتفوقها، والاستثمار في طاقاتها، ومن ثم توفير نظام تعليمي من الطراز الأول، والنهوض بإمكاناتها من خلال تفعيل الأنظمة والتشريعات، لهذا أرست الإمارات واقعًا حضارياً خلاقاً يتوافق مع ثقافة الدولة وانفتاحها وتطورها.

ويأتي الاحتفال بـ "يوم المرأة الإماراتيَّة" متواكباً مع ذكرى تأسيس الاتحاد النسائي، الذي كان حجر الزاوية لتقدم المرأة الإماراتية، وترسيخ القوانين والأطر التشريعية والتنظيمية اللازمة لتأصيل مبدأ الشراكة بين الرجل والمرأة، وجعله ممارسة حياتية فعلية.

وإني هنا أحاول بهذه القراءة التاريخية العبور على أهم المحطات الذهبية في فكر فقيد الوطن الأول، بغية إذكاء الوعي بتاريخ تمكين المرأة الإماراتية، وهذا من باب الوفاء بالعهد للراحل العظيم الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، حينما بدأ بكتابة تاريخٍ ناصعٍ للمرأة الإماراتية، هذا الانتصار للمرأة يسجل باسمه، فقد كان يمتلك فكراً نقياً، وحساً فطرياً يعكس عبقرية ابن الإمارات وألمعيته، واحترامه للمرأة باعتبارها عضواً مهماً في منظومة الدولة المدنية، ما حدا به إلى محاربة العديد من المواقف الجاهلية الإقصائية ضد المرأة خاصة، سواء من الأعراف الجائرة السائدة، أوالظلم الاجتماعي، ومحاربة الأمية والجهل، وقمع كل الجمود الفكري الديني الذي دأب على غرس الألغام في مسيرة النساء في الوطن العربي.

وقد كانت الخطوة الحضارية حينما أعطى المؤسس الأول اهتماماً بالغاً لقضية المراة والتعليم، مع تعزيز كل منظومة القيم الدينية والاجتماعية والأخلاق والثقافة الإماراتية في نفس كل مواطنة، بحيث تسمو بها في التفكير والوعي الذى يُحرر العقل من الأوهام والانغلاق، فكانت القيم السامية لا حدود لها في حياتنا، ولا استغناء عنها في تعاملاتنا، وهذا ما يميز مجتمع زايد.

كما أني أؤكد أن رؤاه وتخطيطه كان انقلاباً ثورياً تنويرياً في كافة توجهاته الفكرية والسياسية والأخلاقية، ولهذا كان لا بدّ من القرار السياسي والتشريعي القانوني لتمكين المرأة، ولتسريع وتيرة تحريرها من كل القيود المعيقة، وأن قراراته لفائدة المرأة تظل منعطفا تاريخياً نال حظاً كبيراً من تفكيرنا الوطني ومن وعينا الجمعي ومن مسارنا الحضاري.

كما أن حضور المرأة في السياق التاريخي، كان له الأثر الإيجابي لتحقيق قفزات نوعية في ميدان "تمكين المرأة"، وقد تم إذكاء الوعي الوطني بقيم احترام حقوق المرأة وترسيخ أهداف المساواة، وأن تغيير وعي الشعوب مرهون بما تزرعه هي فيهم من وعي، وحتى يصبح هذا الوعي إفرازاً مجتمعياً قبل أن يكون تطبيقاً لقوانين وتشريعات الدولة.

ولهذا تحول المجتمع الإماراتي إلى كتلة واحدة تدعم المرأة وتدافع عنها، لأنها الجناح الأول للدولة لتحلق عالياً نحو التقدم والتطور، ولهذا جاءت الحقوق التي نالتها أو استحقتها المرأة متقدمة على بدء التفكير في نيلها وفق سياق التطور المجتمعي في منطقة الخليج أو المنطقة العربية كافة.

ولا عجب في أننا تجاوزنا مرحلة تمكين المرأة، وبتنا نعول على مرحلة مختلفة بنسخة جديدة من الريادة والتقدم والنماء، منها السياسات والتشريعات التي تعزز بيئة العمل الصديقة للمرأة، وتفعيل دور المسرعات الحكومية في تسريع العمل على تعزيز التوازن بين الجنسين من خلال آليات مبتكرة، لتحدث نقلة نوعية لمسيرة تمكين وريادة المرأة الإماراتية، وبما يحقق لها جودة حياة آمنة بكل فئاتها، ولتكون الإمارات مرجعاً لتشريعات التوازن بين الجنسين في المنطقة، ونموذجاً يحتذى به عالمياً، لتتبوأ المراكز الأولى على كل المستويات الحيوية، وذلك بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الدولة، لتتمكن من حمل راية الإبداع والتفوق والريادة في الأعوام الخمسين المقبلة.

إن ما تحقق في مجتمعنا الإماراتي يؤكد طبيعة الطريق الذي يفترض أن نسلكه، إن شئنا الانخراط جدياً في المنافسة المفتوحة والمشروعة بين الدول والمجتمعات والثقافات، وأضحى ذلك واقعاً ملموساً تدعمه الأرقام، لهذا لا توجد فجوة في الأجور، أو في المناصب، أو السلم الوظيفي، وتسلم مهام القيادة، والتي تأتي ضمن رؤية "مئويَّة الإمارات 2071"، ومع ذلك فقد كسرنا أرقام الرؤية في تمكين المراة الإماراتية، لأن الحركة النسوية التقدمية في الإمارات مختلفة عن مثيلاتها في الأقطار الأخرى، لتتصدر الإمارات المشهد العربي في مؤشر احترام المرأة، فالشواهد الحية تثبت أن النضج المجتمعي والحضاري والثقافي لتمكين المرأة في الإمارات، بلغ من النضج والذروة أشواطاً متقدمة، بل لم يتوقف منذ تأسيس الاتحاد.

الحقيقة التي تستعصي على الإنكار، هي أن البيئات المتسامحة تجلب الأمن والحرية والشعور بالكرامة، وتعطي الفرصة للمرأة لتتبوأ مكانتها الإنسانية وممارسة حقوقها، لأن عوائق القهر والظلم للمرأة تبعث الشقاء والتعاسة، ولن تصبح الإنسانية والتسامح والتدين الوسطي في أرقى صوره، وأنضج مستوياته، إلا عندما تستشعر المرأة قيمتها في وطنها، وتأبى أن تذل أو تهان فيه، أو تتسم بالجهل والجمود.

ولهذا فإن المرأة في الإمارات فقط تستطيع أن ترسخ ثقافة التسامح، وترسي قيم السعادة وقبول الآخر والحوار الثقافي، ونبذ العنف والكراهية، ودمج كل هذه المعاني الخلاقة في منظومة قيم الأسرة والمجتمع. كما أن المرأة لا تخوض معارك أو نضالًا لتطالب بحقها في الحرية والريادة أو التميز، ولم تنل المرأة هذه المكانة انتزاعاً، بل كان وفق معطيات وطنية، لا غرو أن العبقرية القياديَّة التي أعادت بناء العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس الوحدة الإنسانية، وكان لا بد من استعادة دور الجناحين ليستطيع المجتمع التحليق بالدولة عاليًا بشكل متوازن، حيث باستطاعة المجتمع حالياً أن يطير بكل أريحية، بجناحيه.