التأثير الروسي على مستخدمي منصات التواصل (معدلة / FT )
التأثير الروسي على مستخدمي منصات التواصل (معدلة / FT )
الإثنين 5 سبتمبر 2022 / 12:03

لماذا تجد روسيا مؤيدين في العالم العربي؟

ياسر عبد العزيز - الشرق الأوسط

تتصاعد الشكوى في الغرب راهناً من قدرة السردية الروسية "المتهافتة" بخصوص الأزمة الأوكرانية على "إقناع" بعض شعوب العالم الثالث، رغم كونها محمولة على وسائل إعلام "بائسة"، و"غارقة في التلاعب والتضليل"، وصادرة عن دولة عُرفت على نطاق واسع بأنها "استبدادية".

لا يمكن بالطبع مقارنة حجم المنظومة الإعلامية الروسية، أو قدراتها التأثيرية، بنظيرتها الغربية، ومع ذلك، فإن المنظومة الإعلامية الغربية العاتية والنافذة وصاحبة الأسماء البراقة تشكو باطراد من نجاح الدعاية الروسية في حصد بعض التأييد، خصوصاً في دول الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

في شهر مارس (آذار) الماضي، نشرت مجلة "تايم" مقالاً لأحد الباحثين في "كارنيغي" تحت عنوان: "كيف تجاوب العالم العربي مع الحرب في أوكرانيا؟"، وهو المقال الذي نفهم منه أن كاتبه يستشعر فجوة بين السرعة التي توحّد بها الغرب ضد "الغزو" الروسي لأوكرانيا من جانب، و"التباطؤ والتريث" العربيين في الإدانة من جانب آخر.

ويعزو الكاتب هذه الفجوة إلى أن الدول العربية الرئيسية أرادت أن "تُبقي خياراتها مفتوحة" إزاء الأزمة، أو أنها "فقدت الثقة في مساندة الغرب لأنظمتها"، خصوصاً بعد تخليه عن بعض الأنظمة الحليفة له في فورة الانتفاضات العربية، إضافةً إلى الارتباك والتخبط الأميركيين تحديداً في ملفي العراق وأفغانستان.

ولم يقصر المقال تحليله على رد الفعل العربي فقط حيال الأزمة الأوكرانية، لكنه حاول أيضاً أن يفسر ما رأى أنه "تعاطف مع السردية الروسية" في أميركا اللاتينية، وقد رأى أن ذلك التعاطف غير مفاجئ، بالنظر إلى "شيوع الشكوك" حيال الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً في تلك البلدان.

والأسبوع الماضي، نشرت وكالة "بلومبرغ" تقريراً بعنوان "داخل ماكينة الدعاية الروسية"، وهو التقرير الذي حوى إشادة واضحة بقدرة شبكة "روسيا اليوم" (RT) على تحقيق الرواج والازدهار في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، رغم كونها "ركيزة استراتيجية" في الدعاية الروسية "المُضللة" المواكبة للأزمة الأوكرانية.

ويشكو التقرير من أن قيام دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة بحظر بث القناة وإسكات حساباتها على وسائل "التواصل الاجتماعي" لم يمنع تلك المنصة من التأثير في نطاق عريض من الجمهور يمتد من شرق آسيا إلى أميركا اللاتينية.

أما "دويتشه فيله" (DW) الألمانية، فقد نشرت تقريراً لافتاً في نسختها العربية بعنوان: "غزو أوكرانيا... هل ربحت روسيا حرب المعلومات في الشرق الأوسط؟". وعندما ستصل إلى نهاية التقرير ربما ستدرك أن الإجابة التي توصل إليها التقرير هي: "نعم". وسيتعزز هذا الانطباع عندما نعرف أن التقرير نفسه تقريباً نُشر في النسخة الإنجليزية تحت عنوان: "كيف تربح روسيا حرب المعلومات في الشرق الأوسط؟".

وفي كلا التقريرين، سيطرح الكاتب سؤالاً مبدئياً عن الأسباب التي تدعو جمهوراً عربياً إلى الإعراب عن تضامنه مع روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وتوجيه الدعوات لها بالنصر، كما يظهر في تفاعلات "السوشيال ميديا" والتعليقات على المواد المنشورة بخصوص النزاع.

وسيستعرض التقرير كذلك آراء بعض المحللين والباحثين الذين سيؤكدون "تهافت" الدعاية الروسية المواكبة للأزمة، واعتمادها نهجاً "مضللاً"، لكنهم لن ينفوا أن تلك الدعاية تلقى قبولاً في أوساط عربية وفي دول أخرى من العالم الثالث تحديداً.

وعندما سأل محرّر التقرير كاتب هذه السطور عن رأيه في هذه المفارقة، كانت الإجابة تتعلق ببساطة بمفهوم "التأييد الاحتجاجي"، الذي يحدث لأسباب منقطعة الصلة عن المعطيات الموضوعية للأزمة.

ولمزيد من الإيضاح، فإن الجمهور العربي والأفريقي واللاتيني -وهو أكثر عاطفية من الجمهور الغربي على أي حال- يرصد هيمنة غربية على الساحة الإعلامية، وإقصاءً وتعتيماً على الصوت الروسي، ومحاولة لتسييد السردية الغربية عن الأزمة الأوكرانية، فينتصر لـ"الأضعف".

ولا يجب التغاضي أيضاً عن مسألة تزعزع الثقة في الإعلام الغربي، الذي أظهر "تلاعباً وتضليلاً معلوماتياً" خلال التمهيد لغزو العراق، والذي يُظهر "انحيازاً"، كما يعتقد كثيرون في العالم العربي، في معالجة القضية الفلسطينية.

قبل يومين، وقع حادث عنف جديد في الضفة الغربية، فنشرت "فرنسا 24" تقريراً عنه تحت عنوان: "مقتل فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي بعدما طعن جندياً إسرائيلياً في الضفة الغربية".

لكن الموضوع ذاته نشرته "روسيا اليوم" تحت العنوان التالي: "الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينياً بحجة تنفيذه عملية طعن استهدفت أحد جنوده".

وبصرف النظر عن مدى اقتراب كلا العنوانين من المعالجة الموضوعية والمعايير المهنية، فإن التقرير الروسي يبدو أكثر تجاوباً مع المنظور العربي، وهو أمر سيفسّر الكثير من المشاعر التي يبديها جمهور المنطقة إزاء الأزمة الأوكرانية، وهي مشاعر تحرّكها مرارات قديمة ويحفّزها الاحتجاج، ولا تحفل كثيراً بالقدرات الإقناعية والأسماء البراقة لوسائل الإعلام.