أكوام من الألمنيوم خارج مصنع سلوفاكلو (أرشيف)
أكوام من الألمنيوم خارج مصنع سلوفاكلو (أرشيف)
الإثنين 12 سبتمبر 2022 / 16:31

انقطاع الغاز الروسي يخنق الصناعات الأوروبية الثقيلة

24 - بلال أبو كباش

وصل تأثير انقطاع الغاز الروسي عصب الصناعات الثقيلة في أوروبا، وبدأت مصانع ضخمة تحس بحجم الأضرار الكبيرة، التي تهدد بإغلاق أعداد هائلة من المعامل الأوروبية الحيوية.

نصف قدرة الاتحاد الأوروبي من إنتاج الألمنيوم والزنك فقدت علاوة على تراجع حجم إنتاج السيليكون وسبائك الحديد

سلاسل التوريد الخاصة بصناعة السيارات والمواد الغذائية بدأت بالتلاشي، مما زاد من احتمالات حدوث ركود قوي في اقتصاد منطقة اليورو

ومع انقطاع الغاز الروسي عن العديد من الدول الأوروبية، خاصة بعد وقف إغلاق خط "نورد ستريم 1"، الذي يغذي ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا ودول أخرى، باتت أقرب إلى حافة الركود، لأن اقتصاد منطقة اليورو يستند بشكل رئيسي على صناعات الصلب، والمواد الكيماوية، والسيارات، وغيرها من القطاعات الحيوية التي تشكل الجزء الأكبر من اقتصاد الاتحاد، حسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

وحسب الخبراء، فإن الصناعات الثقيلة التي تحتاج كميات هائلة من الطاقة، أصبحت مهددة بإغلاق أبوابها بشكل نهائي، ما يعرض ملايين الموظفين والعمال لخسارة وظائفهم، ويهدد بأزمة عميقة في الاقتصاد الأوروبي ككل. 

ورغم سعي الدول الأوروبية للبحث عن مصادر غاز بديلة، بدءاً من قطر إلى أذربيجان، إلا أن انقطاع الغاز الروسي، سيترك بصمة واضحة على اقتصادها، لأنه أرخص ثمناً، ما ساعدها على التنافس مع الولايات المتحدة الغنية بالموارد اللازمة لصناعاتها.

كما أن انقطاع الغاز الروسي قد يدفع تلك الدول إلى البحث عن مصادر طاقة بديلة، والعودة لاستخدام الفحم بشكل أكبر، ما يتعارض مع لوائح الاتحاد البيئية الصارمة. 

ويواجه مصنع "سلوفاكلو" للصلب، الذي يزيد عمره عن 70 عاماً، ويزود مصانع السيارات الأوروبية بالحديد والألمنيوم اللازم، خطر الإغلاق بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة بعد انقطاع الغاز الروسي. 

ويقول العامل فيه ميلان فيسيلو: "ربما تكون هذه نهاية إنتاج المعادن في أوروبا".

وسلوفالكو من المصانع المتضررة بشدة من تقلب أسعار الكهرباء في أوروبا بسبب انخفاض الإمدادات الروسية من الغاز المولّد للطاقة. 

ولسنوات طويلة ظل المصنع أكبر مشتر للطاقة في سلوفاكيا. ويستهلك 9% من كهرباء البلاد، ومعظمها عبر الطاقة النووية.

وقبل أن تقفز أسعار الطاقة في أوروبا لمستويات قياسية العام الماضي، دفع المصنع حوالي 45 يورو (حوالي 54 دولاراً) لكل ميغاواط/ ساعة من الطاقة. وفي 2022، اضطر المصنع لدفع 75 يورو.

وبسبب الارتفاع الرهيب في أسعار الطاقة، لم يجدد المصنع الضخم عقد الطاقة في 2023، والذي كان سيكلف 2.5 مليار يورو.

ولإبقاء المصنع نشطاً يعمل المدير فيسيلو، على إنهاء تصنيع المعادن الأولية، والاستعاضة عنها بإعادة التدوير.

واضطر مدير المصنع لإنهاء عقود 450 عاملاً لخفض التكاليف، قائلاً، إن "تقلب أسعار الكهرباء هذه الأيام .. ضرب من الجنون". 

ومع لجوء دول الاتحاد الأوروبي إلى خطط لخفض استهلاك الطاقة بإبطاء عمل المصانع أو إغلاقها بشكل جزئي، إضافة لتقنين استخدام الإنارة والتكييف، فإن حجم استهلاك الغاز قل 10%. ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى خفض الطلب على الطاقة بنسبة 15%.

شبح الإفلاس
تقول الشركات العاملة في الصناعات الثقيلة، إنها تواجه شبح الإفلاس هذا الشتاء دون دعم حكومي حقيقي.

وبدأت سلاسل التوريد المعقدة في قطاعات مثل صناعة السيارات والمواد الغذائية في التلاشي، ما زاد احتمالات ركود قوي في اقتصاد منطقة اليورو. 

ولجأت شركة الأسمدة النرويجية العملاقة "يارا انترناشونال"، لتخفيض استخدام الغاز 65% في مصانعها في جميع أنحاء أوروبا. 

وقال المدير العام لمنشأة "سلويسكيل" بشركة يارا في هولندا مايكل شلاوغ: "نفكر في أشياء لم نجرؤ على التفكير فيها قبل عام". وأتى التصريح بعد أن أغلقت الشركة مصنعين للأمونيا في أغسطس (آب) الماضي. 

كما سيؤدي تقليص القدرة الصناعية لأوروبا إلى ارتفاع الاعتماد على المواد المصنوعة في الخارج، في وقت تسعى فيه الحكومات لتوطين إنتاج الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، والأسلحة بشكل كامل. 

ونفدت مخزونات الزنك تقريباً في الاتحاد الأوروبي، ما دفع العملاء إلى استيراد المعادن من الصين، وفقاً لمجموعة لوبي صناعة المعادن غير الحديدية "يوروميتكس".

ويقول المحللون، إن الإنتاج الأوروبي من الألمنيوم الأساسي يتلاشى، ما يدفع القارة لإعادة التدوير الذي لا يتناسب مع الصناعات الثقيلة، مثل العجلات والفرامل وأجزاء الطائرات. 

عجز
مصاهر الألمنيوم أيضاً أصبحت غير قادرة على تجديد عقود الطاقة بعد ارتفاع الأسعار الرهيب. وتحتاج المصاهر إلى 15 ميغاواط / ساعة من الطاقة لإنتاج طن متري من الألمنيوم الأساسي، بـ 9آلاف  يورو بأسعار الكهرباء الأخيرة، في حين يباع الطن المتري في الأسواق بأقل من 2500 يورو، وفقاً لجمعية المعادن الألمانية "دبليو في ميتال".

في إسبانيا، توقف مصنع الألومنيوم في سان سيبريان لشركة "ألكوا" عن العمل. وفي إيطاليا أيضاً توقف مصهر الزنك Portovesme  لشركة "غلينكور" عن العمل.

أما في هولندا وفرنسا وبلجيكا، فإن مصانع الزنك لمجموعة "ترافيغورا" خفضت إنتاجها بشكل كبير في عدد من منشآتها وأغلقت عدداً آخر.

وقالت يوروميتكس في رسالة إلى مسؤولي الاتحاد الأوروبي هذا الشهر، إن نصف قدرة الاتحاد الأوروبي من إنتاج الألمنيوم والزنك فقدت، علاوة على تراجع حجم إنتاج السيليكون وسبائك الحديد.

يشبه رئيس استراتيجية السلع الأساسية في "ليبيروم" توم برايس، الصدمة بالارتفاع في أسعار الطاقة الذي قضى على صناعة الألمنيوم في اليابان في السبعينيات.

 وقال: "هذا حدث خطير وأصبحت القاعدة الصناعية في أوروبا تعتمد بشدة على روسيا في مدخلات الطاقة الرخيصة"، مضيفاً "قد لا نكون قادرين على العودة مرة أخرى".

ولجأت شركة فولكس فاغن لتخزين زجاج النوافذ والزجاج الأمامي، خشية أن يؤثر نقص الغاز على صناعتها للسيارات.


تهديد آخر
وطال التأثير مصانع إنتاج الغذاء في الاتحاد الأوروبي، مثل مصانع السكر العاملة بالغاز الطبيعي التي اضطرت لتخفيض إنتاجها في ظل نقص الطاقة.

وقالت هيئة المنافسة الفيدرالية الألمانية هذا الشهر، إنها ستسمح لمنتجي السكر الرئيسيين في البلاد بالتعاون إذا قطعت إمدادات الطاقة بشكل كامل.

ومن شأن تراجع نسب الطاقة، أن يتسبب في تعفن أجزاء كبيرة من محصول البنجر المستخدم في إنتاج  سكر المائدة، وارتفاع أسعار المستهلكين الذين يعتمد عدد كبير منهم على الأغذية التي يدخل في تصنيعها السكر.

مصانع الأوراق الصحية، هي الأخرى في أزمة. وفي ألمانيا اقتربت شركة "هاكله" من إعلان إفلاسها، لعجزها عن رفع الأسعار بما يكفي لتعويض ارتفاع تكاليف الورق اللازم لمصانعها بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.