ناقلة نفط (أرشيف)
ناقلة نفط (أرشيف)
الخميس 15 سبتمبر 2022 / 15:09

كيف ستواجه روسيا حلف سقف أسعار الطاقة؟

24- طارق العليان

بالتوازي مع الصراع العسكري في أوكرانيا، تتعرض إمدادات الغاز والنفط من روسيا لحملة لا تقل ضراوة، ففي 5 سبتمبر (أيلول)، تخلت روسيا عن ادعاء أن المشاكل الفنية هي المسؤولة عن تعطل خط نورد ستريم الذي يمد أوروبا بالغاز، إذ ربطَ المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف صراحةً بين مواصلة إمداد الغاز ورفع العقوبات المفروضة على روسيا.

بدأت الانقسامات بالفعل داخل حلف مجموعة السبع، إذ تُفكر اليابان، حسب ما وردَ في التقارير، في استثناء النفط المُستخرج من مشروع "سخالين 2" الروسي العملاق من سقف الأسعار.

وفي هذا الإطار، قال الباحثان فيليب وورمان ود. كريس توك، في تقرير مشترك على موقع "جيوبوليتيكال مونيتور" الكندي، إن روسيا تواجه طريقاً مسدوداً، ففي المدى القريب يُمكن تخفيف العقوبات فقط إذا أنهت روسيا حربها في أوكرانيا وأعادت الأقاليم التي احتلتها إلى الأخيرة، أو إذا ألحقت أضراراً اجتماعية واقتصادية جسيمة بالاتحاد الأوروبي بحرمانه من مصادر الطاقة إلى درجة تضطره إلى تخفيف بعض العقوبات على الأقل.

سد الطريق على الاتحاد الأوروبي

ومن الواضح أن بوتين يميل إلى الخيار الثاني، حسب التقرير، إذ يحاول سد الطريق على الاتحاد الأوروبي، فإذا خفَّفَ الاتحاد العقوبات، ستواصل روسيا إمدادات الغاز. وليس صدفة أن العطل لأجل غير مُسمى في إمدادات الغاز عبر خط أنابيب رئيسي، جاء بعد فترة قصيرة من اتفاق مجموعة السبع مبدئياً على وضع سقف لأسعار النفط الروسي بدايةً من ديسمبر(أيلول).

وأوضح التقرير أن الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها روسيا فعالة تحديداً بسبب أزمة الطاقة التي عصفت بالاتحاد الأوروبي، فبتقييد الإمدادات إلى أوروبا، تستطيع روسيا دفع أسعار الغاز لمستويات أعلى، وتحرم أوروبا من سلعة أساسية قبل فصل الشتاء الذي تعقد روسيا الآمال على أن يكون قارساً.

وإذا وجد العديد من المصدرين الآخرين للنفط الخام في العالم، فإن البدائل للغاز الروسي محدودة أمام أوروبا، على الأقل على المدى القريب.

نقطة الانهيار

وبتعبير آخر، يقول التقرير، تُخاطر روسيا بكل شيء وتحاول أن تُلحق أكبر قدرٍ ممكن من الخسائر بسكان أوروبا وحكوماتها.

ويواجه السياسيون في البلدان الصناعية الكبرى في غرب أوروبا احتمالات سخط الناخبين التي يمكن أن ترقى إلى الاضرابات المدنية. واستشهد الباحثان في هذا السياق بصعود فواتير الطاقة في نابولي الأسبوع الجاري، وحركة "لا تدفعوا" في المملكة المتحدة على سبيل المثال.

ويعوّل الكرملين بلا شك على تساؤل الناخبين في أوروبا "هل دعم أوكرانيا يستحق الأضرار الاقتصادية التي نعاني ويلاتها الآن؟"، ليطالبوا حكوماتهم بسلوك من شأنه تخفيف الأعباء عنهم.

والأهم وفق التقرير، يوضح ذلك مبدأ حملة الطاقة والعقوبات، فأي ضربة تنال من النفط والغاز الروسيين سيكون لها أثر مُكافئ وعكسي على الاقتصادات الأوروبية.

وإذا بدت تصرفات روسيا متهورة، فلا بد ألا نغفل أنها لن تخسر الكثير فبنهاية العام الجاري، إذا نجحت خطتها، سنشهد إجراءات مُنسقَة نوعاً تجاه الحظر النفطي وسقف الأسعار من مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي. إن هذه الخطوة محاولة أخيرة لغرس بذور الفرقة بين قادة الاتحاد الأوروبي.

تعقيدات سقف الأسعار
وقال التقرير إن سقف الأسعار الذي وافقت عليه مجموعة السبع يترك أسئلة مُعلّقَة بلا شك. فسقف الأسعار آلية مُعقّدَة تتطلب مشاركة عدة أطراف لتكون فعالة، وعلى البلدان المُشاركة أن تَحرِم شحنات النفط التي يتجاوز سعرها السقف المُتفق عليه من التأمين والتمويل والسمسرة وغيرها من الخدمات.

وهناك مخاطرة في هذا السياق تتمثل في المغالاة في الامتثال، إذ قد يرفض مقدمو الخدمات تغطية النفط الروسي خشية انتهاك اللوائح دون قصد.

على أي حال، كيف ستَحتسِب الجهات التنظيمية سعراً محدداً لشحنات النفط؟ وكيف سيُميز التجار النفط الروسي؟ وماذا لو وفت روسيا بوعدها ببساطةٍ ورفضت بيع النفط إلى البلدان التي تضع سقفاً للسعر؟ لن يحرم ذلك البلدان التي تفرض عقوبات من النفط، لمنه سيؤدي إلى مزيدٍ من الضغوط على أسعار النفط.

وعلاوة على ذلك، بدأت الانقسامات بالفعل داخل حلف مجموعة السبع، إذ تُفكر اليابان، حسب ما وردَ في التقارير، في استثناء النفط المُستخرج من مشروع "سخالين 2" الروسي العملاق من سقف الأسعار.

إلى ذلك، يضيف الكاتبان "لدينا مسألة كيفية ضمان أن سقف الأسعار سيكون له أثر عالمي، وهو أمر صعب نظراً للحجم المحدود نسبياً لـحلف سقف الأسعار". والفكرة مفادها أن البلدان التي لم توافق على العقوبات وهي من أكبر البلدان التي تشتري النفط الروسي، مثل الصين والهند، ستجْبَر على الالتزام بسقف الأسعار لأنها تود أولاً أن تستغل الأسعار الأقل.

وثانياً لن تود هذه البلدان تحمل خطورة شراء نفط دون غطاء تأمين كافٍ، تمثل الشركات التأمين الغربية نحو 90% من سوق التأمين على النفط.

غير أن هذه البلدان تستغل بالفعل النفط الروسي الرخيص وهناك آليات تأمين بديلة، فعلى الأقل قيل إن المشترين الهنود، مرتاحون لغطاء تأمين الحماية والتعويض الذي تقدمه شركات التأمين الروسية مثل شركة إنغوستراخ.

وإذا أرادت روسيا أن تُطمئن شركات التأمين الصينية والهندية التي تفكر في الحصول على غطاء تأميني من الشركات الغربية، فإن الضمانات السيادية خيار آخر لضمان المخاطر البحرية.

واختتم الباحثان التقرير بالقول: "ستكون لدى روسيا بلا شك الإرادة السياسية لتقديم تلك الضمانات إذا كان ذلك يعني حفاظها على عملاء النفط الكبار، ونجاح ضربتها المضادة في مواجهة سياسة سقف الأسعار".