تعبيرية.
تعبيرية.
السبت 17 سبتمبر 2022 / 18:12

الإمارات والأدوار التنمويَّة للثقافة

هناك إنجازات ثقافيَّة أحدثت فرقًا جوهريًّا في العمل الثقافي في الإمارات، ومنها المهرجانات والأنشطة الثقافيَّة، والمؤتمرات الفكريَّة، وإشاعة ثقافة السِّلم، وإحياء كلِّ المناسبات التراثيَّة والوطنيَّة


إن الثقافة هي واحد من أهمِّ محدِّدات الهويَّة الوطنيَّة لأي أمة من الأمم، وازدهار الثقافة هو سبب تقدُّم الأمم وتحضرها وسرُّ بنائها، وهي رافد مهم من روافد التميُّز الإنساني، وعامل مؤثر من عوامل الثراء التاريخي؛ ولهذا فنحن بحاجة إلى سياسة دبلوماسيَّة ثقافيَّة تدحر الأميَّة الثقافيَّة، وتعمل على إعادة تجديد جوهر الثقافة الوطنيَّة، وربطها بالأدوار التنمويَّة؛ من أجل بناء الشخصيَّة الإنسانيَّة القادرة على صناعة الحياة.

ومن الضروري أن يعلم الجميع، وخصوصًا أهل الحل والعقد، أن الثقافة لغة إنسانيَّة مشتركة، وأننا لكي ندرك مكانتنا في هذا العالم فإنه ينبغي علينا أن نظلَّ على تواصل تامٍّ مع الآخر؛ بهدف إعادة تشكيل رؤية إنسانيَّة عالميَّة متحضِّرة، وخلق قيم أخلاقيَّة رفيعة، تتواءم مع عصر العولمة، وتنسجم مع حقوق الإنسان، لمواجهة كل صور التخلف والرجعيَّة وانعدام الهويَّة.

كما أن الثقافة من شأنها أن تقاوم التوترات، وتواجه المعضلات السياسيَّة، وتجعل السياسة عمومًا أكثر نضوجًا وحضورًا في العالم، بل القادرة على انتشال الأوطان من الفوضى والغوغاء، في ظلِّ تعقيدات الواقع السياسي والأمني.

ويأتي على رأس الهرم الثقافي العلماء والدُّعاة، والمفكِّرون، والكتَّاب، والأدباء، والأكاديميون، وليس من المستغرب أن نشير إلى أن التمكين السياسي هو الإطار المرجعي الحقيقي للوطن، وأن التناقضات السياسيَّة تحدث حين يكون هناك ضبابيَّة في الرؤية الثقافيَّة، وهنا يتجلَّى دور الثقافة؛ فلا ينبغي الاستهانة بقوَّة الثقافة والفكر، إذ إن الثقافة تمتلك مؤشِّرًا يقيس مدى تحقُّق التمكين السياسي، وإن السياسة المتَّزنة هي تلك السياسة المثقَّفة.

ولله الحمد والمنة أننا نلمس في الدبلوماسيَّة السياسيَّة للإمارات ثقافة عالية المستوى، من خلال ما نراه من تطابق أقوالها مع أفعالها على أرض الواقع، ومدى نزاهة القيم والمبادئ والمصداقيَّة؛ لكونها تتعامل مع المتغيرات الدوليَّة بإيجابيَّة عالية وبمبادرات داعمة، وبالأخصِّ في القضايا المحوريَّة، وحوار الحضارات، وحفظ التوازنات الإقليميَّة؛ ولهذا تتجلَّى أهميَّة البعد الثقافي للسياسة الإماراتيَّة، ودوره في إبراز ما تمتلكه الدولة من ثقافة الخير والتسامح على المستويين الإقليمي والدولي، باعتبار الإمارات مركزًا للامتياز المعرفي، ونموذجًا يحتذى به؛ من خلال ما نلحظه جميعًا من اعتزاز المواطن الإماراتي بثقافته العربيَّة والوطنيَّة.

وإن الاهتمام بالقطاع الثقافي يمثل أحد أهم عوامل الجذب السياحي، فالإمارات تدعم كل الجهود الوطنيَّة والإقليميَّة والدوليَّة لتطوير سياسات ثقافيَّة مبتكرة، وقد أدت الجهود المثمرة إلى التطوير الملحوظ في مجال السياسات الثقافيَّة؛ بهدف اغتنام الفرص الجديدة لتحسينها من منظور عالمي وعابر للحدود؛ وصولًا إلى تعزيز الأدوار التنمويَّة للثقافة، كمحرك رئيسٍ للنهوض والتنمية المستدامة لتطوير سياسات ثقافيَّة إبداعيَّة.

واللافت للنظر أن الفعاليات الثقافيَّة على المستوى العالمي تُحقِّق حضورًا عاليًا بشكل نوعي وفريد، وأن هناك الكثير من الظواهر السياسيَّة المثقَّفة، القادرة على تعميق الفكر، لا سيَّما ما تقوم به الإمارات من تحرك ملموس في صياغة المشهد السِّلمي وصياغة ثقافة تتَّسم بالحريَّة والتعايش وقبول الآخر، وكلُّ تلك الإنجازات تُحرِّكها قيم الثقافة النبيلة.

ومن نافلة القول أن أشير إلى أن عزوف العرب- بشكل عامٍّ- عن الثقافة مردُّه واقع فكري هزيل ومخجل، فلا عجب والحال كذلك أن تنقطع أواصر الذاكرة الثقافيَّة- الجمعيَّة- بيننا وبين أجيالنا، وبيننا وبين أخوتنا في الأقطار العربيَّة، وهذا خطر أمني لا يقلُّ أهميَّة عن وجود ثغرة في حدودنا الجغرافيَّة؛ إذ لا شيء بإمكانه أن يجعل الإنسان في وضع أكثر خطورة من الشعور بعدم الأمان الثقافي.

إننا- تأسيسًا على تلك المعطيات- بحاجة إلى إعادة النظر في أهميَّة الثقافة، وتفعيل الأدوات والبرامج لتحقيقها بحسب أهدافنا الوطنيَّة، بما ينعكس إيجابيًّا على حماية المجتمع وأمن الوطن.

وإنَّ تحقيق الوحدة الوطنيَّة وإعلاء قيمة الوطن والمواطنة، وبناء الهويَّة الوطنيَّة الناضجة لن يكون إلا من خلال الثقافة، فهي على صلة قويَّة بالهويَّة وبالمستقبل، وهي تؤثِّر في عمليَّة نجاح الخيارات الوطنيَّة الرائدة، فإذا أردنا ثقافة وطنيَّة صالحة وعميقة ومترسخةً، فعلينا تأسيس مفهوم المواطنة الثقافيَّة، فالعلاقة عميقة بين هذين المفهومين، ولا يمكننا خلق ثقافة وطنيَّة أصيلة في الشعوب، إلا بالمواطَنة الثقافيَّة بكل حقائقها ومتطلَّباتها، تلك المواطَنة المثقفة المؤمنة بقيم العمران والتقدُّم والإنتاج واحترام دولة القانون، وتعزيز دور القيم المدنيَّة والسلوك والحضاري، فضلًا عن قيم العروبة والإسلام والقيم الإنسانيَّة السامية.

إن الثقافة قادرة على أن تصنع الفارق في عالم مليء بالاضطرابات والقلاقل؛ ولهذا بات التنوُّع الثقافي لدولتنا قوَّة رافدة للتنمية والتقدُّم، لا سيَّما تفاعل الثقافة مع وتيرة الأحداث محليًّا وعالميًّا، كل ذلك خلق رؤية مستقبليَّة ذات طابع معتدل، ليس رغبة في ترسيخ العمق الثقافي فحسب، ولكن سعيًا إلى تغيير المجتمعات فكرًا وعقلًا، وخلق التفاضل والتمايز بين المجتمعات الحديثة.

ومن هنا تأتي أهميَّة الدور الذي يمكن أن يقوم به رجال الوطن المثقفون من المؤمنين بالقيم المواطنة الصالحة في تدعيم اللُّحمة الوطنيَّة أولًا، وتقديم قيم إيجابيَّة بنَّاءة تُعزِّز الأمن والاستقرار والتنمية، فالثقافة خطوة باتجاه التحضُّر والتطوُّر، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتنمية الثقافيَّة المستدامة، وتعميق روح المواطنة؛ من أجل فضاء ثقافي يقود لواقع أفضل، بوصفه سلاحًا فعالًا في مواجهة المخاطر والأزمات.

والظاهر لكل ذي عينين أن الدبلوماسيَّة الثقافيَّة الإماراتيَّة أصبحت قوةً ناعمة لا يستهان بها، وصارت داعمًا كبيرًا للنضوج السياسي وللتمكين السياسي، وقد برز ذلك من خلال إشراك المثقَّفين في صنع القرار السياسي، ودمج السياسات الثقافيَّة بالسياسات العامة، ومحاولة خلق التنوع الثقافي، وابتكار سياسات محفِّزة لحماية التراث الثقافي وتسخيره للسلام والدبلوماسيَّة الثقافيَّة، ودعم التعليم والتدريب وبناء القدرات في القطاع الثقافي، مع استهداف إشراك الشباب وتوظيفهم.

وإن هناك إنجازات ثقافيَّة أحدثت فرقًا جوهريًّا في العمل الثقافي في الإمارات، ومنها المهرجانات والأنشطة الثقافيَّة، والمؤتمرات الفكريَّة، وإشاعة ثقافة السِّلم، وإحياء كلِّ المناسبات التراثيَّة والوطنيَّة.

فتحيَّةٌ تليق بالقائمين على إدارة شؤون بلادنا؛ أن جعلوا الثقافة على رأس أولوياتهم، وقد صبَّ هذا الاهتمام في مصلحة الإمارات كدولة لها مكانتها على خريطة العالم، وكمواطن له قيمته الإنسانيَّة الرفيعة.