قصف على إحدى الجبهات في أوكرانيا.(أرشيف)
قصف على إحدى الجبهات في أوكرانيا.(أرشيف)
الجمعة 23 سبتمبر 2022 / 13:08

الخيار الروسي النووي في أوكرانيا مستبعد.. لهذه الأسباب

24- طارق العليان

رأى الكاتب والمحلل الأمريكي جورج فريدمان، في تحليل له نشره موقع "جيوبولتيكال فيوتشرز" أن الأسلحة النووية التكتيكية قد تحسم نتيجة المعركة في اوكرانيا، ولكن ليس نتيجة الحرب. ولذلك، فإن الخيار النووي الآخر لروسيا استراتيجي، بحسب فريدمان؛ ألا وهو تدمير المدن الأوكرانية بسلاحٍ على غرار قنبلة هيروشيما.

لهذا الخيار نقطتي ضعف. فالريح في أوكرانيا متنوعة، إذ تهبُّ في شرق أوكرانيا مثلاً من الشمال. والانفجار النووي الاستراتيجي سيرسل غباراً نووياً إلى روسيا، وفي هذه الحال تحديداً نحو مدينة فورونيج الروسية الإستراتيجية. وأي استخدام لسلاح نووي استراتيجي من الأرجح أن يؤثِّر على الأراضي الروسية

وحذر الكاتب من أن "لهذا الخيار نقطتي ضعف. فالريح في أوكرانيا متنوعة، إذ تهبُّ في شرق أوكرانيا مثلاً من الشمال. والانفجار النووي الاستراتيجي سيرسل غباراً نووياً إلى روسيا، وفي هذه الحال تحديداً نحو مدينة فورونيج الروسية الإستراتيجية. وأي استخدام لسلاح نووي استراتيجي من الأرجح أن يؤثِّر على الأراضي الروسية".

حرب نفسية
وثمَّة عامل خطر ثانٍ، يقول فريدمان، ولو أنه مُستبعد، يتعلق بردة الفعل الغربية. فالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا جميعها تملك أسلحةً نووية استراتيجية. وأي من تلك الدول ربما تعدُّ الضربة الروسية لأوكرانيا تهديداً محتملاً لها، فيحدث تبادل لإطلاق الأسلحة النووية. ولعل هذا احتمال مُستبعد، وربما لا يخطر ببال الدول الثلاث. ولكن داخل مركز القيادة، تتخذ المخاوف حجماً مُضاعفاً. وبالنظر إلى القيمة المحدودة للأسلحة النووية التكتيكيّة والكارثة المحتملة للأسلحة النووية الإستراتيجية، تُعدُّ التهديدات النووية الروسية حرباً نفسية مثالية لكنها لا تستطيع أن تحلُّ الإشكالية العسكرية الروسية.

جوانب الإشكالية العسكرية
وإشكاليتها لها أربعة جوانب. أولها أن الروس منتشرون في أوكرانيا منذ اندلاع الحرب، على نتوءات عُرضة لهجمات تطويقيّة وقعت بالفعل. والانسحاب وتشكيل تشكيلات أكثر قابلية للدفاع عنها سيكون منطقياً، لكنه سيكون له تبعات سياسية جسيمة أيضاً، إذ سيكون مؤشراً على انسحاب آخر بعد الانسحاب شمالاً في الحرب.

وثمة إشكالية ثانية تتمثل في القوات المحدودة عدداً وغير المدربة تدريباً جيداً وغير المتحمسة التي يمكنها شن هجوم مضاد يكفي لإجبار أوكرانيا على التراجع لمسافة كبيرة. والإشكالية الثالثة هي المشكلة الروسية/السوفيتية الأبدية: الخدمات اللوجستية. فلشن هجوم مضاد، لا بد أن يملك الروس لا إمدادات أولية وحسب، وإنما لا بد أن تصلهم أيضاً إمدادات إضافية كبيرة وموثوقة حيثما كانوا.

ويقودنا ذلك إلى الإشكالية الرابعة. وهي أن الأقمار الصناعية الأمريكية تقدِّم معلومات استخباراتية مستمرة ودقيقة عن جميع القوات، بما في ذلك التحركات اللوجستية. فضلاً عن ذلك، فالمدفعية الأمريكية على اختلاف أنواعها قادرة على قطع الطريق على خط الإمداد الروسي، فتشلُّ بذلك أي هجوم محتمل. وأخيراً، فالقوات الأوكرانية مُنتشرة انتشاراً كافياً لدرجة أن الضربة النووية التكتيكية الروسية ستؤثِّر على الهجوم الروسي.

قد يبدو أنّ روسيا أُجبرت على اتخاذ موقفٍ دفاعي دائم. لو كانت هذه هي الحرب العالمية الثانية، لاستطاعت روسيا أن تستعيد قوتها. غير أن روسيا لم تشارك في حرب متعددة الشُعَب منذ 77 عاماً. لقد رأينا الروس وهم يفتتحون الحرب بثلاث عمليات توغُّل بالمدرعات لم تستطع أن تتكيف إلى حدٍ كبير مع المشكلات اللوجستية والأسلحة المضادة للدبابات التي واجهتها. ولقد أُجبرت القوات الروسية على الانسحاب من مهامها الهجومية، وإعادة تشكيل صفوفها وانتهى بها الحال للوضع الذي أمست فيه الآن. إنهم يقاتلون عدواً في الموقع ذاته، لكنه عدو لا يعاني مشكلةً لوجستية بفضل الولايات المتحدة التي تمثِّل الخدمات اللوجستية أقوى قدراتها.

وأوضح فريدمان أنّ على الروس تغيير القوى المُحرِّكَة للحرب إذا لم يضطروا للجوء إلى التسوية السياسية. والسرُّ يكمن في تهديد الأوكرانين من عدة اتجاهات وعلى المستويين التكتيكي والإستراتيجي. والواقع أن أولويتهم الأساسية تكمن في تشتيت الخدمات اللوجستية الأمريكية بخلق تهديد عسكري خطير لحليف أمريكي آخر أو الهجوم مباشرةً عليه. ليس من الواضح أن الولايات المتحدة ستكون عاجزة عن تقديم إمداداتها لجبهتين، غير أن هذه الخطوة ربما زعزعت استقرار الولايات المتحدة وأجبرتها على تقليص دعمها لأوكرانيا، وربما فتحت فرصاً جديدة أمام روسيا.

قيود جغرافية
والقيود الجغرافية كبيرة في هذا السياق، يقول الكاتب، غير أن الأهداف الأكثر احتمالاً هي مولدوفا ورومانيا، الدولتان المتصلتان حدوديّاً. ولا يجوز أن يكون الهجوم بريّاً، وإنما لا بد أن يعوِّل على البحر الأسود، بإنزال عدد كبير من القوات على شواطئ رومانيا المحسوبة على حلف شمال الأطلسي وتستضيف قوة بحرية أمريكية.

ولإنجاز ذلك، على الروس أولاً استخدام الصواريخ لضرب الصواريخ الأوكرانية المُضادة للسفن كتلك التي أغرقت الطراد الروسي موسكفا. وبعد ذلك، سيتعين عليهم تحقيق التفوق الجوي أو الصاروخي على البحر الأسود، ومن ثم النزول براً بعددٍ كافٍ من الجنود لإرغام القوات الرومانية على الاشتباك بالتعاون مع القوات الأمريكية. وبالنظر إلى وجود قوات بحرية أمريكية خارج مضيق البوسفور، وبالنظر إلى أن ولاية حلف شمال الأطلسي أو الضرورة البحتة ستُلزم إغلاق المضيق، سيشكل ذلك تهديداً جسيماً للروس. وإذا أضفنا هجمة جوية على القوات الروسية إلى هذا السيناريو، فستبوء العملية كلها بالفشل.

ربما كانت هناك إجراءات تشتيتيّة أخرى منطقية ذات أهمية كبيرة لإجبار الولايات المتحدة على تشتيت قواتها، غير أنها كلها ستعتمد على تحركات بريَّة في وقت تتعرض فيه روسيا إلضغوط جسيمة. فأي هجوم على دول البلطيق سيترتب عليه هجوم بولندي كاسح على جناح الجيش الروسي، وسيكون من السهل رصد أي هجوم على فنلندا والتنبؤ به.

إن المناورة الرومانية مشكوك فيها إلى حدٍ كبير بالطبع، برأي فريدمان، لكن ها نحن نفترض أن روسيا أُجبرت على الدفاع، وأنها غير مُستعدة للتنازل عن الحرب. إن الخيارات المنطقية محدودة في هذه المرحلة، غير أن التكلفة السياسية للانسحاب من الحرب مهولة. وإذا كان لا بد من أن يُكمل الروس ما بدؤوه ولم يستطيعوا استعادة زمام المبادرة، فستكون المناورة اليائسة هي الخيار الوحيد أمامهم.

والخيار الأخير، برأي فريدمان، هو الذي سبق أن ناقشته من قبل، ألا وهو حشد القوات في الشرق وشن هجوم على أوكرانيا بقواتٍ جديدة. ويظل هذا الحل الأرجح لروسيا، على فرض أن بوسعها تعبئة قوات كبيرة وتدريبها وتحفيزها. وإن لم تفعل، فقد تنتهي الحرب بالتعادل بين الطرفين، غير أنها لن تستطيع أن تفرض إرادتها على أوكرانيا.