جيوجيا ميلوني زعيمة حزب "فراتيلي ديتاليا" (أف ب)
جيوجيا ميلوني زعيمة حزب "فراتيلي ديتاليا" (أف ب)
الأربعاء 28 سبتمبر 2022 / 14:46

التوتر بين إيطاليا وألمانيا بسبب السياسة النقدية أكبر تهديد لأوروبا

24- طارق العليان

حقق حزب "فراتيلي ديتاليا" اليميني المتشدد فوزاً كبيراً في الانتخابات البرلمانية في عطلة نهاية الأسبوع، ما يشير إلى أن الإيطاليين غير راضين عن واقعهم، حسب المحلل الأمريكي جورج فريدمان.

أكثر المؤيدين تهافتاً على فكرة الهجرة لا يعيشون في أحياء يستقر فيها المهاجرون، ولا فكرة لديهم عما يترتب على صراع الثقافات.

وأوضح فريدمان في مقال بموقع "جيوبولتيكال فيوتشرز" الأمريكي أن لإيطاليا ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا، وفرنسا، وأنها مختلفة اقتصادياً واجتماعياً كل الاختلاف عن أبرز بلدان القارة الأوربية الأخرى، لأن اقتصادها أقل إنتاجاً ويُفرز المزيد من الديون.

ويقول البعض إن الإيطاليين يعتقدون أن البنك المركزي الأوروبي يسعى لسياسات نقدية تعود بالنفع على ألمانيا، التي تريد الحفاظ على قيمة اليورو، بوصفها بلداً دائناً صافياً. وتُفضل إيطاليا سياسة مختلفة تعتمد على القروض المُيسرة، في تفضيل عقلاني إذا نظرنا إلى أنها بلد مدين.

ولا يمكن لبنك أوروبي وحيد أن يخدم المصلحتين في آنٍ واحد، ولا يسعه أيضاً أن يصل إلى حلٍ وسط يُرضي الطرفين.

ولكن، نظراً لحجم ألمانيا، يعدّ أداؤها الاقتصادي مُكوناً من مكونات السلامة المالية الأوروبية، ما يعني أن البنك المركزي الأوروبي، يدعم الموقف الألماني.

وبحكم المنطق، ستنتخب إيطاليا حكومة مُتشددة ترى أن البنك المركزي الأوروبي يهيد رخاءها.

ويقول فريدمان: "لطالما كان موقفنا أن التوتر بين إيطاليا وألمانيا بسبب السياسة النقدية سيشكّل أكبر تهديد، وربما قاتلاً، للاتحاد الأوروبي. وبالنظر إلى الشتاء المقبل، سيسعى الساسة الأوروبيون إلى حماية مصالح ناخبيهم، ثم سيتبعون سياسات مُتباينة".

ولفت فريدمان النظر إلى أن "البنك المركزي الأوروبي لن يتمكن من تحقيق الانسجام بين اقتصادات أوروبا، وإذا استمر الحظر على روسيا، فستكون المنافسة بين الدول الأوروبية شديدة"، مضيفاً "تأسسَ الاتحاد الأوروبي لضمان السلام والرخاء، حسب نص شعاره. السلام أصبح مُزعزعاً، والرخاء ينسل من بين أيادي الأوروبيين. وتشير الانتخابات الإيطالية إلى الأزمة".

الهجرة غير الشرعية
وفي الأثناء، كانت هناك مشكلة أخرى تخيم على الانتخابات، حسب فريدمان،  هي الهجرة غير الشرعية.

كانت المشكلة تؤرِّق أوروبا منذ 2015 عندما وَفَدَ عدد كبير من المهاجرين المسلمين إلى القارة الأوروبية.

في تلك الفترة، كانت سياسة الاتحاد الأوروبي تجيز الهجرة المفتوحة نسبياً، لكن المعارضة كانت كبيرة.

وظنّ مؤيدو هذه السياسة أن الدول الأعضاء لديها التزام أخلاقي يلزمها باستقبال المهاجرين. لكن المعارضين احتجوا لأن الدول الأعضاء التي يتوقع أن تسمح بدخول عدد كبير جداً من المهاجرين، خاصة من الدول الثرية، تتباهي بتفوقها الأخلاقي، دون أن تدفع ثمن الهجرة الباهظ.

ولفهم هذه المشاكل، يقول فريدمان: "سأستعين بخبرتي إذ كنت مهاجراً شاباً إلى الولايات المتحدة. فأنا مهاجر ولا أعارض الهجرة بالتأكيد. وفي الوقت عينه، أستوعب ضغوط المهاجرين على النظام والخوف من فكرة الهجرة. ولا يجوز نبذ الخوف لأنه لون من ألوان العنصرية. فكلفة الهجرة تتحملها جماعات تجد أن من الصعب أن تتحمل هذا العبء. غير أن المشكلة ليست مالية فحسب".

ويضيف فريدمان "عندما يصل المهاجرون إلى دولة ما، فهم لا يعيشون بين الأثرياء، وإنما يُساقون للعيش بين أفقر طبقات المجتمع، حيث يكاد المرء لا يتحمل إيجار شقة صغيرة".

"والمهاجرون أجانب أيضاً، وكثيراً ما لا يفهمون البلد المضيف. فالآباء غالباً ما يذهبون إلى عملهم، تاركين الأبناء يدافعون عن أنفسهم. وفي غياب الإشراف الأبوي، يجتمع المهاجرون من البلد عينه معاً وتندلع الحروب بين اليهود، والبورتوريكيين، وبين الأيرلنديين والسود، وبين الإيطاليين والدومنيكيين، وهؤلاء يشكلون عينةً من الجماعات العرقية التي نشأت معها. وكانت الجرائم تُرتكب، والمقيمون يتعرضون للسرقة، والضرب في شُققهم".

الهجرة تجربة قاسية

وبيت القصيد، حسب الكاتب، أن الهجرة تجربة قاسية للشباب، وتُمثل أثراً أكثر بشاعةً على المقيمين الذين استقروا في البلد منذ سنوات.

وقد كانت كابوساً لكبار السن تحديداً. كل مَن كانت لديه القدرة فر وهرب. وكل مَن لم يستطع مَكَثَ وراء أبواب مُغلقة. كانت هذه هي تجربة المهاجرين، وكانت أيضاً تجربة الطبقة العاملة والمُتقاعدين.

ولم يكن يُلام عليها أحد في الواقع، إلا الذين أيدوا هذه السياسة دون فهم التبعات واسعة النطاق للهجرة، ولم يحاولوا تخفيف وطأة الأزمة التي ترتبت عليها.

وتابع فريدمان: "لاحظت نمطاً محدداً في نيويورك أراه في أوروبا. فأكثر المؤيدين تهافتاً على فكرة الهجرة لا يعيشون في أحياء يستقر فيها المهاجرون، ولا فكرة لديهم عما يترتب على صراع الثقافات أو عما يفعله المراهقون دون إشراف الكبار. إذا لم يشهدوا هذه الأحداث في أحيائهم، فهذا لا يعني أنهم لا يبالون بالفوضى، وإنما يعني ببساطة أنهم لا يستطيعون فهمها".

تزايد العداء للمهاجرين 
ويضيف الكاتب "أزمة الهجرة موجودة في كل الدول. غير أنها أكثر حدة في أوروبا. وأمريكا بلد قائم على المهاجرين، وجميعنا لنا جَدُّ جاء هنا طوعاً أو كرهاً، ناهيك عن السكان الأصليين الذين دفعوا ثمن أول موجة هجرة. لكني أفهم موقف الإيطاليين من الهجرة الذي يمكن أن يتلخص في، فليذهبوا جميعاً إلى ألمانيا".

وهنا تتلاقى القضايا الاقتصادية وقضية الهجرة، إذ تخلق مشكلة جديدة يُؤججها ازدراء الطبقات المرموقة المتباهية بأخلاقياتها لمعارضي الهجرة.

ويخلص فريدمان إلى أن هذه المشاكل ستمزق الاتحاد الأوروبي ودولاً أخرى أيضاً.