السبت 1 أكتوبر 2022 / 16:52

شمال العراق يقلق إيران جيوسياسياً وأمنياً

24 - أحمد إسكندر

ما أن تشهد طهران أزمة داخلية تتمثل بالاحتجاجات حتى وأن كانت على غلاء المعيشية وارتفاع الأسعار حتى يعلن النظام الإيراني عن قيام أطراف يصفها بـ"المعادية" بالوقوف ورائها ويبدأ التخبط العسكري الذي يدل على خوف وارتباك النظام الديني الذي فقد شرعيته مع أول رصاصة أصابت متظاهرين عزل.

الإيرانيين يرون في منظمة مجاهدي خلق مصدر تهديد لهم وعملها المتواصل مع بعض الأطراف العراقية برعاية أمريكية يدفع باتجاه تعزيز فكرة الإقليم

مع دخول الاحتجاجات في إيران، أسبوعها الثالث على مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، على يد ما يعرف بـ"شرطة الأخلاق" تصر إيران على الحديث عن بعدها الجيوسياسي والأمني ليوجه الحرس الثوري طائرات المسيرة وصواريخه البالستية وقذائف مدفعيته نحو شمال العراق وتحدياً إلى الأكراد.

ملف أمني
وبحسب ما ذكرت صحيفة "العرب" هناك عدة عوامل تتحكم في الكيفية التي تتعامل بها إيران مع إقليم كردستان العراق، في مقدمتها اقتناع راسخ لدى الحرس الثوري الإيراني بأن الإقليم يمكن أن يكون ساحة لعمل الموساد الإسرائيلي ويشكل ذلك عاملاً أساسياً في جعل ملف إقليم كردستان ملفاً أمنياً خالصاً، يضاف إليه الدور الذي يلعبه الإقليم في الساحة السياسية العراقية، وعلاقات الإقليم مع الأحزاب والتيارات السنية والشيعية التي تتفاوت فيها المواقف الكردية ولا تتقاطع بالضرورة دوما مع الرؤية الإيرانية.

وتنظر إيران إلى خروج إقليم كردستان عن الإدارة المركزية للدولة العراقية وما نتج عنه من تداعيات على أنه حالة عراقية، لكنها حالة خاصة لم تضع لها إيران المعادلات ذاتها التي أدارت بها الشأن العراقي الشيعي أو السني؛ كما استفادت من الكرد العراقيين في حربها ضد العراق في الثمانينات، وعادت إلى الحذر منهم بعد أن باتوا يشكلون على حدودها ما يشبه الكيان المستقل.

وكما يتواجد حزب العمال الكردستاني التركي الذي تتحكم به إيران في "جبل قنديل" يوجد أيضاً عدة أحزاب كردية إيرانية معارضة لنظام الحكم في طهران، ما يشكل بيئة "غير آمنة" للإيرانيين مهما كانت علاقاتهم وثيقة مع قادة الإقليم، ولم يكن مفاجئاً أن تعارض إيران استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق الذي نظَّمه رئيس الإقليم السابق مسعود بارزاني في عام 2017.

ناحية سيدكان
يستهدف الحرس الثوري في قضاء جومان وناحية سيدكان باستمرار بسبب وجود الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في تلك المناطق وفي وثائق الإيرانيين تصريح مهم للأمين العام السابق لمجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، في عام 2016 الذي تحدث عن تواصل أطراف وصفها بـ"المعادية" تتعمد تقديم مساعدات لأحزاب معارضة إيرانية.

إضافة إلى ذلك، وحسب دراسة نشرها موقع "ميدل إيست" أونلاين، الإيرانيين مازالوا يرون في منظمة "مجاهدي خلق" مصدر تهديد لهم، وعملها المتواصل مع بعض الأطراف العراقية السُّنية برعاية أمريكية للدفع باتجاه تعزيز فكرة إنشاء "إقليم سُنّي" في العراق.

حالة من الشك
تطورت حالة الشك بين الطرفين حتى وصلت إلى نزع مخالب رئيس الإقليم مسعود بارزاني، ولم يطل الوقت حتى أخذ الحرس الثوري الإيراني يضيّق عليه الخناق أكثر، وذلك عبر قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، الذي قرّر فرض سيطرة القوات العراقية وفصائل الحشد الشعبي على كركوك ومعظم المناطق المتنازع عليها كعقاب صريح على التفكير في الانفصال.

وعلى قَتل سليماني، جاء الرد الإيراني بشن هجوم على كردستان العراق، عبر استهداف قاعدة حرير التي تتواجد فيها قوات أمريكية وفي ربيع هذا العام وجّهت إيران ضربة صاروخية أخرى ضد أحد المراكز المدنية في أربيل، وقال الحرس الثوري أنه استهدف خلايا للموساد الإسرائيلي، كضربة انتقامية ضد التحركات التي يقوم بها الموساد انطلاقاً من شمال العراق وانطلاق مسيرة إسرائيلية باتجاه قاعدة كرمنشاه العسكرية الإيرانية.

وترى إيران أن من يقود السياسة في إقليم كردستان يتموضع بعيداً عنها وعن المحور الذي تشكله في المنطقة، بينما تجد في حليفها الاتحاد الوطني الكردستاني صديقاً مستأمناً. وفي الوقت الذي تعود فيه علاقات البارزانيين مع إسرائيل إلى عهد الملا مصطفى بارزاني طور ورثته تلك العلاقات إلى تعاون استخباراتي دعمته الولايات المتحدة، واستغلته إسرائيل بعد إنشاء المنطقة الآمنة فوق خط عرض 36 التي صارت تعرف باسم إقليم كردستان.

محور الغاز
تقول بعض التقارير إن "الأكرد يخوضون مفاوضات مع أطراف عديدة للإسهام في تصدير الغاز الطبيعي العراقي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية"، لاسيما مشروع خط أنابيب يصل من دهوك، ليلتقي بخط آخر انتهت الشركات التركية فعلياً من إنجازه ويقع على مقربة من الحدود العراقية.

ويمتلك إقليم كردستان احتياطيات مهمة من الغاز الطبيعي تصل إلى 25 تريليون قدم مكعبة، ونجاح مشروع خط دهوك سيجعل من إقليم كردستان تهديداً اقتصادياً منافساً للجمهورية الإيرانية التي ترى بأن تطوير قدرات إقليم كردستان في إنتاج الغاز قد يقوي الحكومة المركزية في بغداد التي تعتمد على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية، وهو ما لا تريده طهران، على الرغم من أن المحكمة الاتحادية في العراق، وبدفع من أذرع إيران العراقية، أصدرت قراراً يقضي بعدم دستورية عقود بيع نفط وغاز إقليم كردستان التي وقعت خلال السنوات الماضية.

الغاز إذاً أحد أبرز الأهداف الموضوعة على خارطة الاستهداف العسكري الإيراني لإقليم كردستان، والملفت للنظر أن كل ما سبق يخدم حليفاً مهماً للجمهورية الإيرانية يعاني أزمة دولية كبرى هذه الأيام، وعندما تجعل إيران من إقليم كردستان عاجزاً عن المضي في مشروع تطوير إنتاج وتصدير الغاز، تخدم بذلك المصالح الروسية الذي يمتلك داخل الإقليم نفوذاً كبيراً والذي قد يجد نفسه عرضة للتهديد في ظل العقوبات والعلاقات الوثيقة بين الإقليم والأمريكيين، إذ تهيمن شركة روسنفت الروسية على قطاع الطاقة في شمال العراق، ولن يكون من مصلحتها أن يطرأ أي تغيّر على هذا الوضع هناك.