نساء وأطفال يغادرون بالقطار مع اقتراب صوت المعارك من مدينة إربين الأوكرانية.(أف ب)
نساء وأطفال يغادرون بالقطار مع اقتراب صوت المعارك من مدينة إربين الأوكرانية.(أف ب)
الخميس 6 أكتوبر 2022 / 10:08

الروس الفارون من التعبئة قد يثيرون اضطرابات في أوروبا

24- طارق العليان

بينما يعاني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المزيد من الهزائم في أرض المعركة، قد يؤدي به يأسه المتزايد إلى الظن بأن شن هجمات إرهابية بدعمٍ من روسيا على البلدان الغربية ردة فعل مشروعة.

أوضح كريستوفر شيفيس، ضابط الاستخبارات الوطنية السابق في أوروبا، أن روسيا ربما سخّرَت عملاء شركة فاغنر لشن هجمات على الأراضي التابعة لحلف الناتو

 ومن الممكن أن تستهدف تلك الهجمات أهدافاً عسكرية أوروبية أو منشآت تابعة لحلف شمال الأطلسي أو حتى المدنيين. فقد أثبتت تصرفات روسيا في أوكرانيا وسوريا والشيشان أنه لا وجود لخطوط حمراء عند بوتين، وذلك بحسب ما أفاد كولِن كلارك، مدير قسم الأبحاث في مجموعة صوفان وزميل باحث أول في مركز صوفان الأمريكي المعني بالتحديات الأمنية العالمية وقضايا السياسة الخارجية.

شن هجمات على النفط الغربي

وأوضح الباحث في مقال نشرته صحيفة "لوس أنجلس تايمز" الأمريكية أنه في ظل استمرار الحرب المشؤومة التي تشنها روسيا على أوكرانيا، ثمة مخاوف جديّة بشأن كيفية تعامل بوتين مع المُستجدات. لكي تنأى روسيا بنفسها عن النحو الذي تؤثر به الحرب على المدنيين الروس – إذ دعا بوتين مؤخراً إلى تعبئة 300 ألف مدني – حاولت أن تُصوِّر للناس أن الصراع القائم بينها وبين حلف شمال الأطلسي لا بينها وبين أوكرانيا.

ونظراً لأن بلدان حلف شمال الأطلسي راحت تمدُّ الجيش الأوكراني بالأسلحة وتدرب جنوده، فقد هددها الكرملين باستخدام الأسلحة النووية، مما أثار مخاوف من احتمالات استخدام روسيا لسلاح نووي تكتيكي في أوكرانيا. غير أن السيناريو الأرجح، برأي الباحث، هو شن هجمات مباشرة على النفط الغربي. وربما سعت روسيا إلى اللجوء إلى أعمال تخريبية تطال خطوط إمداد حلف شمال الأطلسي في بولندا أو رومانيا.

وجاء ضمن منشورات على إحدى قنوات برنامج تيليغرام التي يديرها روسيش، وهو أحد مرتزقة النازيين الجدد، دعوة للموالين لروسيا في أوروبا بأن يعرقلوا نقل أفراد حلف شمال الأطلسي ومعداته والخروج في "تظاهرات" محلية ضد الحرب على روسيا أو الالتفات إلى حل المشكلات الأخرى الأكثر إلحاحاً في أوروبا.

ويرتبط روسيش ارتباطاً وثيقاً بمجموعة فاغنر، وهي مؤسسة عسكرية خاصة مُتعاقدة مع روسيا اتُهمت بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا والشرق الأوسط وإفريقيا. وتُرجِمت دعوة الأفراد للتحرُّك في أوروبا إلى الإنغليزية والألمانية والبولندية، ومن الممكن أن تستميل الغربيين الموالين لروسيا وتحثهم على ارتكاب أعمال إرهابية في أوطانهم.

وفي مارس (آذار) الماضي، أوضح كريستوفر شيفيس، ضابط الاستخبارات الوطنية السابق في أوروبا، أن روسيا ربما سخّرَت عملاء شركة فاغنر لشن هجمات على الأراضي التابعة لحلف الناتو.

تورط روسي في أعمال إرهابية سابقاً

وسبق أن اتُهمت روسيا عام 2006 بقتل ضابط الاستخبارات ألكساندر ليتفينينكو الذي انشقّ إلى المملكة المتحدة. وتورّطت روسيا أيضاً في استخدام غاز الأعصاب من الدرجة العسكرية في محاولة 2008 لدس السم لضابط المخابرات العسكرية الروسي سيرغي سكريبال وابنته في مدينة سالزبري الإنغليزية. وفي 2019، أرسلت روسيا سفّاحاً إلى ألمانيا قتل قائداً شيشانياً انفصالياً سابقاً في أحد شوارع العاصمة برلين بعد أن أصابه برصاصتين في رأسه بمسدس كاتم للصوت.

وسبق أن طردت جمهورية التشيك وبلغاريا دبلوماسيين روساً بعد اتهامهما ضباط مخابرات روساً بقصف مخازن أسلحة ومستودعات ذخيرة في بلديهما، مما أسفر عن مقتل مدنيين.

وقدّم خبراء بالتصنيفات الإرهابية، بمن فيهم جيسون م. بلازاكيس المدير الأسبق لمكتب تمويل مكافحة الإرهاب وتصنيفات الإرهاب التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، أدلةً دامغة على أن روسيا مؤهلّة لأن تكون دولة راعية للإرهاب، ولو أن إدارة بايدن رفضت إلى الآن أن تخطو خطوة تصنيفها ضمن رعاة الإرهاب.

وهناك تبعة أخرى كبيرة للغزو الروسي الكارثي لأوكرانيا أطول أمداً. ففي ظل فرار المواطنين الآن من روسيا بأعدادٍ كبيرة خشية التجنيد القسري، تتأهب البلدان في الأقاليم المجاورة لاستقبال جحافل الأجانب. وفضلاً عن الأوكرانيين الذين اضطروا إلى الفرار من القصف الروسي العشوائي لمناطق المدنيين، ستُجبر البلدان الأوروبية مجدداً على التعاطي مع التوترات الداخلية الناجمة عن الهجرة.

وإلى الآن تلقى موجة المهاجرين من أوكرانيا وروسيا استقبالاً أكثر حرارة من ذاك الذي استقبلت به أوروبا المهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا عام 2015، عندما سعى 1.3 مليون نسمة إلى اللجوء السياسي هناك. ولكن، عندما تصل أعداد كبيرة من الأجانب إلى الدول الأوروبية، ستؤدي تلك الجحافل حتماً إلى حالة عدم استقرار سياسي وستثير أسئلة عن الهوية والأصول العنصرية وستندلع توترات دينية واجتماعية-اقتصادية.

تفاقم نزعات الشعبوية
أفضت هذه المواقف تاريخياً إلى تفاقم نزعات الشعبوية والنعرات القومية والخوف من الأجانب التي تستغلها أحزاب اليمين المتطرف السياسية لدعم موقفها في الانتخابات. ومن المفارقة أن الفارين إلى بلدان أخرى يتركون بلادهم هرباً من الفظائع الروسية، غير أن وصولهم إلى أراضٍ جديدة من المرجح أن يعزز الأحزاب السياسية عينها التي تتلقى دعماً من روسيا. ويستمر أتباع تلك الحركات السياسية في العمل كجنود مرتزقة لصالح اليمين المتطرف، ومن بينهم النازيون الجدد وأنصار تفوق بيض البشرة وطيف من المتطرفين الذين يحركهم أيديولوجيّاً العنف.

وبما أنّ الولايات المتحدة هي المورِّد الأساسي للأسلحة ذات التقنية العالية للقوات الأوكرانية، يبدو من المنطقي، برأي الباحث، أن يستهدف بوتين السفارات الأمريكية في أوروبا، وينفذ هجمات سيبرانية ضد شبكات الحكومة الأمريكية أو يشن هجوماً على الأراضي الأمريكية. ومن الممكن أن تُكثِّف موسكو أيضاً جهودها لتعزيز المعلومات المُضللة بين الأمريكيين، وأن تتدخل في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وتواصل تضخيم القضايا المثيرة للشقاق والانقسام كالإجهاض واللقاحات التي يمكن أن تُسفر عن تطرف عنيف.