تظاهرة ضد الغزو الروسي لأوكرانيا أمام البيت الأبيض.(أرشيف)
تظاهرة ضد الغزو الروسي لأوكرانيا أمام البيت الأبيض.(أرشيف)
الخميس 6 أكتوبر 2022 / 10:52

هذا هو التصدّع الأطلسي المقبل

لفت مدير الأبحاث في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" جيريمي شابيرو إلى عدد من المؤشرات التي تنبئ بظهور تصدع في الحلف العابر للأطلسي. يعطي مثلاً على ذلك الحماسة التي دفعت السناتور الأمريكي رودجر مارشال للانضمام إلى الغضب العام الذي انتشر بعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

بدأت جوقة متنامية من الوجوه القيادية تتساءل عن سبب وجوب أن تمول الولايات المتحدة حرباً على القارة الأوروبية إذا لم يكن الأوروبيون الأثرياء يريدون تمويلها بشكل مناسب

حينها، أدان عبر تويتر الهجوم بصفته "أعظم انتهاك للسلام في أوروبا منذ ما يقارب 80 عاماً". وسافر إلى ألمانيا والحدود البولندية-الأوكرانية في مارس (آذار) لزيارة القوات الأمريكية ومراقبة العمليات الإنسانية هناك. لدى عودته، حث السناتور الجمهوري الرئيس الأمريكي جو بايدن على نقل الأسلحة إلى الأوكرانيين مشيداً بمساهمات بولندا وألمانيا في جهود الحرب واصفاً إياها بـ"البطولية".

انقلب الوضع

بعد بضعة أسابيع، بدا أن غضبه تبدد. لقد كان واحداً من السناتورات الأحد عشر الذين صوتوا ضد حزمة المساعدات الأمريكية إلى أوكرانيا البالغة قيمتها 40 مليار دولار والتي اقترحتها إدارة بايدن. عند توضيح سبب تصويته، أشار مارشال إلى أن "مساهمات حلفائنا في الناتو تدنت بشكل كبير، محولة هذا بشكل أساسي إلى حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا".

وفي مجلس النواب، تساءل النائب تيم بورشت عن سبب إرسال الولايات المتحدة "40 مليار دولار إلى أوكرانيا، (بينما) لا نستطيع الحصول على حليب للأطفال؟ حان الوقت كي تظهر أوروبا". وبدأت جوقة متنامية من الوجوه القيادية تتساءل عن سبب وجوب أن تمول الولايات المتحدة حرباً على القارة الأوروبية إذا لم يكن الأوروبيون الأثرياء يريدون تمويلها بشكل مناسب.

خشية داخلية
أشار شابيرو إلى أن مشروع القانون نجح في الحصول على المصادقة، لغاية الآن، حيث أن أقلية جمهورية فقط تتبنى وجهة النظر هذه. لكن في السر، يشكك مسؤولون في الإدارة بإمكانية أن يستطيعوا تمرير حزمات مساعدة كبيرة لأوكرانيا بعد الانتخابات النصفية. حسب وجهة نظرهم، ازداد حذر الكونغرس من المبالغ الضخمة الضرورية لاستدامة حرب أوكرانيا، خصوصاً عند النظر إلى أولويات داخلية عدة والتهديد الصيني الذي يلوح في الأفق.

إن التعبئة الجزئية للاحتياط التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعني أن الحرب لن تنتهي سريعاً. يتوقع مسؤولو الإدارة أن يطالب الجمهوريون المركزون على الموازنة بضرورة أن تتدخل أوروبا وأن يشيروا إلى الجمود الأوروبي كإخفاق لديبلوماسية إدارة بايدن. وقد ينضم إليهم حتى بعض الديموقراطيين المناهضين للتدخل.

الفجوة أوسع وأوسع

بإمكان المرء أن يفهم وجهة نظرهم، تابع شابيرو. لقد تعهدت الولايات المتحدة تخصيص 44 مليار دولار كمساعدة إلى أوكرانيا وقد طلبت من الكونغرس الموافقة على 13.7 مليار دولار أخرى. هذه أرقام كبيرة حتى بمعايير واشنطن. في هذه الأثناء، بلغ مجموع مساهمات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وجميع الدول الأعضاء فيه 33 مليار دولار.

وفي مجال المساعدات العسكرية الأساسية، تصبح الفجوة أوسع: تعهدت الولايات المتحدة تقديم 24 مليار دولار والأوروبيون 12 مليار دولار فقط. والفارق الفعلي قد يكون أعظم بما أن مانحين أوروبيين أساسيين كانوا أبطأ في تنفيذ تعهداتهم وفق الأنباء. يعني هذا كله أن المجرى الهزيل للحجج الحالية القائمة على "لوم أوروبا" قد يتحول إلى سيل إذا سيطر الجمهوريون على الكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني). إن مزية تلك المزاعم تكمن في أنها ستسمح للنقاد التشريعيين في الكونغرس الذين يجدون نفسهم في موقع أقوى أن يعارضوا سياسة بايدن من دون أن يبدوا أكثر ليونة تجاه روسيا.

شكوى طويلة المدى
اشتكت الولايات المتحدة من فشل أوروبا بالمساهمة في أمنها الخاص منذ الخمسينات. في 2006، وافقت جميع الدول الأطلسية على إنفاق ما لا يقل عن 2% من ناتجها القومي على الدفاع. أضحى إخفاق حلفاء أوروبيين متنوعين في الوفاء بهذه النسبة مصدر تصدعات أطلسية متعددة بمرور السنوات. رأى شابيرو أن هدف الـ2% لطالما شكل قياساً سيئاً لمساهمة دولة معينة في الدفاع المشترك لحلف شمال الأطلسي.

مع ذلك، أصبحت سمة مركزية للخلافات بين أمريكا وأوروبا لأنها كانت هدفاً واضحاً ومرئياً وقابلاً للقياس وافق عليه الجميع. الحجج التي ذكرت أن الأوروبيين ساهموا في المساعدات التنموية أكثر من الولايات المتحدة تمتعت بمزية الوقائع. لكنها لم تحدث صدى كبيراً واشنطن حيث بدت جهوداً مثيرة للشفقة هدفها للتهرب من أحد الالتزامات.

الجدال انتهى... لم ينتهِ
أنهت حرب أوكرانيا إلى حد بعيد الجدال حول الـ2% بما أن غالبية الدول الأطلسية اجتازت تلك العتبة. لكن بالنظر إلى التردد التشريعي لإنفاق مبالغ أعظم على أوكرانيا، ستبقى القضية الأعم حادة كما في الماضي. يبدو محتملاً أن توفر أعداد المساعدات العسكرية الأمريكية إلى أوكرانيا سبيلاً جديداً قابلاً للقياس من أجل التذمر من الرحلات المجانية لأوروبا على حساب الولايات المتحدة.

من المؤكد أن يحافظ المسؤولون الأوروبيون على شعار أن المساعدة العسكرية ليست السبيل الوحيد لدعم أوكرانيا. سيشيرون إلى الأصول البارزة التي يستخدمونها لاستقبال اللاجئين في دولهم والأكلاف الباهظة التي يتكبدونها لفصل أنفسهم عن الطاقة الروسية. كما في الحالات السابقة، ثمة منطق قوي هنا، لكن في واشنطن سيبدو كل ذلك أعذاراً لعدم التحرك. وفق شابيرو، إذا سلك الأوروبيون هذه الطريق، فقد تبدأ الحجة الدائمة بالسيطرة على القمم العابرة للأطلسي وتهدد الوحدة الغربية حيال أوكرانيا وقضايا أخرى.