الجمعة 7 أكتوبر 2022 / 20:29

محمد بن زايد والمعلم: استثمار في المستقبل

قبل سنوات، حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، على زيارة معلمه الأستاذ أحمد إبراهيم مندي أحد الرواد الأوائل من المعلمين الأفاضل الذين ساهموا في مسيرة التعليم في بدايات الاتحاد وحملوا أمانة هذه المهمة وأدوا رسالتها السامية، مستذكراً معه أيام الدراسة ومعرباً عن وفائه لمن ساهم في تنشئته العلمية.

هذه اللفتة الكريمة ومعانيها الجليلة، تتكرر على الدوام في حديث الشيخ محمد بن زايد عن المعلمين، فخلال استقبال سموه، وفداً من المعلمين والعاملين في مختلف القطاعات التعليمية في الدولة، بمناسبة اليوم العالمي للمعلم، تحدث أيضاً عن فضل معلميه عليه، وقال بتواضع الكبار الصادق النابع من القلب إن "فضلهم فوق رأسه، وأنه يقف مكانه الآن بفضل نصائح معلميه وتعليمهم".

لا تنطبق عبارة "لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولو الفضل"، على أحد بقدر ما تنطبق على الشيخ محمد بن زايد، الذي لا يترك فرصة إلا ويتذكر فضل معلميه، وهذه هي أخلاق الكبار وشيمهم، وكأنه يخط درساً لكل الأجيال، حول التواضع والاعتراف بالفضل، لأنه لا يعرف قيمة الإنجاز الحقيقي إلا رجل الإنجاز، ولا يقدر الأمور إلا من يعرف قدرها.

في قلب استراتيجيته
ولا شك أن التعليم، وفي قلبه المعلم، جزء أساسي من استراتيجية رئيس الدولة للتنمية والتطور وتقدم الصفوف نحو المستقبل. فهو من أطلق جائزة خاصة للمعلم وهي "جائزة محمد بن زايد لأفضل معلم"، التي يحرص من خلالها على تكريم المعلمين، ووضعهم في الصدارة ليكونوا نموذجاً يقتدي به الآخرون، وأن يظهروا للعيان من أجل مكافأتهم على مجهوداتهم وحرصهم وإخلاصهم الدائم في أداء مهامهم ونبل مقاصدهم.

ولا يترك الشيخ محمد بن زايد مناسبة منذ توليه المسؤولية إلا ويتحدث فيها عن أهمية المعلم، ولعل آخرها مخاطبته المعلمين في كلمته التي وجهها إلى الطلاب في بداية العام الدراسي الحالي، قائلاً إن رسالتهم عظيمة وإن مسؤوليتهم كبيرة لتحقيق طموحات الوطن، وقبلها حين وجّه برفع نسبة الراتب الخاضع للتقاعد للمواطنين العاملين في المدارس الحكومية في إمارة أبوظبي إلى 80% من الراتب الإجمالي بمبلغ يتجاوز 6.6 مليار درهم، حرصاً على تعزيز المستوى المعيشي والاستقرار المالي والأسري للمعلمين، وبعدها حين أطلقت وزارة التعليم "الميثاق المهني والأخلاقي للعاملين في مؤسسات التعليم العام" للارتقاء بدور المعلم وتطويره.

إن كل هذا الاهتمام، تكشّف سببه في كلمة سموه مع المعلمين حين تحدث عن "لقاء جمعه مع الراحل لي كوان يو، رئيس وزراء سنغافورة الأسبق، الذي يعدّ مؤسس سنغافورة الحديثة، حين سأله عن خططه الخمسية التي ركزت على بناء منظومة تعليمية قوية في بلاده على مدى 25 عاماً، وأهمية التعليم في تقدمها، إذ شكلت تلك المنظومة قاعدة قوية لنهضتها وسرعة تطورها. وقال سموه، إنه "خلال عشرين عاماً المقبلة سيحدد التعليم مدى تقدّم الدول والأمم أو تأخرها عن ركب التطور والحضارة".

ركيزة التنمية وأساسها

إذن فالشيخ محمد بن زايد يرى أنه لا تقدم ولا تطور إلا من خلال التعليم، وتنشئة أجيال جديدة تكمل مسيرة التنمية في البلاد، ومن هنا فإن الاستثمار في التعليم وتخريج كوادر نوعية متميزة يرتكز في الأساس على إعداد معلم متميز، وهذا لا يتأتى إلا من خلال الاهتمام به، مهنياً وتربوياً ومادياً، لأنه إذا صلح حال المعلم صلح حال الطالب وصلح حال مستقبل الوطن، وإذا فسد المعلم فسد كل شيء، أو كما قال شوقي:

وَإِذَا الْــمُـعَـلِّـمُ لَـمْ يَـكُـنْ عَـدْلًا مَـشَـى.. رُوحُ الْـعَـدَالَـةِ فِـي الـشَّـبَـابِ ضَـئِـيـلَا
وَإِذَا الْــمُــعَــلِّـمُ سَـاءَ لَـحْـظَ بَـصِـيـرَةٍ.. جَــاءَتْ عَــلَــى يَـدِهِ الْـبَـصَـائِـرُ حُـولَا
وَإِذَا أَتَـى الْإِرشَـادُ مِـنْ سَـبَـبِ الْـهَـوَى.. وَمِــنَ الْــغُــرُورِ فَــسَــمِّـهِ الـتَّـضْـلِـيـلَا

إن الشيخ محمد بن زايد يفكر في الاستثمار في المستقبل، وهذا يكون من خلال الاستثمار في النشء، وفي أن هذا الطفل الصغير من الممكن أن يقود العالم في المستقبل إلى اكتشاف مهم في العلم أو الدواء، ولهذا خاطب المعلمين قائلاً "أنه من الممكن أن أي كلمة تشجيع وتحفيز يقولها المعلم تنشئ مبدعاً ومتميزاً في مجال ما، والعكس صحيح. فأي كلمة محبطة تؤدي إلى حرمان المجتمع من مبدع أو مخترع كان يمكن أن يغير حياته للأفضل".

إن الاهتمام السامي والكبير من الشيخ محمد بن زايد بالمعلم، لهو رسالة لنا جميعاً، للطلاب ولأولياء أمورهم وللكتاب والمفكرين ووسائل الإعلام والمجتمع بكافة أطيافه، بضرورة دعم المعلم وتكريمه وإلقاء الضوء على دوره، فمن هنا يبدأ الحفاظ على إنجازات دولة الإمارات ومكانتها ودفعها قدماً نحو المستقبل الذي يظلّ المعلم في طليعة صناعه.