الخميس 13 أكتوبر 2022 / 20:45

زيارة تاريخية إلى روسيا.. "شكراً" محمد بن زايد

تأتي زيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا الاتحادية، في وقت شديد الحساسية، إذ تتجه العيون إلى تلك المنطقة التي تشهد أحداثاً تؤثر ارتداداتها على العالم كله، وهو ما دفع بسموه، بما يمتلكه من وزن وثقل واحترام على الساحة الدولية بوصفه أحد أبرز رموز السلام وصناعه، وأيضاً بما يمتلكه من رصيد تقدير وصداقة ومصداقية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للقيام بهذه الزيارة التاريخية التي جسدت حضور الإمارات ودورها المحوري في دعم التنمية والاستقرار على مستوى العالم.

لفتات
وقد حظيت الزيارة باهتمام إعلامي كبير، وتوقف عدد من وسائل الإعلام عند توجيه بوتين شكره إلى الرئيس الإماراتي بالعربية الفصيحة، لما حمله ذلك من دلالة فيها توقير وتعظيم للغة والمتحدث بها ودوره الكبير والمكانة التي يحتلها عنده. إن حديث محمد بن زايد بالعربية ورد بوتين عليه باللغة ذاتها لهو احتفاء كبير في الوقت عينه باللغة العربية، التي يعتز بها سموه وتقع موقعاً مميزاً في وجدانه وفكره.

ثاني اللفتات المهمة كانت حين خلع بوتين معطفه الخاص وأهداه للشيخ محمد بن زايد للوقاية من التغير المفاجئ لطقس بطرسبرغ، وهي لفتة تكشف عن عمق العلاقة والتقدير المتبادل بين الزعيمين. هذا التقدير الذي رأيناه في مخاطبة محمد بن زايد نظيره الروسي بكلمة "صديقي"، لينقل اللقاء إلى مستوى آخر، وينقل العلاقات من مستوى الشراكة الاستراتيجية الرسمية بين دولتين كبيرتين إلى مستوى الصداقة التي تتجلى في عشرات الاتفاقيات التجارية بين البلدين.

وهذه الصداقة بين الزعيمين تبدو طبيعية، فهذا اللقاء بينهما هو العاشر منذ تولي بوتين رئاسة روسيا قبل 10 سنوات، وسبقه 8 قمم وزيارات أجراها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا، منذ 2012، وحتى 2018، كما وصف بوتين زيارته الأخيرة إلى الإمارات في 15 أكتوبر 2019 بأنها كانت "شيئا لا ينسى"، ولم تنقطع لقاءاتهما المباشرة إلا بسبب أزمة كورونا والإغلاق الذي صاحبها في العالم كله.

وإذا كانت هذه اللفتات وغيرها تقدم رسائلها ودلالاتها لكل قارئ عليم، فإن الرسالة الكبرى كانت في اختيار توقيت الزيارة، حيث تتجه أنظار العالم إلى تلك المنطقة، لا سيما بعد ما شهدته الحرب الأوكرانية من تطورات في الأيام القليلة الماضية، بعد تفجير جسر القرم، ورد روسيا بهجمات صاروخية على كييف والتلويح بالنووي.

رجل السلام
يؤكد محمد بن زايد بزيارته هذه، وفي هذا التوقيت أنه رجل الإنسانية والسلام الذي يعوّل على مساهمته في إعادة الاستقرار، لا سيما وأن تلك الحرب لم تترك دولة في الأرض كلها إلا ووصلت إليها بتأثيراتها. وقد شعر الجميع مع هذه الزيارة بقدر من التفاؤل بإمكانية حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، خاصة مع التقدير الكبير الذي يحمله الرئيس الروسي لنظيره الإماراتي، وأيضاً الرصيد الكبير الذي يحمله الشيخ محمد بن زايد من مبادرات إنسانية، ومع يده الممدودة دوماً بالخير، حيث لا تتوقف طائرات الإغاثة الإنسانية الإماراتية طوال العام من إفريقيا إلى آسيا إلى أوروبا، كما أن مبادرات السلام التي يقودها سموه غنية عن الذكر، مثل اتفاقية السلام مع إسرائيل التي فتحت الباب أمام دول عربية أخرى لتحقيق الاستقرار في المنطقة، فضلاً عن جهوده في محاولة إنهاء النزاع الهندي الباكستاني، وإنهاء النزاع السوداني، وأيضاً جهوده لإنهاء خلاف بين إثيوبيا وإرتيريا دام 20 عاماً، فضلاً عن رعايته لوثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعت في الإمارات 4 فبراير 2019.

إن هذا الدور الكبير الذي يقوم به محمد بن زايد، ويعرفه العالم كله، قد أكد عليه خلال لقائه الرئيس الروسي حين قال إن "سياسة دولة الإمارات داعمة للسلام والاستقرار على الساحتين الإقليمية والدولية، وداعية إلى ضرورة استمرار المشاورات الجادة لحل الأزمة الأوكرانية، مهما كان مستوى صعوبتها وتعقيدها عبر الحوار والتفاوض والآليات الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية سياسية بما يحقق السلم والأمن العالمي".

إن دور الإمارات في نزع فتيل الأزمة الأوكرانية الروسية ليس بجديد، فقد لعبت دوراً مشهوداً في عملية تبادل الأسرى بين موسكو وكييف، كما سبق وأن مدت جسراً جوياً إغاثياً، للمساهمة في تلبية الاحتياجات الإنسانية للاجئين والنازحين الأوكرانيين في بولندا ومولدوفا وبلغاريا، وها هي الآن تلعب دوراً جديداً لإحلال السلام والاستقرار وتقريب وجهات النظر كجزء من دورها الذي تضطلع به لخفض التصعيد وحل الأزمات ودعم الأمن والتنمية العالمية.