نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد والطفلة شام البكور.
نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد والطفلة شام البكور.
السبت 12 نوفمبر 2022 / 20:06

"تحدي القراءة العربي" جدَّد نبوغ الطفل العربي وعبقريته

الطفل العربي يملك المؤهلات على النبوغ والعبقريَّة، وأعتقد أنّ هذه ميزة خصّ الله بها أمة اقرأ، وإن كتب التراث العربي الأصيل تزخر بالعظماء والعلماء والحكماء الذين أتقنوا القراءة، وتمكنوا من حسن البيان وقوة التأثير

برعاية وتشريف صاحب السموِّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تُوِّجت الطفلة السوريَّة شام البكور بلقب تحدي القراءة العربي بدورته السادسة.. مسابقة شارك فيها ٢٢ مليون طالب من ٤٤ دولة لقراءة ٥٠ كتاباً في كل عام دراسي.

هذا يؤكد أن الطفل العربي يملك المؤهلات على النبوغ والعبقريَّة، وأعتقد أنّ هذه ميزة خصّ الله بها أمة اقرأ، وإن كتب التراث العربي الأصيل تزخر بالعظماء والعلماء والحكماء الذين أتقنوا القراءة، وتمكنوا من حسن البيان وقوة التأثير، لا سيّما عبقريَّة لغتنا العربيَّة وقدرتها على تحفيز القدرات العقليَّة والفكريَّة، بل وتأسيس منهج حياة.

هنا- في الإمارات فقط- لا يتم تشخيص الأمراض والمعوقات في الأمة، بل توهب الحلول الناجعة مع مقوماتها وحوافزها الماديَّة ومكافآتها، وذلك من خلال المساهمة في رفع الوعي العربي، وتعميق الذائقة الإنسانيَّة والوطنيَّة والقوميَّة، محاولةً منها لدفع الأمّة العربيَّة لتكون في مصافِّ الدول المتقدمة.
إن هذه المسابقة هي حتمًا سابقة حضاريَّة وثقافيَّة للنهوض باللُّغة العربيَّة، خاصة في واقعنا المعاصر، ذلك الواقع الذي لم تعد فيه اللّغة العربيَّة هاجسًا للطلبة، أو مادَّة تثير شغفهم أو اهتمامهم، ولطالما كانت محنة طال أمدها، واستعصى علاجها؛ لهذا يعدُّ هذا المشروع القومي العربي مبادرة استشرافيَّة للمستقبل لإنعاش لغتنا العربيَّة.

إننا بحاجة إلى فكر ناضج، ووعي سليم، وتخيُّل رشيد، لتكتمل أهم عناصر ومقوّمات بناء شخصيَّة أطفالنا في ظلِّ عصر الثورة المعلوماتيَّة، ولتهيئة أطفال اليوم ليصبحوا بالمعرفة متوازنين ومعتدلين في أفكارهم وسلوكهم؛ ليصبحوا قادة المستقبل ومفكريه، ولذا فإنه لا بدَّ أن يبدأ شغف القراءة في الإنسان منذ صغره لتصبح أسلوب حياة، يقدّرها ويتذوقها ويستمتع بها، ويعمل على حفظها وتنميتها.

إن القراءة المشبعة بمنزلة تربية أخلاقيَّة ومعرفيَّة وثقافيَّة للطفل تدفعه قدمًا للمضي في فهم متطلبات المستقبل في وطنه ومجتمعه وذاته، وليتطلع نحو طموح القيادة والمشاركة في إعلاء بناء النهضة للأوطان.

وإننا لو عدَّدنا المكاسب الحضاريَّة والتربويَّة والثقافيَّة لمثل هذه المبادرات لوجدنا أنّها أكثر من أن تحصى، ولعلّ هذا المشروع يكسر حاجز النمطيَّة في التعليم، وذلك من خلال التحصيل المعرفي والتراكمي، وتأصيل مبدأ التعلم الذاتي، مما يسهم في إثراء المعجم اللّغوي، وتنمية القدرة التعبيريَّة، ومن ثمّ بناء مهارات التفكير، ومن ثمّ بناء التفكير الناقد الذي يُكمل عمل التفكير الإبداعي.

القراءة النوعيَّة تحرّض الفرد على حبّ الاستطلاع والاستكشاف، وتفجِّر الطاقات الكامنة، من خلال قصص أو بطولات أو مسرحيّات، أو سرد مبسط للتاريخ، أو قصيدة شعريَّة يتمتع بها، وتخلِّد في ذاكرته معاني الخير والحق والجمال، حينئذ تخلق الحس الذوقي للمعاني والجمال والمثُل والقيم العليا، بحيث يتطوّر تعامله الإنساني والاجتماعي بالطريقة المثلى.

ولقد حفل تاريخنا العربي بكثير من هؤلاء الرجال العظماء، تعهَّدهم ذووهم بالرعاية والحزم والتنشئة على الانضباط، فصاروا يتقنون فنون العلوم والمعارف، معتدين بالثقافة الذاتيَّة، وهؤلاء من صنعوا المجد والسؤدد، ونقشوا أسماءهم بحروف من نور في سجل التاريخ.

ولا ينبغي أن ننسى أنّ الله سبحانه وتعالى اختار لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قبيلة (بني سعد)، وهي من بين قبائل العرب ليترعرع في ديارها، وينشأ لسانه على العربيَّة الفصيحة السليمة؛ لعلمه الأزلي سبحانه بقدرة اللغة العربيَّة على أن تصنع النجابة والسؤدد في أهلها. ونتذكر كذلك أن عليّ بن أبي طالب أوّل من أسلم من الصبيان كان ذا حكمة وفصاحة، وكان الشافعي أوّل من حفظ الموطّأ وهو ابن عشر سنين، وعبد الله بن عباس كان حبر الأمة، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يُدنيه منه وهو طفل ويربّت على كتفه، وهو يقول: "اللهمَّ فقّهه في الدين وعلّمه التأويل"، وكان أنموذجًا لبلاغة الطفل العربي الذي يصبح كلامه مطابقًا لما يقتضيه حال الخطاب، مع فصاحة مفرداته، وهو الغلام الذي أتى مع وفود من قبيلته وكان في صدارة المجلس ودخلوا على عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: يا غلام، ليتكلمْ مَنْ هو أَسَن منك! فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه.

كما أن الأدب العربي يحمل دعوات صريحة إلى الاهتمام ببلاغة المنطق والفصاحة منذ الصغر، ويؤكد أن أعمار الرجال لا تُقاس بالسنين، بل بالرأي السديد، والبصيرة النافذة، وأن قوة المنطق هي المقياس على رجاحة العقل وكماله، والتطلع إلى معالي الأمور التي تقود الأمم إلى النصر والتمكين، ومدى تأثير هذه الأفكار الخلاقة في السيرورة الحضاريَّة للأمة، كما ألمح الشافعي في شعره:
وإنَّ كَبِير الْقَــــــــوْمِ لاَ علْمَ عِنْدَهُ صَغيرٌ إذا الْتَفَّتْ عَلَيهِ الْجَحَافِلُ
وإنَّ صَغيرَ القَومِ إنْ كانَ عَالِمًا كَـــــبيرٌ إذَا رُدَّتْ إلـــــيهِ المحَــــــــــــــافِـــلُ