الخميس 17 أبريل 2014 / 16:10

24 يواصل فتح ملف الإخوان وبريطانيا: كيف خان التنظيم ثورة 1952

إعداد: ميسون خالد

أوردنا في الحلقة الأولى من سلسلة "العلاقات السرية بين بريطانيا والإخوان" بدايات التعاون بين المملكة المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين، في مصر تحديداً، في أربعينيات القرن الماضي، حيث قامت بريطانيا بتمويل الجماعة، فيما عقدت اتفاقات مزدوجة مع كل من الحكومة والإخوان، بما يصب في مصلحتها الشخصية، وانتهينا إلى أن بريطانيا بدأت تعتبر الإخوان "خطراً محتملاً" بحلول 1944، حيث شنت الجماعة حملات تدميرية "ضد المستعمر"، أي بريطانيا، الأمر الذي لم يرضَ عنه الملك فاروق، ما جعله يأمر بحل التنظيم عام 1949.

ذكر أحد تقارير السفارة البريطانية في القاهرة، أواخر عام 1951، أن جماعة الإخوان "تمتلك تنظيماً إرهابياً منذ وقت طويل ولم تتمكن الشرطة من تحطيمه أبداً"، إلا أن التقرير قلل أيضاً من أهمية نوايا الإخوان تجاه البريطانيين، ذاكراً أنهم كانوا "يخططون لإرسال إرهابيين إلى داخل منطقة القناة

كان قائد التنظيم، الهضيبي، بموافقته على إجراء محادثات مع بريطانيا، يُضعف يد الحكومة، ما جعل نظام ناصر يشجب تلك الاجتماعات بين البريطانيين وجماعة الإخوان باعتبارها "مفاوضات سرية، من وراء ظهر الثورة"، ووجه الاتهام علناً للمسؤولين البريطانيين بالتآمر مع الإخوان

في أكتوبر(تشرين الأول) 1954، كانت جماعة الإخوان تسعى للترويج لانتفاضة شعبية، وحاول "جهازها السري" أن يغتال عبد الناصر بينما كان يلقي خطبةً في الإسكندرية، ما أسفر عن اعتقال وهرب الكثيرين منهم

نتابع في هذه الحلقة تفاصيل علاقة بريطانيا بتنظيم الإخوان في تلك الفترة:

في خضم عمليته لـ "سحق الإخوان"، قام الملك فاروق بتمشيط اعتقل خلاله أكثر من مائة من أعضاء الجماعة، وفي الشهر التالي اغتيل مؤسس جماعة الإخوان نفسه، حسن البنا.

بريطانيا والقصر
ورغم عدم العثور على القاتل، إلا أن اعتقاداً واسعاً ساد بأن الشرطة السياسية نفذت العملية، إما بتخطيط لها أو بتغاضٍ من القصر، وقد أشار تقريرٌ للمخابرات البريطانية بجلاء إلى أن الحكومة "أوحت بالاغتيال، بموافقة القصر، إذ تقرر أنه ينبغي تصفية حسن البنا من مسرح نشاطاته بهذه الطريقة، فطالما أنه طليق، من المحتمل أن يمثل إحراجاً للحكومة، في حين أنه يكاد يكون من المؤكد أن إلقاء القبض عليه سيُفضي إلى مزيد من المتاعب مع أتباعه، الذين اعتبروه دون شك شهيد قضيتهم". إلا أن بريطانيا لم تغفل في ذلك الحين أن المتورطين في مقتل البنا قد يكونون جماعته أنفسهم.

فبعد أيام من الحادث، التقى السفير البريطاني، السير رونالد كامبل، الملك فاروق، وعقب لقائه ذاك كتب في تقرير: "قلت إنني أعتقد أن الذي قام بالقتل ربما كانوا أتباع حسن البنا المتطرفين بدافع الخوف والشك في أنه كان يفشي أسراراً"، بينما ألقى الملك فاروق، بالتآمر مع دبلوماسيين بريطانيين، اللوم على "السعديين"، وهم مجموعة منشقة عن حزب الوفد سُمّوا تيمناً بزعيم الحزب السابق ورئيس الوزراء سعد زغلول.

انتخبت جماعة الإخوان مرشداً جديداً لها، عقب اغتيال البنا، هو القاضي السابق حسن الهضيبي في أكتوبر(تشرين الأول) 1951، وهو شخصية لم تقترن علناً بالإرهاب، وأبدى معارضةً لأحداث العنف في 1945-1949.

استقطاب الهضيبي والخطاب المزدوج
رغم ذلك، لم يكن الهضيبي قادراً على تأكيد سيطرته على فصائل التنظيم المتنافسة أحياناً، فارتفعت نداءات الجهاد بين أفراد الجماعة مجدداً، داعين إلى القيام بهجمات ضد البريطانيين وممتلكاتهم، مع محاولة "الضغط على الحكومة المصرية لإعلان حالة الحرب مع بريطانيا".

في ذاك الإطار، ذكر أحد تقارير السفارة البريطانية في القاهرة، أواخر عام 1951، أن جماعة الإخوان "تمتلك تنظيماً إرهابياً منذ وقت طويل ولم تتمكن الشرطة من تحطيمه أبداً"، إلا أن التقرير قلل أيضاً من أهمية نوايا الإخوان تجاه البريطانيين، ذاكراً أنهم كانوا "يخططون لإرسال إرهابيين إلى داخل منطقة القناة".

في الوقت نفسه، تُظهر الملفات البريطانية التي رفعت عنها السرية، في ديسمبر(كانون الأول) 1951، أن المسؤولين البريطانيين كانوا يحاولون "ترتيب لقاء مباشر مع الهضيبي"، وقد عُقدت عدة اجتماعات مع أحد مستشاريه ويدعى فرغاني بك.

وتشير الدلائل من الملفات إلى أن قادة الإخوان، رغم نداءاتهم العامة لشن هجمات على البريطانيين، كانوا مستعدين تماماً للاجتماع بهم سراً، وبحلول ذلك الوقت، وبحسب وزارة الخارجية البريطانية، كانت الحكومة المصرية تعرض على الهضيبي رشاوى ضخمة لـ "منع الإخوان من الانخراط في مزيد من العنف ضد النظام".

في يوليو(تموز) 1952، قام "الضباط الأحرار" بالإطاحة بالنظام الملكي المصري وبمستشاريه البريطانيين وبالحرس القديم، وأعلنوا "مجلس قيادة الثورة" برئاسة اللواء محمد نجيب وجمال عبد الناصر نائباً له، إلا أن الصراع بينهما أفضى تدريجياً إلى عزل نجيب في أواخر سنة 1954 وتولي عبد الناصر كامل الصلاحيات، وكان الإخوان المسلمون مسرورين لرؤية نهاية نظام الملك المؤيد للغرب، حيث كانت لهم صلات مباشرة مع الضباط الأحرار.

من وراء ظهر الثورة
في بدايات عام 1953، عقد مسؤولون بريطانيون اجتماعاً مباشراً مع الهضيبي، بدعوى "سبر موقفه من المفاوضات المقبلة بين بريطانيا والحكومة المصرية الجديدة حول جلاء القوات العسكرية البريطانية من مصر".

وحيث أن بعض الملفات البريطانية ما تزال الرقابة مفروضة عليها، فإنه لا يُعرف بدقة ما حدث في تلك الاجتماعات، إلا أن المحلل الغربي الرئيسي لجماعات الإخوان المسلمين المصرية ريتشارد ميتشل، قام بتوثيق ما قالته لاحقاً مختلف الأطراف، بريطانيا والحكومة المصرية وجماعة الإخوان، عن تلك الاجتماعات، حيث يؤكد أن دخول الإخوان المسلمين في تلك المفاوضات كان بطلب من البريطانيين، ونجم عن دخولهم فيها "مصاعب للمفاوضين من طرف الحكومة المصرية، الأمر الذي كان من شأنه إمداد الجانب البريطاني بالتأثير والنفوذ".

وكان الهضيبي بموافقته على إجراء تلك المحادثات يُضعف يد الحكومة، ما جعل نظام عبد الناصر يشجب تلك الاجتماعات بين البريطانيين وجماعة الإخوان باعتبارها "مفاوضات سرية، من وراء ظهر الثورة"، ووجه الاتهام علناً للمسؤولين البريطانيين بالتآمر مع الإخوان.

ومن هذا نخلص إلى أن الاستراتيجية البريطانية اعتمدت منطقها الممنهج الدائم عبر تطبيق سياسة "فرق تسد"، بهدف التأثير على نظام الحكم الجديد في مصر بما يخدم مصالحها، إذ أن رعايتها لجماعة الإخوان تعزز من مكانة هذه الأخيرة على حساب النظام الحاكم الجديد، الذي لم يكن موالياً لبريطانيا.

البحث عن صديق
إكمالاً لسياستها "المزدوجة" التي اتبعتها سابقاً في مصر، تشير المذكرات الداخلية البريطانية إلى قيام مسؤولين بريطانيين بإعلام عبد الناصر ببعض اجتماعاتهم مع الهضيبي وأعضاء آخرين من الإخوان، ليطمئنوه بأن لندن لم "تقم بفعل شيء سري".

إلا أن حقيقة انعقاد تلك اللقاءات، بحد ذاتها، غرست الشك في ذهن عبد الناصر بخصوص الثقة بجماعة الإخوان، بينما اعتقد المسؤولون البريطانيون هذه المرة بأن الجماعة، وفصائلها شبه العسكرية، كانت "تحت تصرف السلطات العسكرية".

وتشتمل الملفات البريطانية كذلك على مذكرة لقاء بين مسؤولين بريطانيين وآخرين من جماعة الإخوان في 7 فبراير(شباط)1953، ذُكِر فيها أن شخصاً اسمه أبو رقيق، أو أبو رقيقة، أخبر المستشار الشرقي في السفارة البريطانية، تريفور إيفانز، بأنه "لو بحثت مصر في العالم عن صديق فلن تجد سوى بريطانيا".

وتُرجِم هذا التعليق، من قِبَل السفارة البريطانية في القاهرة، باعتباره يُظهر "وجود مجموعة داخل قادة الإخوان كانت على استعداد للتعاون مع بريطانيا" تحديداً، حيث لم يكن الإخوان يثقون في الولايات المتحدة الأمريكية، وتشير الملفات أيضاً إلى أن الاستعداد للتعاون "ربما ينبع من تأثير الطبقة الوسطى المتزايد في جماعة الإخوان بالمقارنة مع الصفة الشعبية الغالبة على قيادة الحركة في أيام حسن البنا".

ستزداد رغبة الإنجليز وجماعة الإخوان بالتعاون معاً باقتراب نهاية عام 1953، وهو الوقت الذي كان فيه نظام عبد الناصر يوجه الاتهام إلى جماعة الإخوان بأنهم "يقاومون الإصلاح الزراعي، ويقومون بأعمال تخريبية ضد الجيش من خلال جهازهم السري".

جهاز ومعاهدة سريان
اشتبك أنصار الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، في جامعة القاهرة، في يناير(كانون الثاني) 1954، وقد أصيب عشرات من الأشخاص وأحرقت سيارة تابعة للجيش، ما دفع عبد الناصر إلى حل التنظيم، وكان من ضمن قائمة طويلة من الاتهامات الموجهة ضد الإخوان في المرسوم "اللقاءات التي عقدتها الجماعة مع البريطانيين، والتي صعَّدها النظام لاحقاً لتصل إلى "معاهدة سرية".

في أكتوبر(تشرين الأول) من العام نفسه، كانت جماعة الإخوان تسعى للترويج لانتفاضة شعبية، وحاول "جهازها السري" أن يغتال عبد الناصر بينما كان يلقي خطبةً في الإسكندرية، ما أسفر عن اعتقال وهرب الكثيرين منهم.

وفي ديسمبر(كانون الأول) أعدم ستة من أعضاء الجماعة، ما أدى إلى "سحق التنظيم بشكل فعال"، وكان من بين الذين اعتُقِلوا عضو مجلس الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين سيد قطب، الذي كان قد حُكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 25 سنة، والذي سيصبح في عقد الستينيات واحداً من المنظرين الرئيسيين للإسلام المتطرف والعنفي، حيث كان يكتب من سجون عبد الناصر.

إلى هنا تنتهي الحلقة الثانية من "ملف العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان"، ونتابع تفاصيل علاقة جماعة الإخوان بالمملكة المتحدة، بدءاً من ستينيات القرن الماضي، في الحلقة القادمة.

اقرأ أيضاً:
24 يفتح ملف العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان (الحلقة 1)