متظاهرون إخوان في القاهرة أُثناء الخريف العربي (أرشيف)
متظاهرون إخوان في القاهرة أُثناء الخريف العربي (أرشيف)
الإثنين 28 نوفمبر 2022 / 10:21

الدولة الفقيرة ولت بلا رجعة!

محمد الساعد - عكاظ

في نهاية ديسمبر(كانون الأول) 2010 فوجئ الشارع العربي بتدفق مئات الآلاف من المحتجين في المدن والنواحي والميادين التونسية، تلك العدوى انتقلت كما هو معروف إلى ليبيا، ومصر، واليمن، وسوريا، اكتشفت الحكومات العربية أنها تعرضت لخديعة كبرى، هي مزيج من الاستسلام للواقع الاقتصادي، والوثوق بالتنظيمات الإسلاموية، الإخوان المسلمين تحديداً، الذين أقنعوا بعض الحكومات بأن لكم الحكم ولنا الشارع، مصر مثالاً، وهو أمر خدر الحكومات لعقود، إلا أن التنظيمات عملت على خطة محكمة، قوامها صناعة كوابيس الإحباط والكراهية وتنظيم حملات المعارضة والحقد على الحكومات وتحميلها مسؤولية الحياة البائسة التي يعيشونها.

لم تكن تعي الشعوب العربية أن أول من أعاق التنمية في بلادهم لأسباب بعيدة المدى هم الإخوان المسلمون، والكويت ومصر مثال حي، فالإخوان يتبنون معادلة واحدة لا ثاني لها، تقول: "نحن من نحكم أو سنعطل أي تنمية لتظهر الحكومات فاشلة في أعين شعوبها".

لعل أهم درس خرجت به بعض الحكومات العربية من عاصفة "الخريف العربي" هو عدم الاستسلام للترهيب الذي قادته التنظيمات السرية باسم الشارع المختطف لصالحها، ثم استعادة الشارع ومخاطبته مباشرة، وتلبية متطلباته التنموية والحياتية، بل والمبادرة بسحبه من رصيف الموت إلى الضفة الأخرى من جودة الحياة.

إضافة إلى التحول من اقتصاد الدولة الريعية، إلى اقتصاد تقوده الدولة وتتحكم به من أجل إنتاج المال القادر على تلبية حاجات الشعوب.

لقد أضحى التحرر من مأزق "الدولة الفقيرة"، هو شعار المرحلة العربية بعد عقود من الاستسلام لنصيحة، خلوا الناس على راحتها، بالطبع الفقر والغنى هنا نسبيان، لكن المقصود هو الشكل العام لاقتصاد تتحول فيه الدول من التحفظ في فرض الرسوم، والضرائب إلى تنويع مصادر دخلها، والتوسع أفقياً ورأسياً في تحصيل الأموال بغرض إعادة ضخها في مفاصل ومشاريع تنموية كبرى تعود بالنفع على الاقتصاد العام.

مهما كان دخل الدول خاصة المعتمدة على مورد واحد، فإنه في نهاية الأمر سيتلاشى بلا فائدة، ما لم توظف الأموال جيداً ويعاد تدويرها لصالح الخزينة العامة، والخليج العربي ومصر خير برهان.

لقد وجدت تلك الدول مع طوفان الخريف العربي والزلازل المصاحبة واللاحقة، نفسها في مأزق كبير، فمعظم التململ والاحتجاجات كانت لسببين لا ثالث لهما.

أولاً: قصر يد الدولة مالياً، فهي لا تستطيع تلبية مطالب التنمية الملحة مع إدارة قديمة متخلفة تقنياً، واقتصادات مترهلة هشة غير مستعدة لتوليد المال.

ثانياً: اعتماد الدول على خطاب الشريك الإخواني، الذي اختطف الحياة وعبأ الشعوب ضد السياحة والثقافة والأدب والرياضة والبناء والتعلم والتطور، معتبراً أنها من الملهيات والمهددة للتدين، بينما كان الإسلام الحقيقي والمغيب عن الجميع يدعو للعمل، والتطور، والبناء، والحياة.

ثالثاً: عجز الدول عن تحويل حياة مواطنيها إلى حياة جاذبة لا مجدبة، فالملايين كانوا يتوقون لحياة ذات جودة عالية، لا مجرد مدن بائسة وأحياء مكدسة بالبشر يقضون فيها بقية أيام حياتهم.
الدول العربية اكتشفت متأخراً أن القصة هي في فقرها رغم مواردها، الأمر دفعها لتأخير الاستحقاقات الاقتصادية وتأجيل دفع فواتيرها، لذلك كان لا بد من خلق اقتصاد جديد يبحث في تفاصيل البلاد عن أي فرصة تُدر الأموال لخزينة الدولة، معادلة تقلب الطاولة لتصبح الدولة هي الغنية والقادرة على تنفيذ خططها ومشاريعها وأحلامها وبناء مستقبل أجيالها، وأن يتحول الشعب إلى عاملين حقيقيين لا عالة على الدولة.

هكذا استطاعت السعودية، ومصر، والمغرب، والإمارات، وعُمان، والأردن تحويل فخ "الربيع العربي" إلى فرصة لإعادة مسار اقتصاداتها وإعادة هيكلة مجتمعاتها بما ينعكس على مستقبلها وتحقيق الأمن المجتمعي الاقتصادي المستدام، هذا أمر تطلب إعادة ترتيب الأولويات المالية، لتصبح الضرائب والرسوم وبناء محركات توليد الأموال هي الأساس، ويصبح المواطن شريكاً في العمل وفي دفع جزء من تكاليف حياته، تجربة جديدة على المواطن العربي، نعم، لكنها واقع لا مجال للفرار منه، فأعداد السكان تتزايد، وحاجاتهم التنموية من تعليم وصحة وسكن وفرص وظيفية تتعاظم، والاستسلام لمورد واحد، النفط، قناة السويس، السياحة، إلخ، يعني بلا شك سقوط الدول في خريف جديد ربما يكون أكثر دموية وفاتورة هيمنة دولية.