عرض عسكري صيني (أرشيف)
عرض عسكري صيني (أرشيف)
الإثنين 28 نوفمبر 2022 / 13:20

باحث أمريكي يروي: هكذا تتجسس الصين

24- طارق العليان

قال الباحث أنطوني دابليو هولمز، إنه تلقى العام الماضي طلباً على موقع لينكد إن من رجل يدعى د. لي. وكان ذلك بعد أن ترك هولمز منصبه مستشاراً خاصاً بكوريا الشمالية، وكبيرَ مُستشاري السياسة الكورية في مكتب وزير الدفاع الأمريكي، ولم يكن كاتبَ عمود ومُشاركاً في مؤسسة بحثية هي مؤسسة Project 2049 Institute.

قال هولمز في موقع "1945": "عرضَ علي د. لي عمولةً أكبر من المعتاد لأكتب في دوريته الأكاديمية الناشئة التي تتناول الدراسات الآسيوية، عن الآراء الأمريكية في الصراع المحتمل بشبه الجزيرة الكورية. لم أسمع من قبل قط عن تلك الدورية. وبصفتي خبيراً في شؤون آسيا، وضابط مخابرات سابقاً مصاباً بهوس الاضطهاد على مدار عقد كامل، أشعرني هذا الطلب بالريبة. فتواصلت مع كثير من أصدقائي في مجال عملي. لم يسمع بها أي منهم أيضاً. ولم يبد الموقع الإلكتروني المزعوم لتلك "الدورية الناشئة" أنه خضع للتحديث منذ أمد بعيد".

وأضاف "أكدَ لي أنه في حاجة إلى المقال بأسرع ما يمكن". فأجابه هولمز بأنه سيفعل لكنه لم يستطع أن يوافق على جدوله الزمني بسبب التزاماته مسؤولاً أمنياً سابق.اً

وبعد ذلك، "طلب أن يكتب "مقالاً مجهول الكاتب" أو أن يجري مقابلة عبر الهاتف مع شريكه الذي سيكتب المقال نيابةً عني. فرفضت طبعاً".

ويقول الباحث: "أتلقى طلبات أسبوعية، مثل غيري من خبراء الأمن القومي الآخرين على موقع لينكد إن، من مستشارين مُستقلين معروفين يطلبون الكتابة عن هذا الموضوع أو ذاك. وأحياناً تأتيني طلبات من شركة مجهولة تُقدِّر خصوصيتي. وفي فترة أحدث، عُرِضَت عليّ عمولة لقاء تقييم خاص لصراع محتمل بين الصين وتايوان".

التجسس الصينيّ: الطرائق والأهداف
ويشير الباحث إلى أنه قرأ كتاب "التجسس الصيني: العمليات والتكتيكات" لنيكولاس افتيمياديس. وفيه يُقدِّم المؤلف للعالم الحر خدمة جليلة إذ يُنقب بلا كلل في المعلومات المتاحة عن النحو الذي تدير به الصين جهاز مخابراتها الخارجي. ووضع دراسةً يفترض في كل رجل أعمال في الولايات المتحدة وعضو من أعضاء الكونغرس أن يطالعها. وهي تتألف من 56 صفحة، لكنها وافية. ويحاول فيها افتيمياديس أن يدق ناقوس الخطر، لا أن يفوز بجائزة بوكر.

بعد أن حلَّلَ افتيمياديس 595 حالة على مدار 10 أعوام، واستغل بيانات مُتفرقة تضم ملفات من وزارة العدل الأمريكية، ومُلخصات مراقبة الأصول وطلبات التصديروالاستيراد، ومعلومات الحكومات الأجنبية، قدمَ سرداً عن مدى انتشار جهاز مخابرات الصين، وأهدافه العالمية، وكيف استقطب الصناعات الخاصة لتعزيز أجندته.

وتابع الباحث "علينا أن نتوقع بشكل بديهي أن تتورط منظمات معروفة مثل وزارة أمن الدولة في جمهورية الصين الشعبية، ومكتب الاستخبارات المشتركة للجنة العسكرية المركزية، وإدارة عمل الجبهة المتحدة في أعمال التجسس. لكن افتيمياديس يشاركنا المزيد من الاكتشافات المثيرة للقلق".

وعلى سبيل المثال، يُقدِّم الكاتب حجة قوية مفادها أن الصناعات الخاصة في الصين في ظاهرها يمكن أن تُكلِّف جهاز استخبارات الصين بجمع أسرار تجارية لزيادة أرباح الشركة والارتقاء بالاقتصاد الصيني. ويستطيع المرء أن يعرف السبب، لأن أي معلومات على قدرٍ من الحساسية أو الخصوصية تجمعها الدولة ستُتاح أيضاً للصناعات الأخرى.

وتبعات ذلك جسيمة. فالولايات المتحدة وغيرها من الدول المُتقدمة لا تحمي شبكاتها، ولا تُتيح أصولها الاستخباراتيّة للشركات الخاصة.

تجعل الحكومة الأمريكية الضمانات المحددة لأمن الشبكات شرطاً للعمل على أي مشروع حساس، لكنها لا تلعب دور الشريك العملياتي في أرباح تلك الشركات.

أما في الصين، فتُتاح الصلاحيات السرية للدولة للشركات لاستغلالها ضد الشركات الخاصة والأفراد.

وأثبت افتيمياديس في بحثه أن هناك توزيعاً يكاد يكون متساوياً لحالات التجسس المُحدَّدَة بين "التكتلات الأربع" للتجسس الصيني،  وهي وزارة أمن الدولة الصينية 16%، والشركات المملوكة للدولة 20%، وجيش التحرير الصيني 19%، والشركات الخاصة 23%.

وفي مواضيع التجسس، وجدَ الكاتب أن التقنية ذات الاستخدامات المزدوجة والتقنية العسكرية تشكلان 40%، والبقية لسرقة حقوق الملكية الفكرية.

ويتعمق الكاتب أكثر ويقول "لا غرو أن جهاز الاستخبارات الصيني يستميل الشتات الصيني حول العالم، إذ يستغل النزعة القومية والجشع ليحقق أهدافه". ويثبت الكاتب أيضاً أن الصين تستغل مُرتزقة في إنجاز أعمالها الاستخباراتية. وإذا صحّ ذلك، فستكون هذه النزعة بمنزلة الاستعانة بمصادر خارجية في الاستخبارات.

جواسيس صينيون 
ومضى الباحث يقول: "تدلل المقدمة الموجزة التي استهللت بها هذا المقال صِداماتي مع الأنشطة المثيرة للريبة" وفي الحالات التي درسها الكاتب، كثيراً ما انتحل العملاء الصينيون صفة أكاديميين وصحافيين. وبناءً على الدراسات، استغل الجهاز موقع لينكد إن بوصفه أداةً مفضلة للتجسس. 

وخلص الكاتب إلى أن للدراسة حدوداً فالاستخبارات بطبيعتها مسعى فردي. ولذلك، فإن الدليل الوحيد المتاح للمؤلف ينطوي على الحالات التي قبض غيها على الجُناة الذين يرجح أنهم استخدموا قدرات استخباراتية رديئة. ويمكن أن يشوه هذا التوجه الأدلة، ويوحي بأن جهاز الاستخبارات الصيني أقل قدرةً وفعاليةً مما هو عليه في الواقع.