الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بين رئيس لاتفيا إيغيلز ليفيتس و ورئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي (أف ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بين رئيس لاتفيا إيغيلز ليفيتس و ورئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي (أف ب)
الإثنين 28 نوفمبر 2022 / 14:21

غزو أوكرانيا ينقل مركز ثقل أوروبا من الغرب... إلى الشرق

أتاح الغزو الروسي لأوكرانيا تصدر دول شرق ووسط أوروبا الواجهة السياسية للقارة العجوز.

إن تشيكيا أكثر ثراء اليوم من إسبانيا على مستوى الفرد، وقد تتخطى بولندا المملكة المتحدة بحلول 2030.

وفي هذا الإطار كتب جيريمي كليف في "نيو ستيتسمان" البريطانية أن العيش في دول أوروبا الشرقية والوسطى في العقود التي تلت انهيار الستار الحديدي، كان يعني التهميش.

ظل قلب القارة التي اتحد كارولينجياً، نسبة للإمبراطورية الكارولينجية في القرن التاسع، ألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، ولوكسمبورغ، ونواة مؤسساتها السياسية والعسكرية الرائدة ومعقلها الاقتصادي.

ازدراء
ونظر كثيرون في قلب القارة إلى الذين كانوا خارجه نظرة دونية، وفي 2003، وقبل أشهر من استقبال الاتحاد الأوروبي 8 دول سابقة من الكتلة الاشتراكية، انتقد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك تلك الدول بسبب تأييدها الحرب على العراق، قائلاً إنها "فوتت فرصة جيدة للصمت".

وبمجرد أن أصبحت داخل الاتحاد الأوروبي، وجدت هذه الدول نفسها في خلفية أحداث كبرى، انتشرت أزمة منطقة اليورو بشكل كبير في الجنوب، وفي أزمة الهجرة تجاهلتها أوروبا باعتبارها من المتعنتين الاستبداديين، وقادت فرنسا وألمانيا الرد الأوروبي على الهجوم الروسي ضد أوكرانيا في 2014، وعلى تفشي جائحة كورونا.

لم يشغل أحد ولد شرق نهر إلبي منصب أمين عام حلف شمال الأطلسي أو رئيس المفوضية الأوروبية.

في وقت سابق من هذه السنة، وحين لاح في الأفق غزو روسي واسع، لم تر القوى الكبرى في ناتو والاتحاد الأوروبي، كييف قادرة على مقاومة مطولة، وتوقعت أن تتعامل في وقت قريب جداً مع رئيس روسي منتصر.

ومع ذلك، أجبرت الحرب كثيرين على مراجعة تقديراتهم لأوكرانيا. أكثر من ذلك، نقلت كامل مركز الثقل الأوروبي نحو الشرق.

العاصمة الروحية

لا تستطيع أي مدينة اليوم ادعاء أنها العاصمة الروحية للمثل الأوروبية بشكل أفضل من كييف.

كان الهجوم الروسي الأول على أوكرانيا في 2014 رداً على حركة ميدان الموالية للاتحاد الأوروبي. وأن تصد أوكرانيا الآن غزو بوتين لتحافظ، في جانب من الجوانب، على حرية اختيار المسار الأوروبي، هو بالتأكيد أكبر تصويت بالثقة في تاريخ المشروع، وسبب لمنح الاتحاد الأوروبي أوكرانيا صفة المرشح الرسمي للانضمام إلى صفوفه في يونيو (حزيران) الماضي.

ومع كل انتصار جديد كسبت كييف المزيد من النفوذ على كل المستويات، بدءاً من زيارات الزعماء الأجانب، وصولاً إلى الدعم المالي والعسكري.

فرنسا وألمانيا تعترفان
لفت الكاتب إلى تقرير تارا فارما من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية التي ذكرت أن المواضيع التي لم تكن على رأس جدول الأعمال الفرنسي، تحتل الآن مكانة رفيعة، مثل غرب البلقان، والقوقاز، وكيفية دعم فرنسا لمولدافيا.

كان ذلك جلياً في الشهر الماضي في براغ حين عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جانب الحكومة التشيكية أول قمة للمجموعة السياسية الأوروبية التي تشكل منتدى جديداً للنقاش السياسي والاستراتيجي الذي يشمل الاتحاد الأوروبي إضافة إلى القوقاز، والبلقان، وأوكرانيا.

ومن المقرر أن تنعقد القمة الثانية للمجموعة السياسية الأوروبية في مولدافيا الربيع المقبل.

وفي كلمة ألقاها في سبتمبر (أيلول) الماضي، اعترف المستشار الألماني أولاف شولتس بأن "مركز أوروبا يتحرك شرقاً".

وتوقع أن يتوسع الاتحاد الأوروبي مستقبلاً من 27 إلى 30 أو 36 عضواً كما ناقش الإصلاحات الضرورية لإنجاح اتحاد مماثل بإنهاء شرط الإجماع على القرارت في الضرائب أو السياسة الخارجية.

صوب الشرق... والشمال
أضاف كليف أنه للمرة الأولى منذ 1989، لا تجد الدول الشرقية والوسطى في الاتحاد الأوروبي وناتو نفسها في قلب أزمة كبيرة وحسب بل وأيضاً في موقع قيادة القارة.

لقد استقبلت الجزء الأكبر من نحو 8 ملايين لاجئ أوكراني هربوا من الحرب وناصرت إرسال مساعدات إلى كييف، وتحركت بنجاح لاتخاذ بروكسل إجراءات أكثر جرأة في الدفاع الأوروبي وأمن الطاقة.

يقول ميلان نيتش من المجلس الألماني للعلاقات الخارجية إن دول البلطيق تمارس دوراً أكبر من وزنها، والتشيكيين يتمتعون برئاسة جيدة، والرومانيين كانوا أقوياء في المسائل الدفاعية.

ولرئيسة وزراء إستونيا كاجا كلاس ورئيسة وزراء فنلندا سانا مارين تأثير كبير حيث تصور الحالة الأخيرة كيف يتحرك مركز أوروبا لا صوب الشرق وحسب بل أيضاً نحو الشمال إلى حد ما.

بولندا... مزايا وتحديات

يرى كليف أن بولندا تشكل أهم مثل حالياً وتبرز مثل حصن أساسي لجناح أوروبا الشرقي. يحول ناتو موارد جديدة إليها، وتبني الولايات المتحدة قاعدة جديدة فيها.

وتستثمر وارسو في جيشها لتجعله الأكبر في الاتحاد الأوروبي بـ300 ألف جندي. أن يكون لديها الموارد لتحقيق ذلك يشير إلى تطور آخر يغير ميزان القوة في أوروبا، يقترب حجم اقتصادات الدول الجديدة من اقتصادات الدول القديمة.

إن تشيكيا أكثر ثراء اليوم من إسبانيا على مستوى الفرد، وقد تتخطى بولندا المملكة المتحدة بحلول 2030.

 تزيد بولندا ازدهاراً وتمثل قوة أوروبية عظمى ناشئة، لكنها مثل مجر فيكتور أوربان، على خلاف سياسي مع بروكسل بطريقة تحد من نفوذها. لقد منعت انتهاكات الحكومة الشعبوية لحكم القانون تشكل محور باريس-برلين-وارسو الذي يجب أن يدير أوروبا.

لكن ذلك قد يكون على وشك التغير. إن المعارضة البولندية الأكثر ليبيرالية ستكون قادرة على المنافسة في الانتخابات التشريعية السنة المقبلة.

وأشار كليف إلى أن نتيجة تلك الانتخابات ستكون محورية لمستقبل كامل أوروبا، بشرقها وغربها معاً.