دخان قصف على القرم.(أرشيف)
دخان قصف على القرم.(أرشيف)
الخميس 1 ديسمبر 2022 / 12:20

إيكونوميست: استعادة القرم ستكون دامية وصعبة

24-زياد الأشقر

عندما أطلق غزوه لأوكرانيا في فبراير (شباط) الماضي، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يأمل في السيطرة على البلاد خلال عشرة أيام. ولكن بعد مضي تسعة أشهر، فإنه يواجه مشاكل خطيرة في الحفاظ على جزء بسيط من الأراضي التي أتيح له الاستيلاء عليها.

عمليتا خاركيف وخيرسون نفذتا بتعاون شبكة محلية من المخبرين. لكن العكس سيحصل في المناطق التي سيطرت عليها روسيا عام 2014، حيث أن الموالين لأوكرانيا قد فروا منذ زمن من المنطقتين

والزخم الآن في الجانب الأوكراني عقب هجومين معاكسين، حول خاركيف في الشمال الشرقي، وفي خيرسون بالجنوب، وأنجز ذلك بأقل الخسائر الممكنة وأقصى نصر.

لكن مجلة "إيكونوميست" تقول إن هذين الانتصارين يثيران مسألة معاناة الروس إذلالاً أكبر في حال المضي في الهجمات المعاكسة إلى الدونباس والقرم، اللتين سيطر عليهما بوتين عام 2014. وفي مقابلة نشرت في 24 نوفمبر (تشرين الثاني)، كرر زيلينسكي هدفه باسترجاع "كل الأراضي" الأوكرانية. وهذه المقاربة تتناغم مع الرأي العام الأوكراني، لكن ليس بالضرورة مع الداعمين الغربيين. إذ أن هؤلاء يخشون أن عملية استعادة القرم أو الدونباس (وربما الأخيرة هي اقتراح أكثر سهولة)، قد تدفع نحو تصعيد روسي، وربما تخطي العتبة النووية.


ويبدي القادة الأوكرانيون حذراً حيال خطواتهم المقبلة. وقال ميخائيلو زابرودسكي القائد السابق لسلاح الجو الأوكراني القريب من عملية التخطيط: "إذا كشفنا عن خططنا إلى وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون، فإننا لن نحقق شيئاً". ويصر اللفتنانت جنرال على أن عملية استعادة القرم ليست أمراً ممكناً فحسب، وإنما يجري التحضير لتنفيذها في 2023. لكن متى تبدأ العملية تحديداً، فذلك سؤال آخر، إذ إن هناك معارك كثيرة يتعين كسبها أولاً. لكن التاريخ يثبت، كما يقول، إن القوى المحتلة وجدت "دائماً صعوبات في الصمود بالقرم".

وتفيد مصادر في القوات المسلحة الأوكرانية أن "لا شيء" مستبعداً عن الطاولة، بما في ذلك شن عمليات لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا قبل 24 فبراير (شباط). إن الطرق التي تؤدي إلى القرم هي الآن في مرمى القوة النارية الأوكرانية، وبينها نظام هيمارس الصاروخي الذي عطل على نحو دراماتيكي العمليات اللوجستية الروسية منذ بدأت القوات الأوكرانية في استخدام هذا النوع من السلاح. وقد أعلنت السلطات الروسية في القرم الاستعداد لهجوم بري، فأمرت ببناء التحصينات والخنادق، وفرضت حال طوارئ في أجزاء من شبه الجزيرة.

لكن من المحتمل أن تركز أوكرانيا قوتها النارية في أماكن أخرى أولاً. ويبقى من الأولويات قطع الجسر البري لبوتين، الذي يضم الأراضي المحتلة التي تربط البر الروسي بالقرم. ويدرك المخططون العسكريون الروس ذلك، وعمدوا إلى إقامة خطوط دفاعية على هذا الأساس. وقال مصدر في الاستخبارات العسكرية إنه واثق من امتلاك أوكرانيا تفوقاً في الأفضليات الهيكلية، ولا سيما قدرتها على شن عمليات خاطفة وتعطيل خطوط الإمداد الروسية. وأضاف: "لقد أثبتنا في كل مرحلة أن تكتيكاتنا وتركيزنا على العمليات اللوجستية صحيحة. وسنظهرها مجدداً".

آلاف القتلى
ورأت المجلة البريطانية أن المعارك الكثيرة التي نشبت في القرم على مدى عقود توفر للمخططين الأوكرانيين الكثير من الرؤى. ولا يعتبر الضم السريع الذي نفذه الروس عام 2014 وانتهى بمقتل جنديين أوكرانيين فقط مثالاً نموذجياً. وكانت العمليات العسكرية عادة في القرم تسفر عن آلاف القتلى، وفي القرن الماضي، قتل مئات الآلاف على أبواب المنطقة، وخصوصاً في الحرب الأهلية الروسية والحرب العالمية الثانية، ناهيك عن الخسائر الفادحة في حرب القرم في خمسينيات القرن التاسع عشر. ويستلزم الوصول إلى شبه الجزيرة عادة، اجتياز أراضٍ ضيقة ومفتوحة ومستنقعات.

ويقول خبراء عسكريون على دراية بالقرم، إن الوضع الجغرافي يجب أن يجعل الأوكرانيين يمعنون التفكير. ويرى الأدميرال مايكولا جيبرايف، الذي أثار عام 1992 انشقاقاً في أسطول البحر الأسود الروسي عندما أعلن أن فرقاطته أوكرانية، إن الديبلوماسية هي الطريق الأفضل لاستعادة القرم. ويرى الكابتن البحري المتقاعد أندريه ريجينكو الذي ولد في القرم، أن عملية ناجحة ستطلب الكثير من الأشياء كي تجري على نحو صحيح. وأضاف: "ثمة احتمال حقيقي بأن تنتهي الأمور إلى حمام دم. وهذه معركة ليست أوكرانيا في حاجة إليها". لكن اللفتنانت جنرال زابرودسكي يقول إن المخططين لدى الجيش الأوكراني قد ابتكروا تكتيكات يمكن أن تنجح.

ويمتنع الداعمون الغربيون عن التعليق على الطموحات العسكرية الأوكرانية علناً. وقال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي في 16 نوفمبر، إن نصراً أوكرانياً في القرم ليس من المحتمل أن يحدث "في وقت قريب". ويدرك المخططون العسكريون الأوكرانيون أن أمريكا والأسلحة التي ستزود بها كييف، ستلعب الدور الأساسي في ما يمكن أن يحدث لاحقاً. ويقر المسؤولون السياسيون في كييف سراً بأن استعادة الدونباس والقرم هي عملية أكثر تعقيداً مما يظهر في الشعارات العلنية. وهم يدركون أن جزءاً كبيراً من السكان في المنطقتين هو معادٍ لكييف. وعلى سبيل المثل فإن عمليتي خاركيف وخيرسون نفذتا بتعاون شبكة محلية من المخبرين. لكن العكس سيحصل في المناطق التي سيطرت عليها روسيا عام 2014، حيث أن الموالين لأوكرانيا قد فروا منذ زمن من المنطقتين. وستواجه عملية لإستعادة القرم مقاومة من المؤيدين لروسيا. وليس من المعروف ما إذا كانت كييف ستعتمد على جزء من السكان أكثر تعاطفاً معها مثل أقلية التتار، التي لم تقبل بالاحتلال الروسي إلا من قبيل الأمر الواقع.