نساء أفغانيات يجهزن الخبز في قندهار.(أف ب)
نساء أفغانيات يجهزن الخبز في قندهار.(أف ب)
الأحد 8 يناير 2023 / 19:31

المرأة بين تعاليم الدين الحقيقية والتزمت والرجعية

نظرة ثاقبة تؤكد أن هذا العصر ما يزال يشهد وأدًا أشدَّ شراسةً للمرأة، ألَّا وهو وأد عقلها وفكرها، فصور التمييز التي تتعرض لها المرأة في هذا القرن من الإسلاميين المتشددين هي أكثر ضراوةً

قال الله تعالى: "ولهُنَّ مثلُ الّذي عليهنَّ بِالمَعروفِ"، فهل يمكن لأحد بعد هذه الآية الكريمة أن يُنكر أن الإسلام أكرم المرأة، وأعلى من مكانتها، وجعلها شقيقة الرجل؛ لها ما له وعليها ما عليه، كلٌّ بحسب فطرة الله التي فطرَ الناس عليها، والإنسان سواء كان ذكرًا أو أنثى به ميل فطري وشوق غريزي إلى هدف يرتبط به أو غاية يصدقها أو إيمان يعتنقه أو عمل يرغب فيه.

وما كان أشد توفيق السفيرة لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية للشؤون السياسية، المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، حين عبّرت عن إدانة دولة الإمارات بشدة قرار "طالبان" حظرالتعليم الجامعي للنساء والفتيات في عموم أفغانستان، وما سبقه من حظر التعليم الثانوي للفتيات، وعمل النساء في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، وقد جاءت هذه الإدانة وهذا التنديد انطلاقًا من احترام حقوق المرأة وإكرامها كإنسانة، ومن وازع الرغبة الصادقة في الإسهام مع المرأة ونضالها التاريخي في مقاومة الأفكار البالية، والموروثات السلبيَّة والعادات والتقاليد والنظم الاجتماعيَّة التي قلَّلت من شأنها، وهمَّشت دورها، وأخضعتها للتمييز في إطار ثقافة غير عادلة، اعتمدت في قرارتها على الازدواجيَّة والانتقائيَّة في تطبيق القيم الإنسانيَّة الكبرى- المساواة والعدل والتسامح-؛ لأننا بهذه الرؤية نستطيع الانسجام من داخل الاختلاف، واحترام التنوع، والاعتراف بحريات الآخرين.

لكن للأسف الشديد فإنه ما تزال عقيدة الرادع الاجتماعي الذي غالبًا ما يعلو على عقيدة الرادع الدينى والذى أضاف حملًا ثقيلًا للواقع النسائي في المجتمعات المسلمة؛ فعلى الرغم من تأكيد ديننا الحنيف على الحق في التعليم وضرورته للمرأة على نحو لا لبس فيه، إلا أن حصول المرأة المسلمة على التعليم وأهدافه لا يزال متعسرًا للغاية، بل نراه في بعض المجتمعات حلمًا بعيد المنال.

يمثِّل التعليم أهمية بالغة بالنسبة للمرأة؛ من أجل الرقي بها، والأخذ بيدها نحو مستقبل أفضل في ظل تعاليم ديننا الإسلامي السمحة، بعيدًا عن الغلو والتطرُّف والانغلاق.

وقد كان مجتمع الجاهلية الذي واجهه الإسلام عند بزوغه من أسوأ المجتمعات عنفًا ضدَّ المرأة، وأكثرها كراهيةً لها، حيث كان يمارس معها كلَّ أنواع القهر والعبودية، فكانوا يدفنون البنات وهنَّ أحياء، أما الآن فهىم يدفنون عقلها وفكرها عنوةً وباسم الإسلام، وهذا من أبشع صور التمييز وعدم المساواة، إذ إن الله- سبحانه وتعالى- ساوى بين الجنسين بالإنسانية والخلق والجزاء.

كما أن تكريم الإنسان هو محور جوهر الإسلام ورسالته السامية، فلا يصحُّ أن نضحِّي بهذه القيمة العليا خشية علماء الغلو الذين حاولوا بتعمُّد حجب الحقائق، وتضييق حجم التسامح، والأخذ بالرأي الديني الأكثر تشدُّدًا وقسوة، بما يتعارض مع الفطرة السليمة أو الحس الإنساني؛ فكم عانت الإنسانيَّة وهي في قمة تقدمها الحضاري من قبح التطرُّف، وتنظيماته السريَّة.

وما زالت الحاجة ملحة إلى التربية على الموروث الديني الغني بإنسانيته، والمعتدل بقيمه، وإلى وطن يحسن العمل على تعزيز خطط واعدة تتلاءم مع متغيِّرات الحياة، وتأبى المرأة فيه أن تُذلَّ أو تُهان أو توصم بالجهل والجمود.

ويأتي الحق في التعلُّم والمعرفة أهم حقوق المرأة، وهو كحقها في الحياة تمامًا؛ فهما سيَّان لا يختلفان، فمن حقها أن تكون إنسانة لها كرامة ولها عقل واعٍ وفكر مستنير.

لكن نظرة ثاقبة تؤكد أن هذا العصر ما يزال يشهد وأدًا أشدَّ شراسةً للمرأة، ألَّا وهو وأد عقلها وفكرها، فصور التمييز التي تتعرض لها المرأة في هذا القرن من الإسلاميين المتشددين هي أكثر ضراوةً مما كانت تتعرض له في القرون السابقة، فنحن نرى المرأة بين مطرقة ثقافة التشدد وسندان النظرة الرجعية، وهو نتاج رؤى وتقاليد موروثة، مما يُبرر السيطرة عليها وقهرها والانتقاص من إنسانيتها، والحط من قيمة كرامتها الآدمية.

وهنا لا يصحُّ أن نغفل أن النبي- صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم- قد أخذ البيعة منهنَّ وجعل لهنَّ رأيًا مستقلًا كالرجل؛ مما أعطاها الشخصية المستقلة ... فالمرأة تتعلم العلم لتعبد الله على بصيرة، وتفهم شرائعه على هدى منه، وإلَّا كيف تقي نفسها من النار بدون العلم والعمل؛ فإنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؛ ولهذا لا بُدَّ لكل إنسان من السعي في طلب العلم، فطلب العلم فريضةُ عينٍ على مَن احتاج إليه، وفريضة كفاية على مَن لم يحتج إليه.

وقد جاء الإسلام العظيم ليدفع عن المرأة هذا الظلم والقهر، فإن العلم يفتح آفاق العقل، وإن الجهل يدعو إلى الفساد والضلال المبين؛ لهذا كان طلب العلم قرينًا بالإيمان في الدنيا، وسببًا في أن يرفع صاحبه درجاتٍ في الآخرة، قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11].

وإذا كان العلم ميراث الأنبياء، ونحن أمة اقرأ والقلم والراسخون في العلم؛ أمة تحثُّ الإنسانية على التفكير والتأمُّل والتدبُّر، مصداقًا لقول الله تعالى: "أفلا تعلمون"، "أفلا تبصرون"، أفلا تتفكَّرون"، فهل هذا النداء للرجال دون النساء؟! وهل النساء بعيدات عن هذا السياق؟!

كما أن الله سبحانه وتعالى قد نزَّل الأمر الإلهي الرباني بأن تقرأ المرأة- على وجه التخصيص والتحديد- وتتعلَّم وتدرس العلم الديني والحكمة، والعلوم الأخرى، والاطلاع على العلم الصحيح، والحكمة، والمقدرة على تحري الحق، ومعرفة أسرار الأشياء، كما في قوله تعالى{ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالحكمة إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا .}.