تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الإثنين 16 يناير 2023 / 18:03

التعليم عن بُعد... وانسياب المعرفة للجميع

الإمارات تعزز موقعها الريادي كقوة مؤثرة في توجيه دفة إعادة هندسة مستقبل التعلم والتعليم وبناء نظام تعليمي مبتكر يضمن تحويل الدارسين من متلقين إلى مبتكرين


إن الاستثمار والتطوير في المحتوى التعليمي وإعلاء قيمته يجعلنا قادرين على تلبية الاحتياجات المستقبليَّة للمجتمع والوطن، كما إنَّ مبادرة التعليم عن بُعد تأتي كخطوة استباقيَّة لمواجهة الأزمات والكوارث الطبيعيَّة. إنَّ العالم يشهد اليوم إقبالًا على التعليم المفتوح وعلى نظم التعليم الإلكتروني والوسائط بعد أزمة كورونا، في ظلِّ التطور الهائل في الوسائط التكنولوجيَّة. كما أنَّ وسائل التعليم الرقمي أصبحت من أدوات العصر، بهدف تعزيز قدرات المؤسسات التعليميَّة على المنافسة في سوق العمل الذي يشهد تغييرات جذريَّة؛ ما يجعلنا أمام ضرورة أن نتطلع على تجارب الدول الأخرى، مع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي في كثير من المجالات، والحصول على الاعتماد الأكاديمى لتلبية الاحتياجات المستقبليَّة.

يعد التعليم عن بعد أحد أهم المفاهيم والتقنيات الحديثة للتعليم بكافة مستوياته، وقد أصبح هذا النوع من التعليم ركنًا مهمًّا للاقتصاد المعرفي. مما جعل الوضع مواتيًا لازدهاره.

ولقد أضحت الجامعات العالميَّة تفتح أبوابها للتعليم من خلال الانتساب والتعلُّم عن بُعد. وتصاحب هذه التجربة مهارات ومرونة في نقل المعرفة بأقل التكاليف، والتحكُّم في العبء التعليمي، والانخراط في أفضل الجامعات بعيدًا عن مصاريف التعليم التقليدي المنتظم، أو الانتقال للمقر، وتجنب الازدحام المروري، وعدم تكبد نفقات الإقامة والانتقال من منطقة إلى أخرى. وتفر هذه الآلية فرصة للذين تعوقهم ظروف العمل ويرغبون في العودة إلى الدراسة، كما تؤمن مرونة وقدرة على التحكم في العبء التعليمي من الدارسين، فضلًا عن تعليم ملائم للأمهات وربات البيوت وأصحاب الهمم ..إلخ

تنسجم متطلِّبات الدراسة مع معايير الجودة، وهي ليست أقلَّ جودة من نظيراتها من وسائل التعليم التقليديَّة، وتكسر حاجز الفروقات الفردية التي سوف تختفي بالتدريج، لكن هذه الدعوة لا بدَّ لها من جهود لتعزيز ثقافة البُعد الإلكتروني، من أجل صناعة جيل قادر على منافسة مُخرجات التعليم العالميَّة.

وهذه الدعوة للتعليم عن بُعد تواجه كثيرًا من التحديات والمعوِّقات، من أهمِّها عدم تطوير التعليم الإلكتروني، أو عدم وجود رؤية واضحة تعترف بمقوِّماته، أو تخصيص ميزانيَّة خاصة مناسبة له، ثم الأهم من كلِّ ذلك هو الاعتراف بهذه الشهادات التعليميَّة واعتمادها قانونيًّا.
وقد أكَّدت الدراسات أن استخدام أكبر عدد من الحواسِّ يجعل التعليم أعمق وأبقى أثرًا؛ إذ يساعد على حفظ المعلومات لمدًى أبعد. وسائل التقنيَّة الحديثة تستخدم في نقل المعلومات أكبر قدر من الحواسِّ أثناء عمليَّة التعلم، فالمنهج والشرح النموذجي مُتاح بالصوت والصورة للطلبة أو لأولياء الأمور، ولا بدَّ من التوجه نحو المعرفة المتسارعة، وتسهيل انسياب المعلومة ومواصلة الدراسة مدى الحياة. كما جوهر التعليم عن بُعد هو النمط التفاعلي، حيث يعني وجود مناقشات متبادلة بين الطلبة، والتفاعل مع المحاضر.

كما أنه لا بدَّ من الاعتراف بهذه النوعية من التعليم من قبل مؤسساتنا التعليميَّة الخاصة، وإعطاء الخيار الذي يناسب الجميع أو يناسب وضع الطالب الراغب بهذه النوعية من الدراسة، والاعتماد عليها وفقًا للمعايير والضوابط المطلوبة، سواءً بنظام «الانتساب» والالتحاق بالتعليم الجامعي، أو في التخصصات النظرية التي تتطلب مهارات عالية من الفهم والاستيعاب، بما يمنحهم فرصة لمعادلة الشهادات، واعتراف أرباب العمل بها. كما يكتسب "نموذج التعليم الهجين" أهمية بالغة كونه الأول من نوعه القائم على الجمع بين "التعليم المتزامن" و"التعليم غير المتزامن"، وفق إطار ذكي ومتوازن يضمن توفير التعليم الأفضل لمبتكري ومبدعي المستقبل عبر أساليب تعليمية جديدة تحاكي المستقبل، وسبل تعزيز الوعي بهذه الثقافة المعرفيَّة والمعترف فيها من جميع دول الكبرى.

وأولت الأوساط الدولية ثقة عالية للتجربة الرائدة لـ"جامعة حمدان بن محمد الذكية" إبان فترة كورونا وما قبلها، لأنها كانت سبّاقة في إحداث نقلة نوعية كبيرة في التعليم الذكي، النموذج الرائد الذي تتبناه الجامعة لتوفير التعلم مدى الحياة، كونها أول جامعة معتمدة للتعليم الذكي في العالم العربي.

الإمارات تعزز موقعها الريادي كقوة مؤثرة في توجيه دفة إعادة هندسة مستقبل التعلم والتعليم وبناء نظام تعليمي مبتكر يضمن تحويل الدارسين من متلقين إلى مبتكرين قادرين على خوض المنافسة العالمية، وتطبيق معايير الجودة التعليمية للجامعات عبر تطبيق النظام الذكي والهجين، الأمر الذي سيكون له دور كبير في منظومة التعليم عن بُعد كقوة داعمة للجهود العالمية الرامية إلى توفير التعليم الجيد والمنصف والشامل، وإتاحة الفرصة للجميع للحصول على فرص التعلم مدى الحياة، تماشياً مع أهداف "الأجندة العالمية 2030" التي وضعتها الأمم المتحدة لبناء عالم أفضل للجميع.

كما أؤكد ضرورة الانتقال بالإمارات إلى مرحلة ما بعد عصر النفط التي تتطلَّب أجيالًا مبدعة قادرة على توظيف العلوم العصريَّة والتكنولوجيا العصريَّة في بناء اقتصاد معرفي يتَّسم بالاستدامة والتطوُّر.