الإثنين 21 أبريل 2014 / 17:24

24 يواصل فتح الملف: كيف لجأ الغرب إلى الإخوان لتحقيق "الشرق الأوسط الجديد"

24 - ميسون خالد

في الحلقة السابقة من ملف "العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان" ذكرنا تفاصيل تواطؤ المملكة المتحدة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر بهدف الإطاحة بعبد الناصر، ما أدى إلى اعتقال وطرد العديد من الجواسيس والمسؤولين البريطانيين الذين أسهموا في تشجيع أعمال شغب أصولية، بغية توفير أعذار للتدخل العسكري لحماية أرواح الأوروبيين، فضلاً عن قيام بريطانيا بدعم جماعة الإخوان لاحقاً في سوريا، الأمر الذي امتد ليشمل مساندتها لهم في الأردن أيضاً، وهو ما سنتناوله في هذه الحلقة.

كانت عملية "الأسلمة" الواسعة التي أجراها السادات تشتمل على "تكريس الإسلام باعتباره دين الدولة في دستور عام 1971، والتراجع عن سياسة عبد الناصر تجاه الإخوان المسلمين، وإطلاق سراح بعض أعضاء جماعة الإخوان من السجن، وإعلان العفو العام لكل من سُجن قبل مايو(أيار) 1971"

استمر ضلوع آسبن في تهريب السلاح بعد أن جنده الجهاز السري البريطاني، الذي أطلق عليه الاسم الرمزي "كوفاكس"، وبدراية البريطانيين رتب آسبن، على الأقل، أربع شحنات من الأسلحة من ليبيا إلى الجيش الجمهوري الإيرلندي في سنة 1970- 1972 كما ساعد على تجنيد إرهابيين من الجيش الجمهوري الايرلندي وتلقيهم التدريب في المعسكر الليبي

وثيقة بريطانية أمريكية:"لقد مضت سنة الآن على انخراطنا في حوار مع مجموعة صغيرة من الناس من ذوي الدراية ببعض فروع الإخوان المسلمين الوطنية المختلفة، ومع حماس ومع حزب الله، وهم لا يمثلون تلك الحركات رسمياً، ولكننا نعتقد أنهم يتكلمون بكلام له أثره" لذا وجب تجنيد هذه الجماعات واستقطابها

حتى أواخر الخمسينيات، كانت أزمة أخرى قد تطورت في بلد عربي آخر، ألا وهو الأردن، وهناك أيضاً أثبت الإخوان المسلمين أنهم وسيلة مفيدة للسياسة البريطانية في العالم العربي، رغم اعتبار المسؤولين البريطانيين أن "تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن تقوده مجموعة من المتعصبين المحليين ضيقي الأفق، وأن الأتباع في أغلبهم أميين"، كما ذكر السفير البريطاني في عمّان تشارلز جونستون، في تقريره لوزارة الخارجية البريطانية في فبراير(شباط) 1957.

ومع ذلك، رأى جونستون، أنه بالرغم من أن جماعة الإخوان كانت مناهضةً للغرب، إلا أنها كانت معارضّة أيضاً للشيوعية والقومية، وكان هذا أكبر أسباب دعم بريطانيا للإخوان في الأردن.

تعايش ناصر وأسلمة السادات
وتستمر ازدواجية بريطانيا في مصر، فرغم إيمان مسؤولين بريطانيين بأن جماعة الإخوان المصرية تمثل الإسلام العنيف المتطرف، إذ كتب أحد مسؤولي وزارة الخارجية البريطانية أن لديهم "قدرةً سلبيةً على التآمر والاغتيال"، إلا أنها استمرت في التعاون مع أعضاء الجماعة، لاسيما لرغبتهم في "إزاحة عبد الناصر من الساحة"، الهدف الذي اشتركت فيه معهم المملكة المتحدة، حيث تدارس البريطانيون موضوع التدخل العسكري المباشر في مصر، ومع ذلك استبعدوه لاحقاً بشكل نهائي لأن "ما من سبب يدعو للاعتقاد بأن خليفة عبد الناصر سيكون أكثر اعتدالاً منه أو أسهل انقياداً للنفوذ الغربي".

وكان سبب رفض التدخل العسكري أن من شأنه أن "يُحدث هيجاناً ويزيد من الاختراق الشيوعي للمنطقة"، الأمر الذي لا يخدم مصلحة المملكة المتحدة في المنطقة العربية، وإضافةً إلى ذلك رأت بريطانيا أنها لا تستطيع أن تتبع سياسةً شرق أوسطية تكون فيها "على خلاف جدّي مع الأمريكيين"، وفي سبتمبر(أيلول) 1965، خلصت وزارة الخارجية البريطانية إلى أنه "علينا ـ أي البريطانيين - أن نتعايش مع نظام عبد الناصر".

في سبتمبر(أيلول) 1970، تولى أنور السادات رئاسة مصر إثر موت عبد الناصر بنوبة قلبية، ورمت استراتيجيته إلى "أسلمة المجتمع المصري وإقامة تحالف جديد مع الولايات المتحدة"، بحسب مارك كيرتس في "علاقات سرية".

وبسبب ذلك كانت واشنطن "حريصةً جداً" على العمل مع السادات، لجلب مصر إلى الجانب الأمريكي في الحرب الباردة، بحيث أن صُناع السياسة وضباط المخابرات نظروا إلى استعادته لليمين الإسلامي على أنه أمراً ليس خطيراً، بينما الحقيقة أن سياسات السادات ساعدت في "إطلاق شرارة نشوء الراديكالية الإسلامية العالمية".

لقد كانت عملية "الأسلمة" الواسعة التي أجراها السادات تشتمل على "تكريس الإسلام باعتباره دين الدولة في دستور عام 1971، والتراجع عن سياسة عبد الناصر تجاه الإخوان المسلمين، وإطلاق سراح بعض أعضاء جماعة الإخوان من السجن، وإعلان العفو العام لكل من سُجن قبل مايو(أيار) 1971".

الخطأ المميت
وقد انجذب الإخوان المسلمون، الذين أطلق السادات سراحهم، نحو الجامعات المصرية، وبحلول أوائل السبعينيات كان كثير منهم وقع تحت سيطرة الحركات الإسلامية التي أسقطت هيمنة الأيديولوجيا القومية، وفي الوقت نفسه، شرعت النخبة الإسلامية المثقفة ـ الإنتلجنتسيا ـ في الجامعات بنشر أفكارها في كافة أنحاء العالم الإسلامي، وكانت أكثر الفئات استقطاباً هم الفقراء والبرجوازيون المتدينون.

حاول السادات التصدي للجماعات اليسارية بمحاولات "أسلمة معتدلة"، ولم يدرك أن الجماعات الأكثر أصوليةً، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لن ترضى بأقل من الأسلمة الكاملة للمجتمع، بل وسيطرة تنظيم الإخوان على مفاصل الحكم، ولم يقم نظامه باتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه الجماعة إلا في عام 1981، مقرراً حلها في سبتمبر(أيلول).

إلا أن سياسة السادات أثبتت فشلها منذ إفساح مجال – وإن كان صغيراً - للجماعة، ففي أكتوبر(تشرين الأول) من نفس العام، اغتيل على يد "تنظيم الجهاد"، الذي كانت جذوره تمتد إلى جماعة إسلامية جامعية في جامعة أسيوط في صعيد مصر، وهو مشابه للتنظيم الذي تشكل بمساعدة الحكومة في وقت سابق من العقد، وهكذا أنهى السادات حياته على أيدي من ساهم في نهوضهم.

"كوفاكس" ليبيا
بيد أن سياسة بريطانيا في "تغذية الإرهاب" لم تتوقف عند مصر وسوريا والأردن فقط، بل امتدت إلى ليبيا وشمال أفريقيا، حيث استعانت بريطانيا بعميلين، بينهما الأيرلندي ليزلي آسبن خلال فترة السبعينيات، و كان جندياً في القوات الخاصة الجوية البريطانية، ثم تحوَّل إلى مهرب للسلاح لمجموعة من التنظيمات الإرهابية.

قام آسبن بنقل العشرات من المدربين لتدريب المجندين في "مدرسة تدريب أيلول الأسود" التابعة للعقيد القذافي والواقعة في ليبيا، وبحلول عام 1970 كان لدى المخابرات البريطانية MI6 عميل داخل أيلول الأسود، وأشار آسبن لاحقاً في مذكراته الشخصية إلى أنه جُند من قبل الجهاز السري البريطاني "بسبب سنواته التي قضاها بصفته مهرب أسلحة في الشرق الأوسط وأوروبا".

استمر ضلوع آسبن في تهريب السلاح بعد أن جنده الجهاز السري البريطاني، الذي أطلق عليه الاسم الرمزي "كوفاكس"، وبدراية البريطانيين رتب آسبن، على الأقل، أربع شحنات من الأسلحة من ليبيا إلى الجيش الجمهوري الإيرلندي في سنة 1970- 1972 كما ساعد على تجنيد إرهابيين من الجيش الجمهوري الايرلندي وتلقيهم التدريب في المعسكر الليبي.

وهكذا أصبح آسبن مصدراً رئيسياً للمعلومات للجهاز السري البريطاني وكان قادراً على إخبارهم عن شركاء القذافي الأوروبيين، وهويات الإرهابيين الايرلنديين الذين كانوا في المعسكر الليبي وأسماء تجار سلاح آخرين في العالم العربي.

"كسّار" بريطانيا
الشخصية الثانية ضمن شبكة تهريب السلاح الذي تعاونت معه بريطانيا كان اسمه منذر الكسَّار، الذي عمل لمصلحة السوريين وكان صديقاً مقرباً من أخ الرئيس السوري ورئيس الأمن الداخلي رفعت الأسد، ويُزعم أن الكسار، وبتحريض من السوريين، قام بتجنيد آسبن مُهرباً للسلاح ليعمل لليبيين.

وقد قامت المخابرات البريطانية بتجنيد الكسار في مارس(آذار) 1973، وواصل نشاطه في تهريب السلاح، ولكنه وقتها كان يقوم به في ظل الرعاية البريطانية، وأصبح "مصدراً فائقاً" للاستخبارات، ومن خلاله "تمكن البريطانيون من تعقب حركة الأموال لكل منظمة إرهابية في العالم" واستغلال تلك البينات بما يدعم النفوذ البريطاني في المناطق التي تواجدت فيها مثل تلك المنظمات، لا سيما مصر، التي كان لتنظيم الإخوان فيها حراك أكبر من أي دولة عربية، أو إسلامية، أخرى.

إسلام سياسي
إحدى الوثائق البريطانية المسربة، وهي مذكرة مشتركة بين وزارتي الداخلية والخارجية مؤرخة في يوليو(تموز) 2004، حول موضوع "العمل مع المجتمع الإسلامي" في بريطانيا، تشير إلى أن "الحركة الإصلاحية يمكن تتبعها إلى الإخوان المسلمين – تحت قيادة حسن البنا - وجماعة الإسلام – تحت قيادة مولانا المودودي، وهي حركة تقليدية ولكنها ذرائعية (براغماتية)"، والتنظيمان تعاونت معهما بريطانيا سراً في السابق.

كان كاتب هذه المذكرة أنغوس ماكي يشير إلى أن أغلب الحركات الإسلامية "تشعر بالقلق تجاه الدوافع الغربية ولكنها مستعدة للانخراط"، وأنها في كثير من البلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "تشكل المعارضة الرئيسية".

قريباً من الوقت نفسه، كانت هناك وثيقة مُعدة بتكليف خاص تُتداول داخل الحكومة البريطانية، كتبها كل من السفير البريطاني السابق لدى سوريا باسيل إيستوود، ومساعد وزير الخارجية الأمريكية في إدارة ريغان ريتشارد ميرفي، وكانت الوثيقة تحمل العنوان "يتعين علينا أن نتحدث مع الإسلام السياسي في الشرق الأوسط كله"، ومما جاء فيها: "لقد مضت سنة الآن على انخراطنا في حوار مع مجموعة صغيرة من الناس من ذوي الدراية ببعض فروع الإخوان المسلمين الوطنية المختلفة، ومع حماس ومع حزب الله، وهم لا يمثلون تلك الحركات رسمياً، ولكننا نعتقد أنهم يتكلمون بكلام له أثره" لذا وجب تجنيد هذه الجماعات واستقطابها.

واختتم إيستوود وميرفي الوثيقة بالقول: "ينبغي على حكومات مجموعة الثمانية G8 الآن، وربما على نحو غير مباشر، الدخول في حوار مع حركات كهذه وأن يُشركوها في مسار المجتمع المدني المتعلق بمبادرة الشرق الأوسط الكبير".

إلا أن هذه الاستراتيجية كان لها معارضون، منهما السفير البريطاني في مصر ديريك بلمبلي الذي رأى خلطاً بين "الانخراط مع العالم الإسلامي" و"الانخراط مع الإسلام السياسي"، ونوّه إلى أن هذه الجماعات التي تحابيها بريطانيا هي في الأصل "مناهضة للغرب"، إلا أن تعليقاته لم تلاقي ترحيباً، ولم تمنع مسؤولين بريطانيين من المضي قدماً في سياساتهم مع جماعة الإخوان المسلمين.

في الحلقة المقبلة نتابع تفاصيل استمرار بريطانيا بالتمسك بتنظيم الإخوان، عقب الانتخابات البرلمانية في 2005، ونوضح علاقة تنظيم الجماعة بتنظيم القاعدة، وغيره من الجماعات الإسلامية، المنشقة عن أو الموالية لجماعة الإخوان بما في ذلك أفغانستان وإيران، وحتى البوسنة وغيرها من الدول.

اقرأ أيضاً:
24 يفتح ملف العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان (الحلقة 1)

24 يفتح ملف العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان (الحلقة 2)

العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان (الحلقة 3)