الإثنين 30 يناير 2023 / 10:05

الدولة الفاشلة

عبدالله السويجي- الخليج الإماراتية

لو صدق المنجمون فإن لبنان مقبل على أيام صعبة للغاية ينعدم فيها الأمن

حظي مصطلح الدولة الفاشلة باهتمام الأكاديميين والمفكرين منذ تسعينيات القرن الماضي، فوضعوا تعريفات ومعايير كثيرة، يمكن جمعها واختصارها في: إن الدولة الفاشلة هي التي تعجز عن القيام بوظائفها، أو التي تحكمها الميليشيات المسلحة، أو التي تفقد السيطرة على وسائل العنف الخارج عن الإطار القانوني، ومن ثم تكون عاجزة عن تحقيق السلام والاستقرار لشعوبها، وعليه لا تستطيع ضمان النموّ الإقتصادي، أو أي توزيع عادل للسلع الاجتماعية، وغالباً ما تتميز بانعدام المساواة الاقتصادية والمنافسة العنيفة على الموارد. وعدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي.

واستقى الباحثون تعريفاتهم من أحداث ألمّت ببعض الدول سابقاً، مثل الصومال وليبيريا وبعض الدول في إفريقيا، ودول أخرى في أوروبا الشرقية، وقد شهدت تلك الدول في فترة من الفترات انفلاتاً أمنياً أدى إلى انهيار مؤسساتها وكيانها الرسمي، ما أدى إلى تدخل خارجي من الدول الكبرى، أو من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

لقد أدى ما أُطلق عليه (الربيع العربي) إلى حالات تنطبق عليها التعريفات سابقة الذكر، لا سيّما مع سيطرة الميليشيات متعددة الانتماءات والأيديولوجيات على أجزاء واسعة من تلك الدول، التي كادت أن تنهار كلياً، لولا تدخل دول صديقة ومتحالفة معها أدى إلى صمودها وإطالة بقائها. وفي كل الأحوال يدفع الشعب الثمن، ويتحول إلى المعيار الأول للدولة الفاشلة. ليس أصعب ولا أخطر ولا أقسى من فقدان المواطن لأمنه، الذي تتلاعب به الميليشيات والكيانات غير الرسمية.

أمامنا اليوم دولة تتعرض لأن تصبح دولة فاشلة، أو في طريقها إلى الانهيار التام، والسبب، نعود هنا إلى التعريف السابق، وهو سيطرة الميليشيات على مفاصل الدولة، ما أدى إلى ضعف في التوصّل إلى قرار مركزي رسمي تتخذه الحكومة، لأن الحكومة ذاتها مشكّلة من أتباع تلك الميليشيات، وبالتالي تحدث دائماً سجالات وضغائن، ويغيب الأمن والاستقرار، ونعني بهذه الدولة الجمهورية اللبنانية. وما جعلني أجعل من لبنان أنموذجاً للدولة الفاشلة أو شبه الفاشلة، ما تابعناه يوم الخميس الماضي من صراع قضائي انعكس على الشارع وعلى الجسم القضائي نفسه. قاضٍ يتخذ قراراً يلغيه قاضٍ آخر، وتأزّم المشهد وانتقل إلى مجلس النواب وتعرّض بعضهم للضرب.

لبنان حالياً من دون رئيس، تديره حكومة تصريف أعمال، وبالتالي فإن الخدمات الحكومية معطلة، وبعضها معطّل منذ ثلاثين عاماً، مثل مشكلة الكهرباء، ويقول لي أصدقاء من لبنان يعملون في الإمارات، إن التغذية الحكومية للكهرباء إما معدومة وإما ساعة واحدة في اليوم، ولنا أن نتخيل دولة من دون كهرباء، ويرضخ سكانها لأصحاب المولدات، المرتبطين بدورهم بشخصيات نافذة، كما قيل لي. وتزداد الأزمة الاقتصادية حدّة مع الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار، حيث وصل إلى 60 ألف ليرة لكل دولار، بعد أن كان 1500 ليرة، ما يؤدي إلى زيادة جنونية في الأسعار، مع عجز الحكومة عن وقف تدهور العملة الوطنية.

لبنان، هذا البلد الجميل بأهله وناسه "على صفيح ساخن"، ولا أحد يعلم أين ستقوده الأحزاب في الأيام القليلة القادمة، ولو صدق المنجمون، فإن لبنان مقبل على أيام صعبة للغاية، ينعدم فيها الأمن، ولو صدقت التأويلات والتحليلات و"المنجمون السياسيون"، فإن لبنان سيواجه كارثة اقتصادية واجتماعية وأمنية، تُضاف إلى كوارثه الحالية.
ولن يكون الحل إلا بتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والمذهبية، وإجراء حوار وطني يؤدي إلى مصالحة وطنية تنهض بالبلد وتنقذ شعبه من الفقر والمعاناة. فالشعب اللبناني المحب للحياة يستحق دولة يحكمها القانون وليس الأحزاب المسلحة والطائفية، حتى يتجنب المزيد من الانهيار والفشل.