أسعار سلع يوم "الجمعة الأسود".(أرشيف)
أسعار سلع يوم "الجمعة الأسود".(أرشيف)
الإثنين 30 يناير 2023 / 15:37

الركود العالمي المقبل قد يتخذ شكلاً غير مألوف

رأى المستثمر والكاتب ورئيس مجلس إدارة مؤسسة روكفلر الدولية روشير شارما أن فترات الركود أصبحت أقل وأكثر تباعداً خلال نصف القرن الأخير مع تكاتف الحكومات والبنوك المركزية أكثر لإدارة النمو الاقتصادي.

الاقتصاد العالمي يمكن أن يكون في طور الاستعداد لهبوط ناعم

غالباً ما كانت تلك الفترات أقصر وأضعف مما أمكن أن تكون. لذلك، لا يستطيع معظم الناس أن يتخيلوا دورة أعمال مؤلمة لفترة مطولة. لكن الاقتصاد متجه نحو فترة لم يشهدها العالم منذ عقود.

بالأرقام... الركود إلى تضاؤل

كتب شارما في صحيفة "فايننشال تايمز" أن الإيمان بالحكومات كمنقذ في مراحل الركود كان يشق طريقه في أذهان الناس معظم حياتهم. منذ سنة 1980، واجه الاقتصاد الأمريكي الركود في 10 بالمئة من الوقت، بالمقارنة مع ما يقرب من 20 في المئة بين نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 و1980 وأكثر من 40 في المئة بين سنتي 1870 و1945. ارتفع التحفيز المشترك في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والمملكة المتحدة، ومن ضمنه الإنفاق الحكومي وشراء البنوك المركزية للأصول، من 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال فترات الركود سنتي 1980 و1990 إلى 3 في المئة سنة 2001، و12 في المئة سنة 2008 و35 في المئة سنة 2020.

بالكاد لوحظ
بالرغم من أن ركود 2020 كان حاداً، يبقى أنه كان الأقصر منذ بدء السجلات فدام فقط شهرين. جاءت عمليات الإنقاذ الحكومية في الجائحة سريعة وكبيرة إلى درجة أنّ كثيرين شعروا، خصوصاً الموظفين ذوي الياقات البيضاء الذين عملوا من المنزل، كما لو أن الركود لم يحصل قط. ارتفعت مداخيلهم وائتماناتهم. انفجرت ثرواتهم مع ارتفاع أسواق الأسهم والسندات.
 

الآن إن تجربتهم مع الركود كحدث لم يقع تبدو متأصلة في النفسية المهنية. وأضاف الكاتب أن بعض المعلقين بدأوا يتحدثون عن أن الاقتصاد العالمي يمكن أن يكون في طور الاستعداد لـ"هبوط ناعم" لا لركود صريح. لكنهم يواصلون توقع أن يبدأ قريباً الركود الأضعف منذ الحرب العالمية الثانية وأن يدوم أقل من ستة أشهر، مع تدخل الاحتياطي الفيديرالي للإنقاذ.

أين الخطأ المحتمل؟
قد تكون وجهة النظر الإجماعية خاطئة في نواح أساسية، مثل مدى قرب وصول الركود المقبل أو طول فترته أو مدى كرم جهد الإنقاذ. سنة 2020، ضخت الحكومات الكثير من المال في الاقتصاد إلى درجة أن المستهلكين لا يزالون يجلسون على قسم كبير منه بعد سنتين على ضخه – 1.5 تريليون دولار في الولايات المتحدة وحدها. بالكاد تباطأت الأعمال الأمريكية والأوروبية. تواصل الحكومات الإنفاق. بسبب ذلك، قد يأتي الركود التالي في وقت أبعد من المتوقع، وهي وجهة نظر عززتها البيانات الأخيرة للناتج القومي الأمريكي والتي أظهرت اقتصاداً مرناً.

ماذا عن التضخم؟
عندما ينتهي التحفيز الوبائي الأخير في نهاية السنة، قد لا يمر الانكماش التالي بسرعة كبيرة حينما يصل. النقطة الإشكالية الأساسية هي التضخم. هو يتراجع حالياً بنفس السرعة التي ارتفع فيها السنة الماضية، مع عودة سلاسل التوريد إلى طبيعتها، وهدوء "الإنفاق الانتقامي" الذي أطلقته نهاية الإغلاقات وعززته التحفيزات. لكن من غير المرجح أن يعود إلى مستويات ما قبل الجائحة أي إلى ما دون 2 في المئة. إن الإرث الأكثر استدامة للجائحة قد يكون تأثيرها على العمل وتضخم الرواتب. يقول كلّ شخص من بين ثمانية إنّه لا يخطط للعودة إلى نشاطات ما قبل الجائحة من بينها العمل. إن عدد الساعات الذي يريد الناس من جميع الأعمار أن يعملوا خلاله انخفض بشكل كبير، وموقفهم تغير أيضاً.

الرؤساء التنفيذيون يتفاخرون
يسرد الكاتب ما يسمعه خلال محادثات مع رؤساء تنفيذيين يقولون إنهم يتمتعون بـ"قوة تسعير" للمرة الأولى منذ عقود. إن تضخم أسعار السلع كما السيارات مثلاً يتباطأ بسرعة، لكنه أكثر ثباتاً بالنسبة إلى الخدمات. يتعقب الاحتياطي الفيديرالي مؤشراً خاصاً بالنسبة إلى "الخدمات الثابتة" كتلك المتعلقة بالعقارات والترفيه – حيث تتحرك الأسعار ببطء – وهو يرتفع.

هكذا يتغير العالم

في غضون ذلك، يتغير العالم بطرق تضخمية جذرية: كانت نسبة الولادات تنخفض طوال سنوات لكنها تقلص الآن عدد من هم في سن العمل. تنسحب الدول إلى الداخل وتحول نشاط الأوفشور إلى أقرب الدول وأكثرها صداقة عوضاً عن أن تكون إلى الدول الأقل كلفة. إن ضغط الديموغرافيا وتفكك العولمة سيدفع المعدل الطبيعي الجديد للتضخم إلى أعلى، وسيكون أقرب إلى 4 في المئة بدلاً من 2 في المئة.
سيصعّب هذا أكثر على البنوك المركزية خفض أسعار الفائدة لمكافحة الركود التالي. إن أسعاراً أعلى للفائدة تعني أن الحكومات قادرة على الاقتراض والإنفاق بشدة لتحفيز الاقتصادات الراكدة لكن في ظل خطر استدعاء إجراءات عقابية في أسواق السندات العالمية، والتي هي أصلاً أقل تسامحاً مع الإنفاق الحر.

شكل غير مألوف
يخلص الكاتب إلى أنه بينما قد يستغرق الانكماش التالي وقتاً أطول كي يضرب، من المرجح أن يتخذ شكلاً غير مألوف، بحيث قد لا يكون أعمق وإنما أكثر ديمومة بشكل محتمل، مع دفع قوى التضخم الثابتة البنوك المركزية وفرق الإنقاذ الحكومية إلى الهامش. والعالم غير مستعد للمشقات الطويلة التي تلوح في الأفق.