الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ.
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ.
الأربعاء 1 فبراير 2023 / 11:25

لماذا تتجنب الصين دعم روسيا؟

بالمقارنة مع أوكرانيا، تمتلك روسيا عدد سكان أكبر واقتصاداً أكبر وجيشاً أقوى. لهذه الأسباب، كان من المتوقع أن تسحق روسيا أوكرانيا منذ بداية الحرب.

أكبر مورد عسكري مفقود لروسيا هو الصين التي تمثل أكبر مصدّر للسلع العالية التقنية

ويكتب محلل الشؤون الخارجية في صحيفة "واشنطن بوست" ماكس بوت أنه لم يحدث ذلك، وبينما تتوجه الحرب نحو عامها الثاني وتتمتع كييف بموقف جيد لاستعادة المزيد من الأراضي. يمكن تفسير هذا الأمر إلى حد كبير بأن لأوكرانيا العديد من الحلفاء بعكس روسيا.

ويقدر معهد كييل للاقتصاد الدولي أن إجمالي تعهدات الولايات المتحدة وأوروبا بدعم أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً بلغ تقريباً 100 مليار دولار منذ الغزو الروسي. وتحتاج روسيا أيضاً إلى مساعدة خارجية. تنفد كل معداتها العسكرية من قذائف المدفعية مروراً بالمسيّرات وصولاً إلى الصواريخ. لكن دولتين مارقتين فقط أبدتا استعداداً لتزويد الكرملين بالتجهيزات العسكرية: إيران وكوريا الشمالية.

مفقود
أضاف الكاتب أن أكبر مورد عسكري مفقود لروسيا هو الصين التي تمثل أكبر مصدّر للسلع العالية التقنية ورابع أكبر مصدّر للأسلحة. إذا لعبت الصين مع روسيا الدور نفسه الذي تلعبه الولايات المتحدة مع أوكرانيا فسترتفع حظوظ الانتصار الروسي بشكل مضاعف. لكن هذا لم يحدث مما يفترض أنه في الممارسة، ثمة حدود قاطعة للصداقة الـ"بلا حدود" التي أعلن عنها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ قبل أسابيع قليلة على بداية الغزو في 24 فبراير (شباط).

التجارة مع الصين
لقد كانت الصين سعيدة بمواصلة التجارة مع روسيا وفق شروط مؤاتية. لقد حلت الصين والهند محل أوروبا باعتبارهما أكبر المشترين للنفط والغاز الروسيين، وانخفضت أسعارهما بفعل العقوبات الغربية. بالمقابل، ووفق باحثين في "مسرح سيلفيرادو للسياسة"، أصبحت الصين أكبر مصدر لواردات الكرملين، خصوصاً أشباه الموصلات التي تحتاج إليها روسيا لتصنيع التجهيزات المدنية والعسكرية.

وبما أن "أبل" و"سامسونغ" توقفتا عن بيع روسيا الهواتف الذكية، تدخلت الصين واستحوذت على 70 في المئة من السوق الروسية خلال الربع الثالث من 2022. وتدعم هذه التجارة الثنائية الاتجاه جهد بوتين الحربي بشكل غير مباشر، وفي قضية الرقاقات الإلكترونية، يمكن أن تمكن الأخيرة إنتاج الأسلحة الروسية.
لكن تذكروا، تابع بوت تمتعت الصين أيضاً بعلاقة اقتصادية صلبة مع أوكرانيا قبل الغزو. كما قال الباحث في مجلس العلاقات الخارجية زونغيوان زوي ليو: "بحلول 2019، حلت الصين محل روسيا كأكبر شريك تجاري لأوكرانيا، وأصبحت أكبر مستورد للشعير الأوكراني وخام الحديد، بينما تفوقت أوكرانيا على الولايات المتحدة كأكبر مورد ذرة للصين".

هل تريحها الحرب؟
وقال وزير خارجية تايوان جوزف وو للكاتب إن "الصين تريد رؤية حرب مطولة في أوكرانيا، لأنها ستحول (اهتمام) الغرب عنها، بينما تحصل الصين على الطاقة بأسعار منخفضة من روسيا." ربما، لكن الصين ليست سعيدة بشأن الاضطرابات الاقتصادية التي تسبب بها الغزو الروسي وفق بوت. بصفتها أكبر دائن للدول ذات الدخل المنخفض، على الصين أن تقلق بشأن إعادة سداد الدول التي تأثرت سلباً بارتفاع أسعار السلع الأساسية لتلك القروض.

لا يريد أن يكون خاسراً

كان الديبلوماسيون الصينيون يقولون للأوروبيين في مجالس خاصة إن شي لم يعلم بشأن الغزو الروسي مسبقاً وأنهم واجهوا الفوضى وهم يجلون 6 آلاف صيني من أوكرانيا. وأعرب شي أيضاً عن شكوكه ومخاوفه علناً إزاء الغزو الروسي وقال لبوتين ألا يستخدم الأسلحة النووية. بصفته ممارساً غير عاطفي للسياسة الواقعية، لا يريد شي أن ينتهي عند ما يمكن أن يكون الجانب الخاسر.

وتشير صحيفة "فايننشال" تايمز بناء على محادثات مع مسؤولين صينيين إلى أن "الصين تتصور احتمال أن تفشل روسيا في التفوق على أوكرانيا وتخرج من النزاع قوة صغرى تضاءلت كثيراً اقتصادياً وسياسياً على المستوى العالمي".

بكلمات أخرى، لن تكون روسيا المهزومة مفيدة جداً كحليف مستقبلي للصين التي لا تستطيع تحمل أن تصبح معزولة كما روسيا، بما أنها أكبر شريك تجاري في العالم. يساعد هذا في تفسير سبب تواصل بكين مع أوروبا ومحاولة تخفيف العداء مع الولايات المتحدة من خلال تهميش أحد أشد "الذئاب المحاربين" من ديبلوماسييها.

اقتراحات.. الفرصة موجودة
في مجلة "فورين بوليسي"، دعا الأكاديميان من مركز ستيمسون، وهما ضابط الاستخبارات السابق روبرت مانينغ والخبير الصيني يون صن، الإدارة الأمريكية إلى استغلال تردد شي حيال الحرب لإبعاده عن روسيا. واقترحا أن تدرس الإدارة عرض الصين المبكر للتوسط في الأزمة الأوكرانية مشيرين إلى أن ليس لدى الولايات المتحدة ما تخسره من اختبار المقترح القائل إن فرصاً جديدة قد تسمح بالتعاون الأمريكي-الصيني حول أوكرانيا.

ولفت بوت إلى أن بول هير الذي خدم في وكالة الاستخبارات المركزية ثلاثين سنة قال له إنه موافق على وجود "فرصة محتملة". رأى هير أن بوتين "أصبح إحراجاً لشي، إن لم يكن عبئاً صافياً". لكن "بكين لن تصطف إلى جانبنا ضد موسكو لمجرد أنه الأمر الصحيح لفعله". وهنا تكمن المشكلة والجانب السلبي المحتمل للعداوة المتزايدة مع الصين.

هذا ما ستحتاج إليه أمريكا
لقد واصل الرئيس الأمريكي جو بايدن سياسة سلفه دونالد ترامب فزاد الضغط الاقتصادي على الصين ليشمل حظر تصدير أكثر الرقاقات الإلكترونية والمعدات المصنعة لها تطوراً. هو يعطي الانطباع بأن هدف السياسة الأمريكي ليس فقط مواجهة التهديد الصيني العسكري، كما لاحظ الكاتب في صحيفة فايننشال تايمز جدعون راخمان، بل وقف الصعود الاقتصادي للصين.

لإقناع الصين بأن تكون أكثر تعاوناً في الحرب الأوكرانية وقضايا ملحة أخرى مثل كوريا الشمالية، قال هير لبوت "إننا سنحتاج لإقناع الصينيين بأننا على الأقل مهتمون بالسعي إلى التعايش السلمي والتعاون الاستراتيجي بمقدار اهتمامنا بمتابعة تنافسنا الاستراتيجي المنهجي." لكن في ظل المناخ الحالي من التوترات المتزايدة، يبقى هذا الأمر ضئيل الاحتمال، حسب هير.

فرصة أخرى
مع ذلك، وبالحد الأدنى، بإمكان إدارة بايدن مواصلة حث الصين على عدم توفير معدات عسكرية إلى روسيا وفق بوت. طالما أن الصين تبقى بشكل كبير على الهامش، سيكون لدى أوكرانيا فرصة قتالية للفوز.