الثلاثاء 22 أبريل 2014 / 18:38

24 يواصل فتح الملف: بريطانيا كانت على علمٍ بجذور "الإخوان" الإرهابية منذ البداية

24 - ميسون خالد

في الحلقة السابقة من ملف "العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان"، تطرقنا إلى دور بريطانيا في دعم إخوان الأردن، رغم اعتبارهم "ضيقي الأفق"، وأخطاء السادات في محاولة "احتواء" الجماعة في مصر، الأمر الذي تسبب في اغتياله على أيدي أعضائها أنفسهم لاحقاً، ناهيك عن تجنيد بريطانيا إرهابيين، ومهربي سلاح سابقين، ليكونوا عيونها وآذانها في كل من الأردن والعراق وسوريا، وانتهينا إلى سياسة المملكة المتحدة الرامية لاستغلال الإخوان لإقامة "الشرق الأوسط الجديد" بمفهومه الغربي.

بعض المذكرات المُسربة تُظهِر بوضوح سبب رغبة بريطانيا في التعاون مع الإخوان المسلمين حيث اقترح السفير بلمبلي في مذكرته في يونيو(حزيران) 2005 أن محادثة الإسلاميين قد تكون ذات قيمة نظراً لإمكانية حصولنا على معلومات مفيدة وهذه سياسة تنسجم مع استراتيجية بريطانيا في تجنيد المتطرفين بوصفهم مُخبرين

صلات بريطانيا بجماعة الإخوان المسلمين السورية مثيرة للاهتمام في ضوء تعليق توني بلير حول التنظيم في فبراير(شباط) 2003 بعد وقت قصير من احتلال العراق، حيث قام بلير حينها بإعلام البرلمان بأن "لدى العراق سجلاً طويلاً من دعم الإرهاب وهذا يشتمل على دعم الجماعات الراديكالية الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين السورية

في خضم تجاهلها تعليقات السفير البريطاني في مصر ديريك بلمبلي، قررت بريطانيا تكثيف جهودها في الانخراط مع الإخوان المسلمين في مصر، لا سيما عقب الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نوفمبر(تشرين الثاني) 2005، حيث فاز مرشحو الإخوان، بثمانية وثمانين مقعداً و 19% من الأصوات، في حين خاضوا الانتخابات بوصفهم مستقلين - نظراً لكون الحزب محظوراً رسمياً وقتها.

وقد كتبت العاملة مع مجموعة العرب وإسرائيل وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية، جولي ماكغريغور، إلى وزير الخارجية البريطاني في يناير(كانون الثاني) 2006، توصي بقيام بريطانيا بـ"رفع وتيرة الاتصالات على مستوى علاقات العمل مع برلمانيي الإخوان المسلمين، لاسيما أولئك الأعضاء منهم في لجانٍ برلمانية".

اللعب على الحبلين
وأشارت ماكغريغور إلى أنه، حتى عام 2002، كان لوزارة الخارجية اتصالات غير منتظمة على مستوى علاقات العمل، عبر السكرتير الثاني "مع الإخوان المسلمين الأعضاء في البرلمان، إلا أن تلك الاتصالات جرى تقليصها على إثر ضغوط من نظام حكم مبارك، ومنذ عام 2002 لم تحظ بريطانيا إلا باتصالات عرضية مع أعضاء في الإخوان المسلمين، بما في ذلك اتصال أو اثنين مع أعضاء برلمانيين منهم و لقاءات عشوائية غير مخططة".

كما كتبت ماكغريغور أن "الولايات المتحدة تراجع موقفها بشأن الاتصالات مع الإخوان المسلمين، حيث كانت فيما مضى قد رفضت أي اتصال معهم"، الأمر الذي يدل على أنه قد تم تغيير الموقف بالتنسيق مع واشنطن، كما أقرت بأن "إدخال أي تغيير على الطريقة التي نتعامل بها مع الإخوان المسلمين لا بد من أن يتم التعامل معه بعناية، من أجل الحفاظ على علاقاتنا الثنائية مع مصر"، التي كانت حكومتها تعتبر الإخوان "تنظيماً إرهابياً"، وبالتالي تستمر بريطانيا باللعب على الحبلين، الأول الاحتفاظ بعلاقتها مع الحكومة المصرية، والثاني الاحتفاظ بعلاقتها السرية مع الإخوان، لكي تستفيد من كل جهة في الوقت المناسب.

تَعلَم وتَسكُت
في مارس (آذار) 2006، قامت "مؤسسة ويستمنستر للديمقراطية"، الممولة من وزارة الخارجية البريطانية، بتنظيم "ورشة عمل تشاورية" في القاهرة، جمعت فيها مختلف الناشطين السياسيين المصريين، بما فيهم "أعضاء في البرلمان من الحكومة وأحزاب المعارضة والأعضاء المرتبطون بالإخوان المسلمين".

وفي مايو (أيار) من نفس العام، أخبر الوزير في وزارة الخارجية، كيم هاولز، البرلمان بأن المسؤولين في مصر كان لهم "اتصالات عرضية مع أعضاء في الإخوان المسلمين منذ سبتمبر(أيلول)2001"، وأن مسؤولين آخرين كانوا قد التقوا بممثلين عن الإخوان المسلمين في الأردن والكويت ولبنان، كما كان لهم "اتصالات محدودة" مع أعضاء من الإخوان المسلمين السوريين، الذين تقيم قيادتهم في المنفى في لندن.

كما قال هاولز في رده على سؤال برلمانيٍ آخر بشأن الإخوان المسلمين: "لقد تم انتخاب بعض الأعضاء، على سبيل المثال، للبرلمان المصري، بوصفهم مستقلين، ولكن الواضح أنهم مرتبطون مع الإخوان المسلمين، وقام دبلوماسيونا بلقاء مثل هؤلاء الناس عرضاً، فنحن لا نخرج عن طريقتنا كي ننخرط في مثل هذه اللقاءات".

وإجابةً على سؤال من عضو البرلمان من حزب المحافظين كيث سيمبسون بشأن ما إذا كان الإخوان المسلمون منخرطين في الإرهاب، أفاد هاولز أنه "ليس لديه معلومات حول ذلك"، وأن "السيد السائل المحترم" سوف يتذكر، طبعاً، أن لبرلمان حزبه "تاريخاً من الانخراط في محادثات سرية مع تنظيمات إرهابية، كالجيش الجمهوري الإيرلندي".

من رد هاولز هذا، يظهر أن الحكومة كانت تواصل سياستها القائمة منذ فترة طويلة بخصوص اعتبار القوى الإسلامية "متعاونين محتملين"، وأنها كانت على علم تام بصلات الإخوان المسلمين بالإرهاب.

دعوة للقرضاوي
ومضى الأمر ليتخذ بعداً أكثر صراحةً من ناحية المسؤولين البريطانيين، حيث كانت وزارة الخارجية، في أكتوبر (تشرين الأول) 2007، تفيد بأن "لدينا سياسةً قائمة منذ زمن طويل، تنطوي على الانخراط مع نواب في البرلمان المصري من كافة الخلفيات، بما في ذلك أولئك المنتسبين للإخوان المسلمين، وسوف نواصل انتهاج هذه السياسة"، ويبدو أن السياسة البريطانية تنسجم مع الولايات المتحدة، التي، رغم محدودية اتصالاتها المعروفة مع الإخوان المسلمين المصريين، كثفت وقتها اتصالاتها مع الإخوان السوريين.

هذا الانخراط البين، وجد انتقادات جمة من كُتاب جناح اليمين، كما هاجم الصحفيون الليبراليون الحكومة بسبب "إعطائها الأولوية للعلاقات مع اليمين الإسلامي على حساب أصوات أخرى في المجتمع المسلم"، وكذلك بسبب "إشراك أنفسهم مع بعض الأفراد الذين يتغاضون عن التفجيرات الانتحارية".

بينما انتقد بعض المعلقين جناح اليسار، مشيرين بوجه عام إلى دعوة عمدة لندن آنذاك كين ليفنغستون، للزعيم الروحي والقيادي بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين يوسف القرضاوي، لزيارة لندن، وإلى "ائتلاف أوقفوا الحرب"، الذي كان يشن حملةً من أجل العراق وفلسطين، لكن باشتراك مع "رابطة مسلمي بريطانيا" MAB، الجناح البريطاني لجماعة الإخوان المسلمين.

ويلاحظ الصحفي مارتن برايت أنه "من المحبط أن قليلين جداُ من اليسار كانوا مستعدين للتعامل مع مسألة قيام وزارة الخارجية باسترضاء الإسلام الراديكالي، ولم يكن تعاملهم إلا للتقليل من شأن الأمر".

أسبابٌ للتعاون
بعض المذكرات المُسربة تُظهِر بوضوح سبب رغبة بريطانيا في التعاون مع الإخوان المسلمين، حيث اقترح السفير بلمبلي في مذكرته في يونيو(حزيران) 2005 أن محادثة الإسلاميين قد تكون ذات قيمة، نظراً "لإمكانية حصولنا على معلومات مفيدة"، وهذه سياسة تنسجم مع استراتيجية بريطانيا في تجنيد المتطرفين بوصفهم مُخبرين.

إلا أن بلمبلي كتب أيضاً أن المصلحة البريطانية في مصر كانت تتمثل في الضغط على نظام حكم مبارك، لتعزيز الإصلاح السياسي، كما كان ينظر بوضوح إلى الإخوان المسلمين باعتبارهم "رافعةً من شأنها إحداث تغيير داخلي"، وكانت هذه السياسة أحد المنافع المتصورة من احتضان الجماعات المتطرفة في لندنستان.

بيد أن السفير لم يقترح أن تقوم بريطانيا مباشرةً "بتشجيع الإخوان المسلمين" أو الضغط على نظام حكم مبارك لإضفاء الشرعية عليهم، لأن ذلك من شأنه أن يُعرض علاقات لندن مع القاهرة للخطر، ومع ذلك، فإذا حدث وأن تعرض الإخوان المسلمون "للقمع بعنف، فسوف يتعين علينا الرد".

كما أن بريطانيا سعت لتأمين نفسها، بانخراطها مع الإخوان "في حال جرى تغيير في نظام الحكم في المستقبل"، فقد كان مستقبل مصر مشكوكاً فيه بعد موت مبارك أو سقوطه، وبصرف النظر عما إذا كانت ستحدث ثورة أم لا، اعتبرت بريطانيا أن "بمقدور الإخوان أن يلعبوا دوراً في الحكومة أو في المرحلة الانتقالية"، فالمخاطر كبيرة من حيث أن "مصر هي الدولة العربية الرائدة ذات النفوذ السياسي والثقافي في المنطقة، وبريطانيا هي أكبر مستثمر أجنبي فيها، حيث تصل قيمة استثماراتها فيها مبلغ عشرين مليار دولار"، لذا فإن فكرة بقاء نظام حكم في القاهرة خارج منطقة نفوذ بريطانيا، ستكون كارثةً لمخططي الحكومة البريطانية. وبحلول أواخر عام 2008، كتب العامل في وزارة الخارجية، أنغوس ماكي:"إن جماعة الإخوان المسلمين المصرية حركة دينية سياسية، وصلاتها التاريخية بالإرهاب تشتمل على اغتيالات في عقدي الأربعينيات والخمسينيات، مضيفاً: "البيئات الفكرية والسياسية والجغرافية التي تعيش فيها جماعة الإخوان المسلمين تعني أنه سيكون هناك دائماً أعضاء ينتقلون إلى نشاط أشد عنفاً، وحتى إلى الإرهاب، في تنظيمات أخرى".

وبعد عدة أشهر، زعم وزير الخارجية جاك سترو أنه لم يقع على "أي دليل موثوق يثبت أن القيادة الحالية لجماعة الإخوان المسلمين المصرية تدعم تنظيمات إرهابية في الشرق الأوسط"، لكن تبدو هذه الكلمات أنها اختيرت بعناية لكي تحجب كافة الفوارق التي أشار إليها ماكي.

 وفي فبراير(شباط) 2009، كانت وزيرة الجاليات هيزل بليرز أكثر وضوحاً عندما قالت إن "جماعة الإخوان المسلمين ليست تنظيماً إرهابياً ولكنها تدعم تنظيمات إرهابية مثل حماس في غزة".

الازدواج في سوريا
اختلفت السياسة البريطانية في سوريا، رغم الاستعانة بالإسلاميين هناك أيضاً، فعلى الأرجح أن البريطانيين والأمريكيين كانوا يقيمون اتصالات مع الإخوان المسلمين السوريين الذين اتخذوا لندن مقراً لهم باعتبارهم أداةً للضغط على نظام الحكم وزعزعة استقراره.

إن صلات بريطانيا بجماعة الإخوان المسلمين السورية مثيرة للاهتمام في ضوء تعليق توني بلير حول التنظيم في فبراير(شباط) 2003، بعد وقت قصير من احتلال العراق، حيث قام بلير حينها بإعلام البرلمان بأن: "لدى العراق سجل طويل من دعم الإرهاب، وهذا يشتمل على دعم الجماعات الراديكالية الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين السورية"، وفي الوقت نفسه، أشار بلير، في خطاب ألقاه في وقت سابق حول صعود "الراديكالية الدينية" في مارس(آذار) 2006: "ربما بدأ التطرف الديني من خلال العقيدة والفكر، ولكن سرعان ما تولدت في فروع الإخوان المسلمين عقيدة دعمها متطرفون، وتم تصديرها إلى كافة أنحاء العالم، واليوم، يخطط الإرهابيون في أكثر من 30 أو 40 بلداً لأعمال مرتبطة على نحو فضفاض بهذه العقيدة، وتتمثل وجهة نظري في أن: جذورها عميقة، وهي الآن جزء لا يتجزأ من ثقافة العديد من الشعوب وقادرة على الثوران في أي وقت".

تشير هذه التعليقات كلها إلى أن المسؤولين و الوزراء البريطانيين كانوا على علم تام بأن الإخوان المسلمين وتفرعاتهم ليسوا "معتدلين" تماماً ولا إصلاحيين، وهم كأسلافهم في عقد الخمسينيات، الذين كانوا يدركون أنهم كانوا يتعاونون مع إرهابيين، رغم أن تنظيم الإخوان المسلمين توسع الآن عما كان في السابق، حيث أصبح أشد تعقيداً وتنوعاً، كما غدا شبكةً ذات فروع فيما يقارب سبعين بلداً.

غير أن جماعة الإخوان، كما يدرك المسؤولون البريطانيون، تسعى جاهدةً لـ "تأسيس دولة إسلامية ولفرض أحكام الشريعة"، ويمكن أيضاً أن تعمل باعتبارها نقطة انطلاق للأفراد للانتقال إلى "جماعات أشد عنفاً"، جنباً إلى جنب مع صلاتها الموثقة بالإرهاب.

بعد عدة عقود من قيام لندن وواشنطن بالمساعدة على هزيمة القومية العربية، تجدان نفسيهما مجدداً في موقف يائس نوعاً ما في الشرق الأوسط، حيث تواجه استراتيجيتهما تحدياً على معظم الجبهات، وهما الآن تبحثان عن كل ما يمكنهما الحصول عليه من حلفاء، فيما يبدو أن الرهان على جماعة الإخوان المسلمين، بعد الأحداث الأخيرة في مصر، بات خاسراً.

اقرأ أيضاً
24 يفتح ملف العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان (الحلقة 1)

24 يفتح ملف العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان (الحلقة 2)

العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان (الحلقة 3)

العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان (الحلقة 4)