طفلة سورية ناجية من الزلزال بين يدي عنصر من فريق الإنقاذ في سوريا بعد انتشالها من الركام (وام)
طفلة سورية ناجية من الزلزال بين يدي عنصر من فريق الإنقاذ في سوريا بعد انتشالها من الركام (وام)
الخميس 9 فبراير 2023 / 12:22

دبلوماسية الفارس الشهم

24 - سليم ضيف الله

يمكن اعتبار الزلزال المدمر في تركيا وسوريا، حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الكوارث ضربت المنطقة والعالم بأسره، بسبب الدمار والخراب الذي خلفه، والخسائر الفادحة التي انجرت عنه، والتي سيكشفها الجرد المعمق في البلدين لاحقاً، لنكتشف فاتورته الهائلة على المدى المتوسط والطويل.

وإذا كانت الملتقيات، والمؤتمرات الدولية واللقاءات، والمحادثات الثنائية و متعددة الأطراف، نموذجاً كلاسيكياً للعلاقات بين الدول والشعوب، فإن الأحداث الكبرى، على غرار الكوارث، والبطولات الرياضية العالمية، أو القمم الدولية، مناسبة مميزة أيضاً لإطلاق دبلوماسية من نوع خاص، مرتبطة بالأحداث والتطورات، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُعد أو تُحصى.
ولذلك كانت الإمارات، سباقة في دبلوماسية الكوارث والأزمات، فمن كورونا، إلى الحرب الأهلية في سوريا، ومن فيضانات باكستان والسودان، إلى الجفاف في الصومال، ومن إعادة بناء جامع النوري في الموصل، إلى تأمين المياه النظيفة للأيزيديين في سنجار، كلها محاور وعلامات مضيئة في دبلوماسية الإمارات الناشطة في السنوات الماضية، والتي كان شعارها الأول والأخير "لاتشلون هم" الذي أطلقه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان منذ 2020، في أوج أزمة كورونا المستفحلة.
إن هذه الدبلوماسية الإنسانية، تقف بلا شك اليوم وراء "الفارس الشهم2"، كما وقفت سابقاً خلف فرسان شهامة كُثر، أطلقتهم الإمارات في السنوات الماضية، ليسابقوا الريح في مختلف دول العالم ومناطقه التي هزتها الأزمات، وأنهكتها الكوارث، لتُترجم الشعار إلى فعل، والقول إلى عمل، فالإيمان بالإنسان ليس شعار مرحلة، أو ورقة في ملف، إنها محور أساسي في تحركات وخطوات الإمارات، فلا معنى للأخوة الإنسانية إذا لم تكن خطة عمل، وطوارئ، وإنقاذ، وإلا فإنها ستبقى حبراً على روق ومجرد وثيقة ترقد إلى جانب عشرات الوثائق في الأرشيفات والمكتبات.
والإنسانية والتضامن مع الإنسان، ليست أيضاً مُزايدة ولا مكابرة، هي محور سياسي مركزي في عمل وتحرك الدبلوماسية الإماراتية، لأنها تعني أيضاً درء الخطر، ومعالجة المشاكل في جوهرها ومن جذورها، فالإرهاب والتطرف، والجريمة بأنواعها، أكثر من انحراف سلوكي، أو أخلاقي، فهي أيضاً اختلالات اقتصادية، واجتماعية، لا تتوقف تداعياتها على مجتمعاتها ودولها، وهي في عصر العولمة والاتصال والذكاء الاصطناعي، قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، وفي أي مكان، وهي أيضاً في عصر كورونا، فيروسات وجوائح قابلة للتمدد والانتشار في أي منطقة وفي أي مجتمع، مهما كانت الإجراءات والقرارات التي تتخذ للتصدي لها، بعد ظهورها.
إن دبلوماسية "الفارس الشهم" أو "لاتشلون هم" ليست شعاراً بقدر ما هي نهج عمل ناجع، ومنهج استباقي عميق، يكشف الأزمة في بدايتها، ويعمل على خنقها في المهد، قبل أن تتسرب من الشقوق والثقوب، لذلك يكون التضامن وفق هذه الدبلوماسية، مع الجميع وفي كل مكان، فالخطر إن وُجد يُهدد الجميع وبلا استثناء، ولا يُمكن التصدي له بسياسة النعامة ودبلوماسية دفن الرؤس في الرمال في انتظار هدوء العاصفة.
إن الأعاصير عندما تتشكل لا تستأذن ولا تستشير أحداً، وإذا قامت ضربت، وخلفت وراءها الخراب والدمار، والكثير من الندم أيضاً.