الشرطة الفرنسية تطوق أحد المساجد (ميدل إيست أونلاين)
الشرطة الفرنسية تطوق أحد المساجد (ميدل إيست أونلاين)
الخميس 9 فبراير 2023 / 16:11

دراسة فرنسية تُحذّر: بيئة التطرّف والانضمام لداعش لا زالت موجودة

مع عودة المزيد من المُتطرّفين والمُتشدّدين من خارج البلاد دون القدرة على امتلاك آليات مُراقبتهم، يُواجه المجتمع الفرنسي كغيره من المُجتمعات الأوروبية، صعود ظاهرة التطرّف العنيف بمرجعية سياسية دينية قد تكون الأشد خطراً خاصة في ظلّ توافر نفس الظروف السابقة الملائمة لتجنيد الجهاديين، وهو ما استدعى بحث مجموعة من خبراء الإسلام السياسي في عوامل الانخراط الجهادي بدءاً من عملية الانتماء، مروراً بالتطوّرات العقائدية، وحتى استراتيجيات التجنيد الإلكتروني الجديدة.

ولعلّ كتاب "التفكير في التطرّف الجهادي: الفاعلون، النظريات، التطوّرات" الصادر حديثاً في باريس لمؤلفه إليامين ستول، يكاد يكون الأكثر شمولاً من حيث تقديمه للعديد من النقاشات المتعلقة بالتطرّف الجهادي، وذلك اعتماداً على دراسات في علم الاجتماع وعلم النفس والجغرافيا السياسية، والجمع بين الصرامة الأكاديمية والعمل الميداني الذي اعتمد على دخول بيئة واقعية لسجون الجهاديين.

,يُحاضر المؤلف في العلوم السياسية وعلم الجريمة في جامعات باريس، وهو يقود العديد من المشاريع الأوروبية حول الأوجه المختلفة للراديكالية، ويُدير مؤسسة أكاديمية للوقاية من التطرّف، وقد حرص في كتابه الجديد على تقديم ثروة من المعلومات والتحليلات الأساسية لكلّ من يرغب في فهم ظاهرة معقدة للغاية وتجنّب فخ الاختصارات والافتراضات، مُحاولاً في النهاية تقديم فهم أفضل للتطرّف الجهادي.

"التفكير في التطرف الجهادي" عمل جاد يهدف إلى تشريح ظاهرة معقدة بأسلوب تربوي، ويقترح مؤلفه طريقة جديدة لمقاربة هذه الظاهرة المتمثلة في تبنّي العنف كأسلوب للعمل السياسي، مُشيراً إلى مفاهيم "التطرف" و"الجهادية" و"السلفية" التي غالباً ما يستخدمها السياسيون والمحللون بشكل خاطئ. ويدعو للابتعاد عن المُقاربات النظرية الأحادية التي هيمنت على النقاش الأكاديمي الفرنسي سنوات طويلة.

وفي دراسته، يصف إليامين ستول تجربة وخطأ المسؤولين السياسيين والأمنيين في مواجهة ظاهرة لا يزالوا لا يفهمونها برأيه، وذلك عبر سوء إدارة المعتقلين المتطرفين، أي "العائدين" من صفوف تنظيم داعش الإرهابي، وعدم فاعلية آليات اجتثاث التطرّف التي تناولها بالفعل باحثو المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي.

ويؤكد المؤلف أنّ الأخطاء الفردية والاختلالات في المجتمعات الغربية أدّت إلى انفجار ما يُسمّى بالراديكالية الإسلامية، فيما القيادة على الأرجح لن تكون قادرة على الوصول إلى المستوى المطلوب من الكفاءة بسبب الشعور بالضيق والإحباطات التي تؤثر على قطاعات كاملة من الشباب.

ويرى أنّه من السذاجة، الاعتقاد بأنّ التحييد العسكري لتنظيم داعش الإرهابي سيؤدي بشكل آلي إلى تجفيف الطلب على هوية التطرّف. فإذا لم يعد العرض الأيديولوجي المُتاح حالياً جذاباً كما كان قبل بضع سنوات، إلا إنّ الظروف الاجتماعية التي ساعدت على إنشاء بيئة خصبة للإرهاب تظلّ موجودة وعلى حالها نوعاً ما، لم تتغير. ومن هنا تبرز الحاجة إلى وجود سلطات عامة تتصدى بفاعلية لعُمق الانقسامات الاجتماعية والرمزية في المجتمع واستيعاب غضب قسم من الشباب والسعي لاحتواءه.

قسّم إليامين ستول كتابه إلى 6 فصول سلّطت الضوء على كل بُعد نظري أو عملي لموضوع التطرف الجهادي. يعرض الفصل الأول منها للنظريات التفسيرية التي تمّ صياغتها في السنوات الأخيرة مُستعيداً الخلافات الأكاديمية الرئيسية حول هذا المفهوم. أما الفصل الثاني فيضع الظاهرة في سياقها الجيوسياسي ويطرح عدّة تيارات دينية سياسية، وعلاقاتها بالتطرف. فيما يصف الفصل الثالث تنوّع الدوافع والمسارات الاجتماعية لعملية تجنيد عشرات الآلاف من الأشخاص من مختلف دول العالم، من الذين انضموا إلى صفوف تنظيم داعش الإرهابي.

ويُناقش الفصل الرابع التحليلات النظرية المختلفة التي توضح جدّية الالتزام الجهادي، مُقدّماً خمسة أنواع من الدوافع: الإخلاص، والعاطفة، والتسييس، والخداع والقيادة، فيما شرائح معينة من الشباب تجذبهم الأيديولوجية الجهادية، والانبهار بمظاهر حمل السلاح والشعور بالقوة. أما الفصل الخامس فيتناول العلاقات المتوترة بين الجيش والجهاديين الذين دائماً ما يستهدفون بشكل رئيس كل من يرتدي الزي العسكري، باعتبارهم الجناح المسلح للقوى الحكومية "غير الصالحة" بنظرهم.

وأخيراً، فإنّ الفصل السادس من الكتاب يُركّز على الطرق المختلفة التي يُمكن للسلطات الحكومية أن تستجيب بها لخطورة ظاهرة التطرّف المُتنامية، وذلك بالاعتماد على حقائق وتحليلات سبق مناقشتها في عمل باحثي وخبراء المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي بعنوان "سياسة ضد التطرف".