الخميس 9 فبراير 2023 / 19:23

 محمد بن زايد.. فروسية وشهامة

لم يتأخر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، عن التفاعل الإنساني والمبادرة القيادية، بعد الزلزال المأساوي الذي خلف عشرات آلاف القتلى والجرحى والنازحين في كل من سوريا وتركيا، فسارع إلى التوجيه بإغاثة المنكوبين وتخفيف معاناة مئات آلاف المشردين على جانبي الحدود.


مأساة إنسانية مروعة، وقف أمامها العالم مشلولاً، يشاهد الصور ويعزي ويتألم. لكن محمد بن زايد لم يكتف بالمشاعر النبيلة والدعم المعنوي فحسب، بل أصدر على الفور توجيهاته إلى قيادة العمليات المشتركة ببدء عملية "الفارس الشهم2" لدعم الشعبين السوري والتركي.


وفي صباح يوم الزلزال المروّع، وقبل أن يفيق العالم من صدمته، كانت أول طائرة مساعدات إماراتية تنطلق من العاصمة أبوظبي إلى مطار أضنة جنوب تركيا، حاملة فرق البحث والإنقاذ والطواقم والمعدات الطبية، كما وجه رئيس الدولة بإنشاء مستشفى ميداني، وإرسال فريقي إنقاذ وإمدادات عاجلة إلى المتضررين من الزلزال في سوريا وتركيا.


ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وجه الشيخ محمد بن زايد بتقديم 100 مليون دولار لإغاثة المتضررين من الزلزال في البلدين، تضاف إلى 50 مليون درهم أقرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي لمساعدة الشعب السوري.

جسور الخير

إن هذه الأخلاق السامية لدى القيادة الإماراتية، نرى أثرها أيضاً في أهل الإمارات وهيئاتها ومؤسساتها، فقد أطلقت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي وبالتنسيق مع وزارة الخارجية والتعاون الدولي ووزارة تنمية المجتمع، حملة "جسور الخير" للمساعدة في تجميع وتعبئة حزم الإغاثة للمتضررين من الزلازل، وستبدأ الحملة بتعبئة المساعدات الأولية يوم السبت في كل من مركز أبوظبي الوطني للمعارض "أدنيك"، ومركز دبي للمعارض، على أن تستمر عملية جمع التبرعات النقدية والعينية لمدة أسبوعين وبشكل مباشر من قبل هيئة الهلال الأحمر الاماراتي والمؤسسات الإنسانية والخيرية الإماراتية المشاركة في المبادرة.

كلي يقين أن مئات الآلاف من أهل الإمارات سيسارعون إلى تقديم الدعم لإخوتهم في الإنسانية في كل من سوريا وتركيا، فهذه أخلاق عيال زايد، وهذا ما تربوا عليه، وهذا ما تعلموه من قادتهم، ألا يفرّقوا بين محتاج وآخر في أوقات الشدة، وهذا ما رأوه أيضاً يحدث أمامهم، عندما اتجهت معظم المساعدات العالمية إلى تركيا وتجاهلت الشعب السوري، رأوا بلادهم ترسل المساعدات إلى البلدين بالتساوي، ففي مثل هذه المواقف لا كلمة تعلو فوق كلمة الإنسانية، انسجاما مع إرث الأب المؤسس زايد بإغاثة الملهوف في كل مكان من العالم، أياً كانت جنسيته وعرقه وديانته.


إن الإمارات العربية المتحدة، قيادة وشعباً، لم تتوان يوماً عن مساعدة الملهوف، ومد يدها لكل محتاج، ويشهد  التاريخ على دور الأب المؤسس الشيخ زايد طيب الله ثراه، الذي دشن نموذج العطاء الإنساني الذي تقدمه دولة الإمارات إلى العالم مع نشأتها عام 1971، حيث أسس خلال عام 1971 صندوق أبوظبي للتنمية، ليكون عوناً للأشقاء والأصدقاء بالإسهام في مشروعات التنمية والنماء لشعوبهم، كما أنشأ عام 1992 مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية لتكون ذراعاً ممتدة في ساحات العطاء الإنساني ومجالاته جميعها داخل الدولة وخارجها. وقد بلغت قيمة المساعدات التنموية والإنسانية التي تم توجيهها من الإمارات خلال الفترة من العام 1971 حتى العام 2004، ما يقارب نحو 90.5 مليار درهم، فيما تخطى عدد الدول التي استفادت من مساعدات الإمارات الإنسانية 117 دولة.


واستمر هذا العطاء في عهد الشيخ خليفة بن زايد رحمه الله، وجاء الفارس الشهم الشيخ محمد بن زايد ليكمل المسيرة، ويزيد الإمارات خيراً وعطاء، ويكفي تذكر دوره التاريخي ومبادراته الإنسانية خلال جائحة "كوفيد19" لتوجيه الدعم لكل الدول حول العالم، وقبل أيام قلائل توج دور الإمارات الرائد في إطفاء نار الحرب حول العالم ونشر السلام، بوساطة استثنائية في صفقة لتبادل الأسرى بين كييف وموسكو، حيث استعادت أوكرانيا 116 أسير حرب واستعادت روسيا 63 عسكرياً وتضمنت الصفقة أيضا إعادةَ جثتيْ مُتطوعين بريطانيين إلى كييف.

يد العون

لا يمكن النظر إلى كل هذا المنجز الإنساني التاريخي المتواصل لدولة الإمارات، دون تذكر مقولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: "إننا نؤمن بأن خير الثروة التي حبانا الله بها يجب أن يعم أصدقاءنا وأشقاءنا"، وأيضاً ما قاله الشيخ محمد بن زايد خلال أول خطاب شامل يتناول فيه رؤيته لسياسة دولة الإمارات الداخلية والخارجية بعد توليه مقاليد الحكم، حين قال: "على نهج زايد الخير.. سنعمل على تعزيز دورنا ضمن الدول الرائدة عالمياً في تقديم المساعدات التنموية والإنسانية والعمل الخيري.. والاستمرار في مد يد العون إلى المجتمعات في جميع أنحاء العالم دون النظر إلى دين أو عرق أو لون".


إن ما قدمته الإمارات من دعم إلى كل من سوريا وتركيا، لهو أكبر مما قدمته دول مجتمعة، إذ لم تكتف بالمساعدة في مجال واحد، بل تعدد عطاؤها ما بين مساعدات إنسانية وطبية وإرسال فرق إنقاذ وبحث وإطلاق حملات تمويلية وتقديم دعم مالي، لتضرب أروع الأمثلة في التضامن الإنساني، تأكيداً على دورها الرائد في مجال دعم العمل الإنساني والخيري والإغاثي وتعزيز الأخوة الإنسانية، وترسيخ مكانتها عالميا كعاصمة للخير والعمل الإنساني.
عمل الشيخ محمد بن زايد ويعمل على ترسيخ مكانة دولة الإمارات كعاصمة للخير والعمل الإنساني، وأصبح اسمه وصورته مرتبطين لدى جميع أبناء المعمورة بقيم التكافل والتعاضد والتعاون، أصبح في عيون الجميع الفارس الشهم، مصدر الإلهام الذي يتطلع إليه الجميع في الملمات وهم يعرفون أنه سيسبقهم بكرمه وتسابقه إلى العطاء وفعل الخير. مكارم ومآثر وعطاءات جمة لا يسعنا معها إلا أن نستذكر قول أبي الطيب:
قَد شَغَلَ الناسَ كَثرَةُ الأَمَلِ.. وَأَنتَ بِالمَكرُماتِ في شُغُلِ
تَمَثَّلوا حاتِماً وَلَو عَقَلوا.. لَكُنتَ في الجودِ غايَةَ المَثَلِ