تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الإثنين 20 فبراير 2023 / 22:08

الإسراء والمعراج.. رؤية إنسانية حضارية

إن معجزة الإسراء والمعراج يمكن أن تضيء للعقل المسلم آفاقًا جديدة من الوعي والفهم والتبصُّر؛ لأن هذه المعجزة الفريدة تحمل الكثير من الدروس المستفادة، ولأن تفعيلها والنهل من إرثها هو الذي يعمِّق أثرها في النفوس، والنفاذ بسهولة إلى مختلف الأزمان والأجيال.

لا يخفى على أحدٍ أهميَّة الصَّلاة في حياة المسلمين وعقيدتهم كونها منهاج حياة


إن يوم الاسراء والمعراج لا يخلو من حكمة عظيمة، يقصر العقل عن اكتشافها أو الولوج إلى أسرارها، أو إلى ما رسخته من أسس متينة لعلاقة أمة خاتم الرسل بالأمم الأخرى، وما يمكن أن يستوعبه عقلنا أن هذه الليلة جاءت تكريمًا إلهيًّا للصادق الأمين، واصطفاءً له ولأمته على العالمين.

وقد اصطفى الله هذا البلد "القدس"، وبارك فيها وبارك حولها، واختارها لتكون مهبطًا للرسالات، وموطنًا للأنبياء والمرسلين، وأطلق الله على عليه اسم "المسجد" الأقصى؛ الذي هو اسم بيت العبادة في الإسلام، مما يؤكِّد أن علاقة الصلاة مع مدينة التسامح علاقة وطيدة، وذلك حينما صلى النبي بالأنبياء جميعًا إمامًا فى بيت المقدس؛ لتوطيد الأواصر، وإبراز احترام مكانة الأديان الأخرى، وتعزيز التسامح، وأنه لا إكراه فى الدين.

ولا يخفى على أحدٍ أهميَّة الصَّلاة في حياة المسلمين وعقيدتهم؛ كونها منهاج حياة، فهي الرّكن الثّاني للإسلام، وهي ذروة وعموده، وهذا معنى روحاني يتكامل مع العروج من بيت المقدس إلى السموات العُلا.
وقد ظلَّت القدس- هذه المدينة العظيمة- مرتبطة بركن من أركان الإسلام الأصيلة، حينما تلقّى نبيُّنا من الله تعاليم الصلاة، وكيفية أدائها في ليلة المعراج، فريضه الصلاة منهاج حياة للأمة، فهذه المدينة نموذج حي على المحبة، ومصدر للتسامح، ومهد للسلام والتعايش والشراكة الإنسانية، فعلى أرضها المباركة منظومة من القيم العليا دعت إليها الرسالات السماوية.

هل يمكن لنا أن نفهم أن اجتماع الرسل السابقين مع النبي صلى الله عليه وسلم، وصلاته بهم إمامًا، وقيادته لهم في هذه الحادثة، هو أمر يراد منه أن تسعى أمته الخاتمة إلى أن تجمع الأديان على المبادئ الإسلامية السمحة، بحيث يكمل الإسلام مكارمها، ويقوِّم تعاليمها، ويرد للدين فطرته، وللإنسانية كرامتها، ويعمل على تعزيز المشتركات الإنسانية، وترسيخ الإيمان بوحدة الغاية والهدف للأديان الثلاثة، وتفعيل قيم التعايش والتسامح والسلام، التي أتت من أجلها الأديان السماوية؟

نعم يحق لنا ذلك، وأن نؤمن بأن الأمة المحمدية هي الخاتمة لهدي النبوّات كلّها، والحافظة على أهمِّ مبادئها وقيمها وآدابها؛ وتبعًا لذلك فهي خير الأمم؛ لأنها وريثة النبوّات والرسالات السماوية.

أما القدس فهي مهبط الوحي الأوَّل لكل الأنبياء، وهي مكان الإسراء النهائي إلى بيت المقدس، وأول المعراج من بيت المقدس، وقد اصطفى الله هذا البلد "القدس"، وبارك فيها وما حولها، للدلالة على عظيم منزلتها وتنوعها الإنساني الكبير، ورفعة مقامها وشأن القاطنين فيها.

وفى ليلة الإسراء والمعراج أُتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بإناءين، في أحدهما خمر، وفي الآخر لبن، فقال فأخذت إناء اللبن فشربت منه، فقال جبريل عليه السلام : هُديتَ للفطرة، وهديتْ أمتك يا محمد، وهذا يدل على مدى نقاء الإسلام وشفافية تعاليمه، وأن المسلم مجبول على الفطرة السمحة.

إن الحضارة الإنسانيّة الرشيدة وقواعدها الربّانيّة، تدعونا لقيمةِ الاصطفاف حول الأهدافِ المشتركة، من غرس قيم الأخوة الإنسانية وحوار الحضارات، والمجادلة بالتي هي أحسن، ومدِّ جسور التواصل والتعاون مع مختلف ثقافات وأديان الشعوب الأخرى.

إن هذه المناسبات الدينية تؤكد أن هناك جوانب ثرية فى تراثنا، وفضاءً منفتحًا يقبل الآخر، لتعزيز التنوع والاختلاف، هذه الجوانب المضيئة تُظهر قيم السماحة والتعايش مع الأديان الأخرى، ونشر مفهوم السلام بين البشر مهما كان اختلافهم في الدين.
كل عام وبلادنا بخير وأمتنا العربية والإسلامية العالم أجمع.