تعبيرية.
تعبيرية.
الإثنين 6 مارس 2023 / 17:17

الإمارات تقرأ ... توطين ثقافة القراءة وصناعة الحياة

فكرة خلَّاقة من مجتمع إماراتي مبدع بالفطرة، نرجو أن تؤتي ثمارها جيلاً قارئًا





تنفيذًا لقرار مجلس الوزراء الذي جعل شهر مارس(آذار) من كل عام شهرًا وطنيًّا للقراءة؛ تحتفي دولة الإمارات هذا الشهر بالقراءة تحت شعار  "الإمارات تقرأ" لتعزيز الارتباط بالقراءة، وزيادة توطين ثقافة القراءة في وجدان أبنائنا، وتكثيف المبادرات والبرامج المشجِّعة على القراءة. وتعمل  وزارة الثقافة والشباب بالتنسيق مع مختلف مؤسسات الدولة لإطلاق المبادرات المتميزة التي تسهم في بناء مجتمع قارئ متسلح بالعلم والمعرفة، قادر على قيادة مسيرة التنمية المستدامة في الدولة.
إن ازدهار الثقافة والأدب والفكر والنقد هو سبب تقدم الأمم، بل هو سرُّ التميز الإنساني، وإثراء التاريخ، وتعميق الفعل الحضاري؛ ولهذا فنحن بحاجة إلى سياسة ثقافيَّة تدحر الأميَّة الثقافيَّة، وتعيد تجديد جوهر الثقافة لا قشورها، من أجل بناء الشخصيَّة الإنسانيَّة القادرة على صناعة الحياة.
واستكمالًا للزخم القرائي والمعرفي وتعزيزًا له، يهدف الشهر الوطني للقراءة إلى ترسيخ استدامة القراءة كظاهرة عربيَّة ومجتمعيَّة شاملة، بل اعتبارها حجر الزاوية لصناعة الأمل وتحقيق الحُلم العربي للأجيال القادمة ليقودوا المستقبل.
إن الثقافة والأمن قادران معًا على أن يصنعا الفارق في عالم مليء بالاضطرابات، ولهذا بات التنوع الثقافي لدولتنا قوَّة رافدة للتنمية والتقدم، لا سيَّما أن الثقافة قادرة على أن تتفاعل مع وتيرة الأحداث الجديدة محليًّا وعالميًّا في سياق الحاضر، وقادرة على أن تخلق رؤية مستقبليَّة ذات طابع معتدل، ليس رغبة في ترسيخ العمق الثقافي فحسب، ولكن سعيًا إلى تغيير المجتمعات فكرًا وعقلًا وروحًا ووجدانًا.
ما زلت أؤكد أن المجتمعات العربيَّة بحاجة إلى القراءة لمواجهة تحديات المستقبل، والتخلص من الأوضاع الاقتصاديَّة الراهنة، ومحاولة تحسين جودة الحياة، وزيادة الإنتاج الأدبي، فهل تجد القراءة مكانًا لها في حياة المواطن العربي في ظل هذه المعارك الحياتيَّة اليوميَّة الطاحنة؟!
إن الإحصاءات في العالم العربي تقول إن متوسط معدل القراءة في العالم العربي لا يتعدى الربع صفحة للفرد سنويًّا، وأن المواطن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويًا.. وإنني وإن كنت أرى أن هذه البيانات غير منصفة بل جائرة، ومع ذلك القراءة نافدة لتعلم اللغة العربية، ولابد من المؤسسات التعليمية أن تقوم بدورها بأن تجعل فعل القراءة عادة يألفها الطلاب خارج المنهاج الدراسي، من أجل إحياء ما تبقى من الأمل في أن تتبوأ القراءة مكانها بين أولويات شبابنا.
إن أمة إقرأ يجب أن تقرأ، التربية الفكرية بحاجة إلى قراءة عميقة وحرة ؛ لإن القراءة الرصينة تمثّل تفحّصاً واستبطاناً ورياضة ذهنية وروحية وعقلية. كما يكتسب الأفراد ثقافة يغلب عليها الشفوي وما يتصل بالمعرفة الهشة والسطحية، وعموماً يظهر أن عادة القراءة غير منتشرة في الممارسة الثقافية للشباب العربي، ولابدّ أن تكون هذه الموهبة متأصلة ومدعومة باستمرار لأنّ التطوُّر والتكامل الإنساني رهين بها.
يصيبنا الإحباط حينما أجد أجيالنا الحاضرة لا تمتلك الرغبة في قراءة أمهات الكتب، ولا تعتمد على الكتب الرصينة، خلال متابعتها لفعل القراءة. ما زال الشباب المعاصر يعاني من التاثيرات السلبية الذي نشأ عليها سواء أكان ثقافة السرعة والاستهلاك، ومقتطفات من الحكمة الوجيزة، أم عناوين الصحف وخلاصات الكتب عبر التقنيات الحديثة.
هل يستطيع الشباب أن يقودوا الحضارة بدون النصوص العميقة، وبدون توليد سياقات جديدة من التفكير العلمي الصحيح؟. لن يكون ذلك إلا بالقراءة المستقاة من ينابيع الفكر العربي الأصيل.
لا شكَّ في أن القراءة هي الوحيدة القادرة على ترويض المارد في داخل الإنسان، بالتسامي والتعالي عن الشر والوحشيَّة والعنف، وإيجاد خطاب ثقافي يُحسِّن الترويج للإسلام التنويري، ومعالجة هذا التدين المنحرف الذى يكرُّس للعنف ويسلب الإنسان من إنسانيته، ويُنكر عليه القدرة على التطوُّر.
وتنبـــع أهميَّة هذه المبادرة مـــن كونها فرصة جيدة وأداة عمليَّة لتصميم وتخطيط وإطلاق مبـــادرات قرائيَّة ثريَّة ومتنوعة تســـهم فـــي الاحتفـــاء بالقراءة، وترســـيخها كعادة يوميَّة أصيلة بين أفـــراد مجتمع الإمارات.
إنها فكرة خلَّاقة من مجتمع إماراتي مبدع بالفطرة، نرجو أن تؤتي ثمارها جيلاً قارئًا ومثقفًا واعيًا، وأن تكون فكرة ملهمة لغيرنا من القائمين على تربية النشء في بقيَّة الأقطار العربيَّة الشقيقة.