الحرب في اليمن أودت بحياة عشرات الألآف ودمرت اقتصاد البلاد (أرشيف)
الحرب في اليمن أودت بحياة عشرات الألآف ودمرت اقتصاد البلاد (أرشيف)
الخميس 16 مارس 2023 / 14:11

جهود حثيثة لإنهاء الحرب في اليمن.. فهل تنجح؟

24. إعداد: شادية سرحان

بعد التقارب السعودي الإيراني، توالت ردود الفعل الإقليمية والدولية المرحبة بهذا الاتفاق التاريخي، الذي أعلنته الرياض وطهران، مثيراً الكثير من التساؤلات حول مدى انعكاس ذلك على الملف اليمني المثقل بدماء حرب ضروس أشعلها وكلاء طهران منذ 9سنوات، وإذا كان هذا الاتفاق سيوفر إطاراً دبلوماسياً لتسوية سياسية بين أطراف الصراع المختلفة.

المبعوث الأمريكي تيم ليندركينغ يبدأ جولة خليجية لدفع عملية السلام في اليمن

خبراء يستبعدون أن يكون الاتفاق السعودي الإيراني بمثابة "الحل السحري" للأزمة اليمنية

وفي خطوة قد تنطوي عليها تغيرات إقليمية كبرى، أعلنت السعودية وإيران، الجمعة الماضية، استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإعادة فتح السفارتين في مدة أقصاها شهران، وذلك عقب مباحثات برعاية صينية في بيجين، فهل تؤثر عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بشكل إيجابي على الملف اليمني الذي يعد من أبرز الملفات التي سيطالها الاتفاق السعودي الإيراني، 

والاتفاق وقّعه كلّا من الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني السعودي، مساعد بن محمد العيبان، الجمعة الماضية، واتفق خلاله البلدان على على "احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية"، وعلى إعادة تفعيل اتفاقية للتعاون الأمني التي تعود لعام 2001، بالإضافة إلى اتفاقية أخرى سابقة للتجارة والاقتصاد والاستثمار. 

 

زخم دولي

وعلى إثر هذا الاتفاق التاريخي بين الرياض وطهران، بدأ المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، أمس الأربعاء ، جولة خليجية تشمل السعودية وعمان، لدفع عملية سلام شاملة بقيادة يمنية وبرعاية أممية.

وجاء ذلك وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية نشره مكتب شؤون الشرق الأدنى في الوزارة عبر حسابه الرسمي على تويتر.

وأفادت الخارجية بأن "جولة ليندركينغ (لم تحدد المدة) تهدف لمواصلة الجهود المكثفة للبناء على الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة وجلبت نحو عام من الهدوء في اليمن".
وأضافت: "سيحث ليندركينغ جميع الأطراف على اغتنام الفرصة للتوصل إلى اتفاق جديد والتحرك نحو عملية سلام شاملة بقيادة يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة".
وحسب الخارجية الأمريكية، "الرحلة تأتي في أعقاب المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس (جو) بايدن مع سلطان عمان هيثم بن طارق آل سعيد حول اليمن قبل نحو أسبوع".
وفي 7 مارس(آذار) الحالي، شكر بايدن، خلال مكالمة هاتفية أجراها مع سلطان عُمان هيثم بن طارق، دعم الأخير للهدنة التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن.
ووفق الخارجية، سيشجع ليندر كينغ خلال جولته، "المانحين على التبرّع بسخاء لمعالجة أسوأ أزمة إنسانية في العالم والمساعدة في ضمان أن تؤدي جهود السلام إلى فوائد ملموسة لليمنيين".


ومن جانبه، حث وسيط الأمم المتحدة في اليمن الأطراف المتحاربة أمس على "انتهاز الفرصة" لاتخاذ خطوات حاسمة صوب السلام، وقال إن "الزخم لإنهاء الصراع تجدد بفضل اتفاق السعودية وإيران على استئناف العلاقات".

وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانز غروندبرغ لمجلس الأمن الدولي إن "جهوداً دبلوماسية مكثفة تجري على مستويات مختلفة لإنهاء الصراع في اليمن"، مضيفاً "نشهد في الوقت الراهن زخما دبلوماسيا إقليمياً متجدداً بالإضافة إلى تغيير كبير في نطاق وعمق المناقشات"، مرحباً بالجهود الحثيثة للمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان.وأضاف غروندبرغ، الذي زار طهران في وقت سابق من هذا الأسبوع، أمام مجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 عضوا "على الأطراف انتهاز الفرصة المتمثلة في هذا الزخم الإقليمي والدولي لاتخاذ خطوات حاسمة باتجاه مستقبل أكثر سلمية".

وأوضح أن "الوضع العسكري العام في اليمن لا يزال مستقراً نسبياً... لكن هذا (الاستقرار) هش"، مضيفاً "الهدنة لا يمكن أن تكون سوى نقطة انطلاق. نحن بحاجة ماسة للبناء على ما تم تحقيقه من خلال الهدنة والعمل من أجل وقف إطلاق النار على مستوى البلاد والتوصل إلى تسوية سياسية شاملة لإنهاء الصراع في اليمن".

وبدوره رحّب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في مؤتمر صحافي في نيويورك بالتقارب السعودي الإيراني، وقال دوجاريك "إنها فرصة بالتأكيد" مشددا على أن ما تحقق يعد اختراقا كبيرا. وأعرب عن أمله بأن "يخلق ذلك مناخا يساعد على ترسيخ مسار سياسي نحو السلام في اليمن".

 

تمديد الهدنة

وتبذل الأمم المتحدة وجهات دولية وإقليمية جهوداً لاستئناف هدنة في اليمن بدأت في أبريل (نيسان) وجرى تمديدها أكثر من مرة حتى الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) ، عندما رفض الحوثيون تجديدها ببنود إضافية ومدة 6 أشهر.

وفي السياق، لا يستبعد باحثون سياسيون تأثيرات هذا التقارب في المشهد اليمني بالشروع في خفض التصعيد والاستمرار في التهدئة مع اقتراب متوقع لتمديد الهدنة الأممية المنتهية منذ شهر عدة، إذ نقلت وكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية عن الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن (AGSIW)k حسين إبيش، قوله: إنه "من المحتمل جداً أن تلتزم طهران بالضغط على حلفائها في اليمن ليكونوا أكثر استعداداً لإنهاء الصراع في ذلك البلد، لكننا لا نعرف حتى الآن ما هي التفاهمات التي تم التوصل إليها من وراء الكواليس". 

وبدورها، قالت الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، سينزيا بيانكو، لوكالة "رويترز" إن "الرياض كانت تسعى للحصول على ضمانات أمنية من الإيرانيين، وهو ما قد يكون توافر من خلال إعادة تفعيل الاتفاقية الأمنية لعام 2001".

وأضافت أن إيران ربما استجابت أيضا بشكل إيجابي لدعوات الرياض لها "لدفع الحوثيين نحو توقيع اتفاقية سلام مع السعودية، تحرر السعوديين من حرب اليمن التي صارت خاسرة بالنسبة لهم".

وتابعت بيانكو "إذا تمت تسوية هاتين المسألتين فأنا على ثقة في الاتفاق ومشاعري إيجابية تجاهه".

وكان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، قد قال، في يناير (كانون الثاني)، إنه يجري إحراز تقدم نحو إنهاء الصراع في اليمن.

ومن جهته، قال وزير الخارجية في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أحمد عوض بن مبارك: "نحن دائماً جاهزون للسلام ونتفق تماماً بأن الهدنة لا يمكن أن تكون سوى نقطة انطلاق من أجل وقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية شاملة"، مضيفاً "ولذلك سندعم كل الجهود الدولية والإقليمية ولكن سنتعامل بحذر مع الأقوال المعلنة من إيران، إلى أن نرى تغيراً واقعياً في سلوك الميليشيات الحوثية يعكسه تعاطيها الجاد مع مبادرات السلام وتخليها عن العنف والأفكار العنصرية".

وفي المقابل، أكّد الحوثيون على لسان المتحدث باسمهم محمد عبدالسلام أن "المنطقة بحاجة إلى عودة العلاقات الطبيعية بين دولها".

 

"حل سحري"

ومن جهة أخرى، يستبعد محللون  أن يؤدي التقارب السعودي الإيراني  إلى حل سحري في اليمن، حيث يعد نفوذ الخصمين الإقليميين واحداً من الأبعاد الكثيرة للصراع.

وبحسب خبراء، فإن "للاتفاق أبعاداً إقليمية إيجابية قد تساعد على التهدئة في اليمن، لكن تحقيق اختراق فعلي لا يزال بعيداً".


وفي السياق، يرى الكاتب اليمني علي الفقيه في الموقع اليمين "المصدر أونلاين"، أن"جل ما قد يعمله هذا الاتفاق أن يحد من الحضور الإقليمي في تفاصيل الصراع ليصبح أكثر محلية حتى يتمكن أحد الأطراف من السيطرة المسلحة على كل أرجاء اليمن، مع أن جماعة الحوثي في حال شعورها بعدم القدرة على ابتلاع اللقمة كاملة قد تقبل بفكرة التقسيم أو إبقاء الكانتونات ولو مرحلياً حتى تلتقط أنفاسها لتعاود الكرَّة".

وأكد الكاتب   أن "الحرب في اليمن أكثر تعقيداً من مجرد كونها صراع نفوذ بين السعودية وإيران وإن كان هذا الجانب حاضراً. وبالتالي فإن الصراع في اليمن قد يأخذ منحى آخر بالنظر إلى طبيعة وبنية الجماعة الحوثية الرافضة لحق الشعب في اختيار من يحكمه".

وتعدّ إيران والسعودية أهم قوّتَين إقليميّتَين، وهما على طرفَي نقيض في معظم ملفّات منطقة الشرق الأوسط، وأبرزها الحرب اليمنية.
وتقود الرياض تحالفاً عسكرياً من أجل دعم السلطة الشرعية في اليمن، بينما تدعم طهران المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد، من بينها العاصمة صنعاء.

النوايا الإيرانية

ووفقاً للخبراء في الشأن اليمني، تمثل الأزمة في اليمن، أهم اختبار للنوايا الإيرانية، ومدى التزامها بتجسيد الاتفاق، ففي ظل تعقيدات المشهد اليمني بسبب الدور الإيراني الذي كان حجر عثرة في مسار العملية السياسية اليمنية من خلال تبنيه المواقف والاشتراطات الحوثية، من المرجح أن يشهد الملف اليمني تحولاً كبيراً بعد الاتفاق السعودي الإيراني، حيث إن الاتفاق يعتبر بمثابة عامل معزز لجهود السلام الدولية والإقليمية ومبادرات السلام التي توصلت إلى تهدئة على المستوى العسكري ابتداء من شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، لافتين إلى أنه من المفترض أن تنخرط جماعة الحوثي بشكل جاد في مباحثات السلام مع مجلس القيادة الرئاسي، الأمر الذي سيؤدي إلى رسم ملامح جديدة في مسار التسوية السياسية في اليمن، إذ أعلنت البعثة الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة أن استئناف العلاقات بين إيران والسعودية سيسهم في بداية الحوار اليمني، وتشكيل حكومة وطنية شاملة في اليمن على وجه التحديد.

ويذكر أن الصراع في اليمن، أودى بعشرات آلاف المواطنين وتسبب بأزمة إنسانية وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم مع نزوح ملايين الأشخاص، وفي عام 2021، قالت الأمم المتحدة، إن "الحرب في اليمن خلّفت 377 ألف قتيل، وكبّدت اقتصاد اليمن خسائر 126 مليار دولار في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم".