موقعو الاتفاق السعودي-الإيراني في بكين.(أ ف ب)
موقعو الاتفاق السعودي-الإيراني في بكين.(أ ف ب)
الجمعة 17 مارس 2023 / 13:47

السعودية وإيران تلقنان أمريكا درساً في البراغماتية

24- طارق العليان

لا يزال الاتفاق المفاجئ الذي أعلن الأسبوع الماضي لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران يثير تساؤلات عن تداعياته على المنطقة والعالم.

تحمي بكين مصالحها الاقتصادية، وبالتالي تستفيد من العلاقات الودية بين شركائها





وفيما يعتبره محللون بداية حل للصراعات الإقليمية التي تؤججها العداوة بين الرياض وطهران، يفسره آخرون بأنه رد من السعودية على ما تعدُّه دعماً فاتراً من الولايات المتحدة في مواجهة إيران، وخطوة براغماتية من جانب الصين لحماية مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وفق تحليل لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتهام هاوس، بموقع مجلة "وورلد بولتيكس ريفيو" الأمريكية.

ولعل ما يثير القلق أكثر من أي شيء آخر، وفق الكاتبة، هو أن المملكة استُهْدِفَت بشكلٍ مباشر لمدة خمس سنوات بهجمات صاروخية شنها الحوثيون بأسلحة إيرانية. ففي عام 2019، ألحقَ هجوم صاروخيّ وطائرة بدون طيار أضراراً جسيمة باثنتين من منشآت معالجة النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية. ورغم أن الحوثيين تبنوا الهجوم، إلا أن بعض الطائرات دون طيار جاءت من اتجاه يشير إلى تورُّط إيران.
ولم تكن الرياض راضية عن موقف واشنطن من كل هذه القضايا. واحتجّ السعوديون بأن الرئيس السابق باراك أوباما ومَن خلفوه لم يمارسوا ضغوطاً دبلوماسية أو عسكرية كافية للحد من انتشار النفوذ الإيراني في سوريا.


التدخلات الإقليمية


كما فَصَلَ أوباما عمداً مسألة تدخلات إيران الإقليمية عن ملف برنامجها للتخصيب النووي لتسهيل المفاوضات بشأن الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، مما أثار غضب السعوديين الذين عارضوا الصفقة.
وفي فترة أحدث، وتحديداً عام 2019، وعدَ المرشح الرئاسي آنذاك جو بايدن خلال مُناظرة ديمقراطية قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2020، "بنبذ" المملكة العربية السعودية سياسياً.


وشرعَ بايدن في إثارة حفيظة المملكة بقدرٍ أكبر إذ سعى إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي انسحب منه سلفه دونالد ترامب في عام 2018.
طيلة هذه المدة، صعَّدَت إيران مستوى مغامراتها العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط. وبدعمٍ من طهران، أصبح حزب الله الفاعل السياسي المهيمن في لبنان، وصار يستغل هذه المكانة لممارسة ما يرقى إلى حق النقض السياسي، على سبيل المثال فيما يختص باختيار مرشح لمنصب الرئيس الشاغر في الدولة. فضلاً عن ذلك، أدى دعم إيران إلى مكاسب للحوثيين في اليمن.
ولكن رغم هجمات الحوثيين على منشآت نفط أرامكو السعودية ومواقع سعودية أخرى، لم تضع الولايات المتحدة سياسةً شاملة بشأن تدخلات إيران الإقليمية. وسعت السعودية إلى تهدئة الصراع اليمني ومواجهتها الأوسع مع إيران، والانخراط في محادثات مستمرة مع الحوثيين وكذلك مع طهران على مدى العامين الماضيين.


شراكات اقتصادية


وبالنسبة للصين، فإن استضافة مستشاري الأمن القومي للبلدين في حفل التوقيع يُتوِّج جهود بكين الرامية إلى تكثيف مشاركتها في المنطقة. فقد وقَّعَت الصين وإيران شراكة استراتيجية شاملة لمدة 25 عاماً في عام 2021، رغم أن بكين لم تزد دعمها الاقتصادي لطهران بشكلٍ كبير منذ ذلك الحين.
وزار الرئيس الصيني شي جين بينغ السعودية في ديسمبر (كانون الأول) 2022، حيث وقَّع اتفاقية شراكة استراتيجية مماثلة مع ولي العهد محمد بن سلمان، وشارك في القمة الخليجية والقمة العربية. وكان الاستقبال الذي حظي به شي في الرياض متناقضاً بشكل ملحوظ مع الترحيب المُتدني المستوى الذي لقيه بايدن في زيارته الرئاسية في يوليو (تموز) السابق.


ثقل اقتصادي ونفوذ سياسي


وإذ تتوسط الصين في الاتفاق السعودي الإيراني الجديد في وقت يتصاعد فيه التوتر بين بكين وواشنطن، فهي تثبت أنها لا تتمتع بثقل اقتصادي في الشرق الأوسط فحسب، وإنما  أيضاً بنفوذٍ دبلوماسي، وفق الكاتبة.
وفي الوقت نفسه، تحمي بكين مصالحها الاقتصادية، وبالتالي تستفيد من العلاقات الودية بين شركائها هناك. وتشير الرياض من جانبها إلى الولايات المتحدة بأنها تسعى إلى إيجاد تسوية مؤقتة مع طهران بعدما تبددت آمالها بمساعدة أمريكية للجم طهران.
ومن ناحية أخرى، لا تزال إيران تعتمد اقتصادياً على الصين، لذا هي تحتاج إلى تجميل صورتها في نظر بكين التي سمحت لها بالوصول إلى بعض أموالها البالغة 20 مليار دولار والمُجمَّدَة في البنوك الصينية بسبب العقوبات الأمريكية التي أعيد فرضها عام 2018، وذلك لتشجعها على توقيع الاتفاق.