الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أ ف ب)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أ ف ب)
الأحد 19 مارس 2023 / 15:37

التضخم والزلزال يقفان ضد أردوغان في الانتخابات

من المقرر إجراء واحدة من الانتخابات الأكثر أهمية في العالم في 14 مايو(أيار) المقبل، فيما يواجه حكم الرئيس رجب طيب أردوغان تحدياً نادراً، يتمثل في بحث الناخبين عن مخرج نهائي محتمل لاستعادة الديمقراطية في بلادهم.

وقال البروفيسور إيفان ساشا شيهان، العميد المشارك لكلية الشؤون العامة والدولية في جامعة بالتيمور الأمريكية: إنه "إذا كان التضخم الجامح وتكاليف المعيشة الأخذة في الارتفاع دوافع غير كافية لدفع الناخبين للاصطفاف ضد أردوغان، فإن تعامل الحكومة الأخرق وغير الكفء مع الزلازل الكارثية في 6 فبراير(شباط) الماضي، لا يترك أي شك في أن سلطة عليا يمارسها شخص واحد لا تخدم مصالح عامة الشعب".

وعلى الجانب الآخر من الانتخابات، رشحت كتلة جديدة مكونة من 6 أحزاب معارضة بما في ذلك الحزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو زعيم الأخير، ليكون مرشحها لخوض الانتخابات الرئاسية. وتساءل ساشا شيهان في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، عما يجب أن تتوقعه السلطات الأمريكية والأوروبية وقوى عظمى أخرى في حالة فوزه فيما يتعلق بالتغيرات في السياسة الخارجية ؟.

ويوضح ساشا شيهان أن العلاقات هوت بين أنقرة وحلفائها الغربيين إلى مستويات منخفضة لم يسبق لها مثيل، حيث تظهر عداء متبادل في كل مجال للتعاون تقريباً، وفي كثير من الأحيان أدت إيماءات غير ضرورية وغير عقلانية إلى تفاقم هذا العداء.

وكان الكثير من المناقشات الخاصة بالعلاقات محدوداً للغاية وقاصراً على نزاعات بشأن مبيعات طائرات "إف - 16"،وتوسيع حلف شمال الأطلسي (ناتو) والصراع في سوريا، ومع ذلك هناك العديد من المصالح المشتركة التي يمكن أن تعززها على الفور حكومة جديدة تقودها المعارضة.

وتقع تركيا ، العضو في الناتو، عند ملتقى طرق عالمية مهمة بشكل غير عادي، حيث تعد جسراً بين الغرب والشرق، كما أن أهمية الموقع الجيوستراتيجي للبلاد قد زادت فقط مع حرب موسكو في أوكرانيا، وهناك مؤشرات على أنه إذا تولى تحالف للمعارضة السلطة، فإن نمط العلاقات الدبلوماسية فيما يتعلق بأوكرانيا سوف يتغير.

وكانت ميرال اكشينار، زعيمة الحزب الجيد إضافة إلى كونها وزيرة داخلية سابقة ونائبة رئيس البرلمان، واحدة من السياسيين الأتراك الأوائل الذين شجبوا الاستفتاءات التي أجرتها روسيا وتم التلاعب فيها شرقي أوكرانيا، ويحظى موقفها القوي بدعم بشكل كبير من جانب الشعب التركي الذي يتعاطف تاريخياً مع تتار القرم.

وكانت قد ذكرت في وقت مبكر جداً أن سلوك روسيا يمثل "انتهاكاً واضحاً لحق السيادة الذي هو أساس القانون الدولي، وأن سلوك المغامرة من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يشكل تهديداً لأوكرانيا فحسب، بل أيضاً لوحدة أراضي كل الدول في المنطقة"، وحتى الآن، لم تنضم تركيا إلى العقوبات الغربية ضد روسيا ولكنها قامت بدور مهم في التوسط في اتفاقيات ناجحة مثل مبادرة حبوب البحر الأسود.

وأضاف ساشا شيهان أن "هذا دليل على قيمة الآلية الاستراتيجية الأمريكية التركية، ونظراً لأن من المحتمل أن تقوم تركيا بدور حاسم في محادثات سلام محتملة مستقبلاً، فإنه من المهم أن تعكس الإدارة المقبلة رفضاً أقوى للغزو والاحتلال غير القانوني لأوكرانيا".

ويفضل معظم الناخبين الأتراك علاقات مثمرة وليست عدائية مع الحلفاء الغربيين، ويشعر الشعب التركي تاريخياً بالقلق من النزعة التوسعية الروسية التي تعود إلى الحروب الروسية العثمانية، كما أن الشعب التركي لم يتقبل محاولات الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين لانتهاك المعاهدة التركية السوفيتية عام 1925، وطلباته بإقامة قواعد عسكرية قرب مضايق البوسفور ومحاولاته لضم أراض مثل قارص وارداهان وربما مناطق ارضروم وشرق البحر الأسود، وبالتالي، ينظر الشعب التركي بتشكك إزاء غزو موسكو غير المبرر لسيادة أراضي أوكرانيا.

وأشار ساشا شيهان إلى أن العلاقات مع الصين قد تشهد أيضاً بعض التغيرات، واستضافت اكشينار مؤخراً زيارة قام بها رئيس المؤتمر العالمي للإيغور عمر كانات، لمناقشة الكيفية التي يمكن أن تساعد بها تركيا في حماية هذا المجتمع المعرض لخطر الاضطهاد. وبالمثل ،أعرب زعماء معارضة آخرون عن اهتمام بحماية شعب الإيغور.

وإضافة إلى هذه المجالات للتعاون، تقزم تركيا بدور رئيسي في توفير الاستقرار لأمن الطاقة الإقليمي وأمن الغذاء لأن البلاد تقع عند نقط العبور الأكثر أهمية بين اقتصادات الحبوب في البحر الأسود وتعتبر ممراً رئيسياً لموارد الطاقة لحوض آسيا الوسطى.

وتعد جائحة كورونا وحرب روسيا في أوكرانيا دليلاً على أنه حتى أقل قدر من الاضطراب في هذه الأسواق يرسل موجات من الصدمات عبر الاقتصاد العالمي، حيث يمكن أن تسفر التغيرات في أسعار الوقود والغذاء عن استياء واسع النطاق ويمكن حتى أن تطيح بحكومات.

وتركيا قريبة للغاية من أكثر من نصف احتياطات العالم من النفط والغاز، كما أنها في موقع جيد لأن تصبح ممراً رئيسياً لأمن الطاقة ويمكن أن تقوم بدور مهم في تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط.

وذكر ساشا شيهان أن الحكومة الحالية أهدرت العديد من الفرص لتطوير دور أكثر بروزا لتركيا في المنطقة لأنها تركز على المظهر وليس على الجوهر، وعلى الشعارات الشعبوية وليس على السياسات المدروسة بشكل جيد وعلى أساليب الخداع وليس على الحنكة الحقيقية في إدارة البلاد، وإذا كانت تركيا ترغب بالفعل في أن تصل إلى مرحلة صفر مشاكل مع الدول المجاورة، فإنها تحتاج عندئذ إلى حكومة سوف تتعامل مع الدول المجاورة بحسن نية وألا تسعى لاستغلال الظروف لتحقيق مكاسب سياسية محلية وتكون ضد مصالح شعبها.

وفي برنامجهم الانتخابي ، أقرت اكشينار والحزب الجيد بأهمية استعادة ما اعتادت أن يكون مجموعة ذات فعالية كبيرة من العلاقات متعددة الجوانب مع حلفاء تركيا، ولايعني هذا أن كل الخلافات والأختلافات سوف تزول بين عشية وضحاها ، ولكن هذا يعني أن فرص التعاون سوف تتسع بشكل كبير مما يسهم في استقرار ورفاهية تركيا والمنطقة وغيرهما، ولهذه الأسباب مجتمعة، فإن هذه الانتخابات تحتاج بصفة خاصة إلى مراقبتها عن كثب. وربما تكون الفرصة الأخيرة أمام الناخبين الأتراك للسعي وراء تحقيق تمثيل حقيقي في قيادتهم.