رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس السوري بشار الأسد أمس الأحد (وام)
رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس السوري بشار الأسد أمس الأحد (وام)
الإثنين 20 مارس 2023 / 11:06

"قلباً وقالباً" على "جسور الخير" من أجل سوريا

24 - سليم ضيف الله

"لن ننسى موقف الإمارات معنا خلال الحرب والذي استمر بأخوية ولهفة أثناء كارثة الزلزال" هكذا تحدث الرئيس السوري بشار الأسد، أمس عند زيارته إلى أبوظبي، فجاءه رد رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إن "أشقاءكم في دولة الإمارات يقفون معكم قلباً وقالباً، وإن غياب سوريا عن أشقائها قد طال وحان الوقت إلى عودتها إليهم وإلى محيطها العربي".

كلمات قليلة من أبوظبي ودمشق، كانت كفيلة بدفن عشرية الخراب، والاضطراب، وبعد عقدين كاملين من سقوط بغداد، وانهيار منظومة العمل العربي المشترك، تحت عجلات الدبابات الأمريكية.

أعاد لقاء الأحد بين رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس السوري بشار الأسد، الأمل للمنطقة في التقاط أنفاسها واستئناف مسيرتها نحو غد أفضل، بعيداً عن العنف والدم، والإرهاب، وكل الشرور التي تكالبت عليها في العقد الماضي، عشرية "الربيع العربي" الذي أنهك دول المنطقة والعالم، وكاد يعصف بها. وأعادت تجربة الزلزال القاسية بدورها على مرارتها للعمل العربي والتضامن العربي الكثير من المعاني التي خسرها في عشرية الخراب والإرهاب، فكانت أجنحة الطائرات الإماراتية خير وقود للأمل في نفوس السوريين، في غد أفضل، وفي عودة جسور التواصل والتعاون مع الأخوة والأشقاء في محيطهم العربي، فأطفأت نار المأساة وأعادت البسمة إلى شفاه الأطفال والنساء والمصابين.
إن المتأمل في التجربة السورية المرة على امتداد السنوات الماضية، يلاحظ كم كانت قاسية، إذ أنهكت السوري، وضيقت على اللبناني، وعصفت بالعراقي، وأجهدت باقي العرب من المحيط إلى الخليج. والثابت أن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الأخيرة إلى أبوظبي، إشارة إلى انطلاق تجربة مناقضة، لمحو آثار عشرية الظلام، وإنارة طريق السوريين في وطنهم أو في ملاجئهم، للعودة إلى العمل والعطاء، واستنئاف مسيرة البناء والإعمار، وكما قال رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إن القطيعة بين سوريا والعالم العربي، طالت، وحان وقت "عودتها إليهم وإلى محيطها العربي"، ما يعد منطلق مرحلة جديدة، بدأتها الإمارات قبل الزلزال بفترة طويلة، دعماً لسوريا وللسوريين، بمضاعفة المساعدات الإنسانية والإنمائية المختلفة، وتوجتها اللقاءات والزيارات الرسمية، أوعلى هامش المؤتمرات والتظاهرات الدولية الكبرى المختلفة في الأشهر والمدة الماضية، واختتمت بزيارة وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في فبراير (شباط) الماضي إلى سوريا، والتي حولت المأساة، من كارثة إلى "زلزال" حقيقي في الوجدان العربي والعالمي، ومنطلقاً جديداً للتعاطي مع الأزمة السورية، لإنهائها وتجاوز مخلفاتها، وعنوان مرحلة جديدة ستجد طريقها قريباً إلى مؤسسات العمل العربي المشترك مثل جامعة الدول العربية، لإعادة الأمور إلى نصابها، فلا عمل عربياً مشتركاً في غياب سوريا، ولااستقرار في الشرق الأوسط والمنطقة، إذا لم تدر عجلة التنمية والعمل من جديد في سوريا، ولا أمل في الحد من التوتر والخلافات والاضطرابات في الإقليم، إذ لم تنم حلب واللاذقية هانئة مطمئنة، دون صفارات إنذار، أو دوي مدافع، وأزيز  رصاص.
في هذا السياق، أكد الرئيس السوري بشار الأسد نفسه، هذه المقاربة الإماراتية عندما تحدث عن مواقف الإمارات "العقلانية والأخلاقية"، وعن "دورها الإيجابي والفعال لضمان علاقات قوية بين الدول العربية"، خاصة في هذه الظروف الصعبة.
وفي المقابل لم يكن مفاجئاً أن يبادر المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، الدكتور أنور قرقاش إلى التعليق على اللقاء والزيارة بالقول إن "نهج الإمارات وجهودها نحو سوريا الشقيقة جزء من رؤية أعمق، ومقاربة أوسع هدفها تعزيز الاستقرار العربي والإقليمي، و تجاوز سنوات صعبة من المواجهة، فقد أثبتت الأحداث المرتبطة بعقد الفوضى وتداعياتها أن عالمنا العربي أولى بالتصدي لقضاياه وأزماته، بعيداً عن التدخلات الإقليمية والدولية".


ولا يصعب على متابع أو محلل، أن يدرك في تعليق قرقاش، حرص الإمارات على "الدور العربي" لمعالجة الأزمات العربية، بعد تحييد الدول العربية عن صلاحياتها على امتداد عقد الخراب، ما فتح المجال واسعاً أمام قوى إقليمية ودولية لامصلحة لها أو رغبة في سير الدول العربية في مسار مختلف، ولذلك سعت الإمارات منذ مدة إلى تصفية أجواء المنطقة من كل الغيوم التي  تهددها، أو تعكر صفو سمائها، بإعادة فتح قنوات الحوار والتواصل، مع القريب والبعيد، بحثاً عن مشتركات، وقواسم قابلة للتشارك للبناء عليها، والتحرك على أساسها بحثاً عن حلول للمشاكل القائمة والمقبلة، والعمل بكل ما أوتيت من قوة وطاقة على تجاوزها، من أجل شعوب المنطقة ودولها، ومن أجل مستقبل وحق الجميع في الأمن والاستقرار والازدهار.
ويبقى في الأخير أن نُذكّر بأن العاصمة السعودية الرياض، تستعد في أبريل (نيسان) المقبل، لاحتضان القمة العربية الـ32، التي ستكون استثنائية لأكثر من سبب، أولهما عودة انتظام القمم العربية السنوية، بعد قمة الجزائر في 2022، التي أعادت إطلاق العمل العربي الرسمي، بعد توقفه منذ قمة تونس 2019. وثانيهما حسم مسألة عودة  سوريا إلى حضن الجامعة، واستئنافها شغل مقعدها الرسمي الشاغر منذ 2011، لتكون زيارة الرئيس السوري إلى أبوظبي، أول خطوة قطعتها دمشق على "جسور الخير" نحو الرياض، بحثاً عن طريقها إلى العائلة العربية من جديد.