حاصدة تحصد الحبوب (أرشيف)
حاصدة تحصد الحبوب (أرشيف)
الثلاثاء 21 مارس 2023 / 14:50

عام على الحرب الأوكرانية...موسكو وكييف تستنجدان بدبلوماسية "أكياس الحبوب"

24 - سليم ضيف الله

بعد المدافع والطائرات دون طيار، والأسلحة النووية، انضم إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا، سلاح جديد يبدو أن الأيام المقبلة ستعرف توظيفه واستعماله بشكل أكبر، وعلى نطاق أوسع، سلاح "أكياس القمح" بعد الجدل والخلاف الكبير الذي أعقب تجديد اتفاق تصدير الحبوب من أوكرانيا وروسيا، في منتصف الشهر الجاري.

وفي موسكو قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الإثنين أمام مسؤولين أفارقة، إن بلاده ستمد إفريقيا مجاناً بالحبوب، إذا فشل تمديد الاتفاق الأخير بين روسيا وأوكرانيا، مضيفاً "نحن على استعداد لنسلم مجاناً من روسيا كل الكميات التي أرسلت في الاونة الاخيرة إلى الدول الأكثر حاجة في إفريقيا" وأَعلن "إرسال 3 ملايين طن فقط من الحبوب إلى إفريقيا و 1.3 مليون إلى الدول الأشد فقراً في إفريقيا" في حين "شُحن 12 مليون طن من روسيا" إلى القارة.
ومن جهتها أعلنت أوكرانيا شحن 24 مليون طن من الحبوب إلى دول العالم، منذ أغسطس (آب) 2024، خاصةً إلى إفريقيا. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تحدث الرئيس الأوكراني فلودمير زيلينسكي في مؤتمر "حبوب أوكرانيا" عن الحرب الروسية على أوكرانيا "التي تسببت في مجاعات دولية" مضيفاً "لن نسمح للجوع والعطش بالإضرار بالملايين عبر العالم بسبب الحرب".
 وفي فبراير (شباط) الماضي، وفي الذكرى الأولى للحرب، تحدث الرئيس الأوكراني، عن رغبة بلاده في توسيع وتعزيز علاقاتها بدول إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ومساعدتها على تأمين حاجياتها من المنتجات الزراعية خاصةً الحبوب، وبدرجة أقل الزيوت النباتية، في محاولة صريحة للتصدي للنفوذ الروسي الهائل في إفريقيا، خاصةً في السنوات الأخيرة بعد الصعود الكبير لروسيا، سياسياً، وإعلامياً، وعكسرياً في عدد كبير من الدول الإفريقية، من إفريقيا الوسطى، إلى مالي، ومن بوركينا فاسو، إلى تشاد، بالتوازي مع تطور المساعدات المتنوعة التي وفرتها موسكو لهذه الدول، في مقدمتها الحبوب والأغذية.
وفي مقابل الحضور الروسي، تميزت أوكرانيا بغيابها شبه الكامل عن القارة، فهي لا تملك سوى 10 سفارات موزعة على كامل القارة، لتمثيلها لدى أكثر من 52 دولة، في حين لا تعرف المشاورات الدبلوماسية بين القارة وكييف، أي نشاط منذ عقود، ما دفع الرئيس زيلينسكي إلى الحديث عن توسيع شبكة التغطية الدبلوماسية الأوكرانية لأفريقيا، بتسمية سفراء في 10 دول أخرى على الأقل قريباً.
وحسب التقارير الدولية الاقتصادية، تشكل تجارة الحبوب 50% من المبادلات التجارية بين إفريقيا وأوكرانيا، و90% بين روسيا وإفريقيا. وفي هذا السياق تستورد مصر مثلاً، أكبر مستهلك للحبوب في العالم، 20% من الحبوب من أوكرانيا، في حين تُغطي روسيا ثلثي احتياجاتها منها.
ومن جهتها، نقلت مجلة جون أفريك، في فبراير (شباط) الماضي، عن هنري لويس فيدي، الدكتور في العلوم الاقتصادية بجامعة باريس دوفين، والباحث لدى "بوليسي سنتر فور ذا نيو ساوث" بالعاصمة المغربية الرباط، أن "16 دولة إفريقية تغطي 56% على الأقل من وارداتها من الحبوب، من أوكرانيا أو وروسيا، في حين تعتمد 26 دولة إفريقية أخرى، بدرجة أقل على الدولتين المتحاربتين لتأمين احتياجاتها من الحبوب".
وأمام هذا الخلل لصالح روسيا، تسعى أوكرانيا، إلى تقليص حضور وإشعاع عدوتها في إفريقيا، بلعب ورقة التجارة، أي الحبوب، التي تشكل المشكلة التي تؤرق قادة وحكومات القارة، بوعود عن تعاون ثنائي، ودعم غذائي، عله يوقف القطار السريع الروسي في إفريقيا.
وفي هذا السياق قال سفير أوكرانيا لدى السنغال، و4 دول أخرى في غرب إفريقيا، يوري بيفوفاروف، إن بلاده تفكر في تنظيم قمة سنوية بين أوكرانيا وإفريقيا في العام الجاري 2023، في محاولة للتصدي للقمة السنوية روسيا وإفريقيا التي تقام كل عام في سانت بترسبورغ الروسية، ولكسب تأييد وتفهم الدول الإفريقية للمواقف والقضايا الأوكرانية.
وفي المقابل لا تُغفل روسيا أن إفريقيا، تمثل بوابتها الأهم للإفلات من القيود والعقوبات الغربية عليها، وتعمل على استغلال مواردها خاصةً من الحبوب والأغذية لضمان نفوذها فيها، وهو ما يُفسر إعلان الرئيس بوتين أمس الإثنين، الاستعداد لتصدير الحبوب "مجانا" إلى إفريقيا، فضلاً عن إسقاط ديون بـ20 مليار دولار على دول إفريقية عدة، على هامش المؤتمر البرلماني روسيا إفريقيا، في موسكو.
وعلى الجانب الآخر، لم تكتف أوكرانيا رغم الفارق الكبير في التأثير والنفوذ بمراقبة تدفق الحبوب الروسية على إفريقيا، من شمالها إلى جنوبها، فأعلن برنامج "حبوب أوكرانيا" الذي أطلقه الرئيس الأوكراني فولودمير زيلينسكي، إرسال آلاف الأطنان من الحبوب إلى كينيا، لإنقاذ "5.4 ملايين كيني من المجاعة بسبب الجفاف" وفق ما نقل موقع "أفريكا نيوز" الذي أضاف أن البرنامج صدر 140 ألف طن من الحبوب إلى الدول الإفريقية المتضررة من الجفاف، منذ إطلاقه في نهاية 2022.
ومن موسكو ردت روسيا، على "البرنامج الإنساني الأوكراني" على لسان  سفير المهمات الخاصة في وزارة الخارجية الروسية، رئيس أمانة منتدى الشراكة الروسية الإفريقية أوليغ أوزيروف، الذي قال أمس، إن "روسيا مستعدة لتزويد دول إفريقيا بالحبوب، وتعزيز قدراتها الإنتاجية".
وحسب موقع "روسيا اليوم" قال أوزيروف أمس الإثنين في ورشة "الأمن غير القابل للتجزئة: فرص ومساهمات البرلمانيين"  على هامش أعمال المؤتمر البرلماني الدولي الثاني"روسيا – إفريقيا: "أصبحت روسيا الآن واحدة من أكبر منتجي الحبوب، ونحن مستعدون لمساعدة الدول الإفريقية ليس فقط لتلبية احتياجاتها ب استيراد الحبوب الروسية، ولكن أيضا لتطوير كفاءاتها لإنتاجه".
إن هذه التصريحات والتصريحات المضادة، والإعلانات المتضاربة التي تصدر عن موسكو وكييف، تكشف اليوم بعد أكثر من عام من اندلاع الحرب، أن البلدين يبحثان، عن توظيف كل الأسلحة الممكنة للفوز ميدانياً، ولتحقيق مكاسب خارجية تضمن تأييداً دولياً متزايداً، طوعاً أو غصباً، لمواجهة مطبات العمل الدبلوماسي في المنتديات أو المنابر الدولية الكبرى، مثل مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو المنظمات الدولية المتخصصة، بكسب الأصوات، أو رفض قرارات أو على العكس تبنيها.