الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ.(أف ب)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ.(أف ب)
الجمعة 24 مارس 2023 / 12:39

3 سيناريوهات لنتيجة حرب أوكرانيا تضع الصين في موقع الفائز

24- طارق العليان

بعد وصوله إلى موسكو يوم الاثنين الماضي، أعلن الرئيس الصيني أن "بكين وموسكو مستعدتان لوضع النظام العالمي تحت حراستهما في ظل القانون الدولي"، في تصريح يبلور رؤيته بأن الصراع سيكون بين نظام خاضع للغرب وآخر يتناسب مع مصالح بكين.

جميع الخيارات متاحة أمام الصين، فإما أن تلعب دور صانع السلام، وإما أن تدعم روسيا مقابل تبعيتها له






وقال موقع "سبيكتيتور" البريطاني إنه بعدما رسخ شي صورته بوصفه صانعاً للسلام المحتمل، يرى الرجل أن الحرب في أوكرانيا تمثل مكاسب ثنائية أو ثلاثية الأبعاد بالنسبة له. يشير البعد الأول إلى أنه إذا انتهت الحرب بانتصار بوتين، سيفقد الغرب مصداقيته، وسيتحول إلى اتهام نفسه ومراجعتها. يعني هذا أن النصر سيكون حليفاً لشي.
أما إذا انتصرت أوكرانيا، وهو البعد الثاني، فستتحول روسيا إلى تابع للصين بسرعة، وهو نصر آخر للصين، إذ تسعى روسيا لاستبدال الاعتماد على الدولار باليوان. ومن شأن تبعية السياسة للاقتصاد أن تقلق الكثيرين في موسكو.
أما البعد الثالث للنصر، فيتمثل في وساطة بكين في اتفاقية سلام من 12 نقطة (وبوتين على استعداد لتقبل أصعب الأمور إذا كانت الصين هي التي ستقدمها)، وهو ما يبرر مزاعمها بأنها صارت قوة عالمية وبديلاً مبدئياً للغرب.


مع ذلك، قد لا تثبت فزاعة الحرب جدواها لمصالح الصين كما يظن شي، فبينما نجد بوتين وأعوانه ممن بلغوا سبعينياتهم مهووسين بمحاربة الغرب-على حساب كل شيء-فهناك جيل جديد من القادة الروس الذين لا يثقون في الصين، إذ يعون المخاطر التي ينذر بها الدوران في فلكها.

التجسس الصيني في روسيا

يتضح هذا من تغطية الصحافة الروسية للتجسس الصيني في روسيا، وهو ما حاول جهاز الأمن الفيدرالي الروسي لفت نظر الكرملين إليه. يضاف إلى هذا أن عدم رغبة الصين في تحويل عبارة "صداقة بلا حدود" إلى دعم عملي أضحى مثار غضب لدى النخب في روسيا، لا سيما أن بوتين ما زال يستخدمها، بينما لا يرددها شي.
وليس تحفظ تلك النخب على الصين خاطئاً، فبكين لا تريد أن تُعرض تجارتها مع الغرب، والتي تساوي أكثر من 1.5 تريليون دولار، للخطر مقابل تجارتها مع روسيا التي تساوي 200 مليار دولار فحسب. صحيح أن الصين ما زالت تشتري النفط والغاز الروسي بأسعار مخفضة. لكن بنوكها انسحبت من روسيا.
وحين تنتهي الحرب، ستلجأ أوكرانيا للغرب، لا لبكين، لإعادة إعمارها. صحيح أنه عام 2019 كانت كييف الشريك التجاري الرئيسي للصين، غير أن هذا يُعزى لواردات الصين المهولة من القمح. لكن الاتحاد الأوروبي يفوق الصين ثقلاً في هذا الأمر.


أوروبا أقوى من ذي قبل


وقد أسرَّ أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي بأنه "بعد الحرب، ستكون إعادة إعمار أوكرانيا عملية صعبة. ولكن، عند اتمامها، ستصبح أوروبا أقوى من قبل وأقل تعرضاً للضغوط سواء من قبل الجيش الروسي أو الاقتصاد الصيني".


وهناك خطر آخر يهدد خطة شي، إذ عززت الحرب من تسليح الغرب لنفسه وتواصل دوله مع بعضها بشكل لم يُعهد منذ 30 سنة. وتقوم دول حلف شمال الأطلسي برفع نفقات الدفاع، وصار الاتحاد الأوروبي يتعامل مع قضايا الأمن بمزيد من الجدية.
كما تجبر الحرب بكين على إعادة تقييم أنماطها الفكرية التي تشمل افتراضها أن الغرب سيحجم عن الدخول في حرب اقتصادية (مثل الحرب على الطاقة)، ما سيؤثر على توقعات الصين بحدوث تداعيات لسعيها للاستيلاء على تايوان.
وليست الصين هي الوحيدة المخطئة في توقع نتائج الحرب، إذ يظن الجميع أن الوقت في صالحهم: فموسكو واثقة بأن الغرب سيتوقف عن دعم أوكرانيا ويجبرها على السلام، ما سيعتبره بوتين نصراً.


روسيا وكوراث الخسارة


لكن النصر أو الخسارة سيجلبان كوارث على روسيا. فسوف يستغرق إصلاحها اقتصادياً واجتماعياً سنين عديدة. كما ستستمر العقوبات المفروضة على روسيا في حال استمر بوتين في السلطة، علاوة على اعتبار روسيا دولة منبوذة بسبب القرار الأخير الذي اتحذته المحكمة الجنائية الدولية بالقبض على بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وفي هذه الأثناء، يعزز الغرب دعمه لأوكرانيا رافعاً شعار أن "الحرب ستتوقف فقط إذا أعلنت كييف هذا". لكن هذا لن يدوم، إذ أفاد أحد المعلقين المقربين لرئيس وزراء المجر "فيكتور أوربان"-الذي رفض تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا- بأنه حين يأتي شتاء جديد على أوكرانيا دون أن تنتصر، لن تعتبر المجر مغردة خارج السرب.
وحتى إن استطاع الغرب تحقيق نصر في ميدان القتال، لن يستطيع ضمان أمن أوكرانيا، إذ ستجد روسيا طرقاً أخرى لمزاحمة جيرانها، بدءاً من الفساد الاستراتيجي وصولاً إلى الإرهاب، ما يقوض الجهود المستهدِفة مساعدة الدولة في بناء ديمقراطية واقتصاد سوقي مستدام.
وليست هذه حرباً واحدة، وإنما حربان متداخلتان: إذ يوجد صراع مسلح في أوكرانيا، وآخر سياسي واقتصادي بين روسيا والغرب.


أوكرانيا..نضال من أجل الحرية


لذا، لا يوجد خيار أمام أوكرانيا سوى النضال للحصول على حريتها واستقلالها. لكنها ستُستنزَف في تلك الأثناء. وعلى هذا تعلق صحيفة "واشنطن بوست" بقولها إن كييف فقدت نحو 120 ألف شخص، وهو رقم كبير إذا قيس بعدد سكانها، علاوة على كونها في حالة اقتصادية متردية، ذلك أن الدعم المالي يصلها على هيئة قروض، لا منح.

وفي كل هذا، تظل جميع الخيارات متاحة أمام الصين، فإما أن تلعب دور صانع السلام، وإما أن تدعم روسيا مقابل تبعيتها لها، وإما أن تواصل لعب دور المتفرج بينما يعاني الباقون!