ناصر البكر الزعابي (24)
ناصر البكر الزعابي (24)
السبت 25 مارس 2023 / 14:00

ناصر البكر الزعابي لـ 24: الحب الأول والأخير للوطن والعائلة

24 - إعداد: نجاة الفارس

"ذاكرة الطفولة"، زاوية نضئ فيها على طفولة أديب من الإمارات، نصغي لأولى تجاربه ورؤاه، أولى أفراحه وأحزانه، نمخر عباب مرحلة، بصماتها خالدة في أعماق الذات، وتتسرب لأطراف الأصابع، عبر النتاج الأدبي بين لحظة وأخرى.

أحاديث جدّاتي تجارب حافلة بالمفارقات أثرت في تناولي للقالب القصصي

بدأت الكتابة في سن 14 سنة وتنقلت بين الشعر العامي و النصوص الفصيحة

يقترن رمضان بالروحانيات و العبق الأصيل ويمنحنا فرصة للتأمّل و التدبّر

تنمية العقل

يقول الأديب ناصر البكر الزعابي:" يرتبط شهر رمضان المبارك بالعديد من الذكريات التي لا تنسى، أهمها الارتباط العائلي، والروحانيات، والعبق الأصيل الذي يتجدّد كل عام، أتاح لنا هذا الشهر الفضيل فرصة للتأمّل و التدبّر، والبحث عن مكونات الطبيعة، حيث يلعب الذهن الصافي والهدوء، مع الأجواء الإيمانية، دوراً كبيراً في تنمية العقل، إضافة إلى تلاوة القرآن الكريم، وتبدو اللغة العربية حاضرة في المشهد بشكلٍ أوسع، أتذكر زيارات جدّي، وصوت المؤذن الشيخ منير، و إمام مسجدنا أحمد بن علي الشرهان، وصلاة التراويح في طفولتنا، جميعها ذكريات غالية على النفس وراسخة فيها".

استعادة الموروث

ويضيف لـ 24 : "كما أن دور الأمهات حاضر طوال الوقت، هناك تفاصيل يومية يملؤها المرح والشغف، خاصة أحاديث الجدّات عن الصيام، وعن اختلاف الأجواء قديماً، إضافة إلى استعادة الموروث والأصالة عبر الحفاظ على عادات شهر رمضان، كل هذه التفاصيل شكّلت رافداً في الكتابات الذاتية خصوصاً عن الأسرة، وقد وثّقت بعضاً منها في كتابي ( أشيائي التي نسيتها ) كانت أحاديث جدّاتي مواعظ يومية و حكايات من تجارب حياتية حقيقية حافلة بالمفارقات الاجتماعية و النفسية، لها تأثير جم في تناولي للقالب القصصي لاحقاً".

حنين جارف

ويذكر الزعابي: "كان والدي منظّماً للغاية، له عادات ثابتة، افتقدناها كثيراً بعد رحيله، بقيت ظلال الماضي، و لا زال ظل الأب يسكن بيتنا القديم، خاصة مع حلول شهر رمضان حيث نشعر بحنين جارف إلى الغائبين عنّا، وكذلك بعض الأصدقاء الذين رحلوا عن هذه الدنياً في سن مبكرة، وجيراننا القدامى، وأغلب القاطنين بالقرب منّا، رائحة الطرقات مختلفة في رمضان، البخور والعطور الفوّاحة، رائحة المأكولات الشهية، سبحة المصلّين، السواك والطاقية من معالم هذا الشهر الكريم ، حتى المحلات التجارية تتزيّن بعبق شهر رمضان" .

عبق رمضان

وبالنسبة لصداقات الطفولة يقول: "من أقدم أصدقائي العزيز محمد خليل إبراهيم، جمعتنا صداقة طويلة، كنا نلعب كرة القدم بعد صلاة التراويح، خاصة في فصل الشتاء، كان لنا فريق كرة قدم يضم مختلف الجنسيات العربية أطلقنا عليه عدّة ألقاب ( النسور الخضر، مدرسة الرعب )، كانت رياضة ذهنية وبدنية مهمة، كما كنا نختار التجوّل والترحال بين إمارات الدولة، لنستكشف عبق رمضان في مختلف بيئاتنا المحلية، ربما أثرت مشاغل الحياة على لقاءات صحبة الماضي، لكن وسائل التواصل الحديثة تعدّ وسيلة صغرى للحفاظ على المودّة و الحميمية".

حكايات الأزمنة الغابرة

وعن الهوايات المفضلة في مرحلة الطفولة يوضح الزعابي "كرة القدم، رياضة المشي، إعداد وجبات سحور بدائية في أجواء يغلب عليها التشويق و المرح، كما كنّا نتبادل الروايات البوليسية والعاطفية، ونشاهد المسلسلات الدرامية خاصة مسلسلات الفانتازيا التي كانت مبهرة في جيلنا، والعديد من البرامج الثقافية و الترفيهية و التراثية أيضاً، وحضور الدورات الرمضانية، كنت أتصفّح كتب التاريخ بنهم لحبي لمادة التاريخ، و رغبتي في التعرّف على حكايات الأزمنة الغابرة" .

المعلم الملهم

ويبين: " أن المدرسة والمعلمين، يتركون في النفس ذكريات مبهجة، ويظل معلّمي في اللغة العربية سالم أبو ستة، قامة نبيلة صعبة على النسيان، كان له أٍسلوبا خاصا و مميزا في تعليم قواعد النحو، كما كانت له نوادر و حكايات ملهمة، إضافة إلى المواعظ القيّمة التي غرسها في نفوس الطلبة، ولاحقاً في فترة متأخرة أدركت قيمة المعلّم الملهم و هذا ما لمسته من أستاذي القدير الدكتور هيثم يحيى الخواجة المربّي الفاضل صاحب التجربة الأدبية و المسرحية و النقدية الغزيرة، فهو بمثابة الأب والمعلّم الذي قدّم للساحة الأدبية عشرات الأسماء البارزة في المشهد الثقافي المعاصر، ولا أنسى فضله الكبير علي خاصة في تأليف كتاب ( ذاكرة الشعر و المطر ) الذي تناول فيه تجربتي الأدبية".

رفيقة الأدباء

ولأن القراءة رفيقة درب الأدباء منذ الطفولة، يقول الزعابي: "كانت البداية عبر كتاب ( أطلس دولة الإمارات ) تعرّفت فيه على تضاريس و جغرافيا وطننا المعطاء، ثم توالت القراءات من صحف و مجلات وروايات بوليسية وعاطفية و أدب الخيال العلمي انتقالاً إلى قراءة الشعر العربي الأصيل و من ثم الشعر العالمي عموماً و غيرها من الأجناس الأدبية، القراءة عرف ثابت في حياتي و لا يمكنني الاستغناء عنها بالتأكيد" .

عصري وحداثي


ويضيف: "بدأت الكتابة و التدوين في سن 14 سنة وتنقلت بين الشعر العامي و النصوص الفصيحة، طبعاً من الصعب أن أتذكّر قصائد البدايات التي كانت تنقصها المعرفة و الدراية و الإحكام، إلا أن بعض النصوص الشعرية أعدت صياغتها في مرحلة متأخرة و نشرتها في دواويني الشعرية، وقد احتفظت بكتاباتي لنفسي لفترة زمنية طويلة جداً، استفدت كثيراً من عناوين نصوص الصبا والطفولة، لتظهر في مرحلة زمنية لاحقة بشكلِ عصري و حداثي".

مشاعر جيّاشة

ويوضح: "السفر انطلاقة نحو عالم من فرح وتأمل، وأول دولة زرتها خارج الوطن، كانت مصر وأنا في طفولتي، حيث الأجواء فيها مليئة بالتفاصيل المشوّقة و الذكريات، ورائحة الحنين و الألفة، بين حين و آخر أستذكر حقبة الثمانينيات بمشاعر جيّاشة و مشاهد لا تبرح ذاكرتي، أسترجع هذه الذكريات مع والدتي بين حين وآخر، فلا زالت أسماء أصدقائنا في مصر و من عرفناهم تتجدّد في مخيّلتنا (د. مصطفى، دكتور مؤنس، أم أحمد، عم عبده، حسين ).

الحب الأول والأخير

ويبين: "الحب الحقيقي لم يأت إلا بعد النضوج، لذلك كانت خيالات الصبا حاضرة في أشعاري القديمة، مع تساؤلات حائرة حول نزيف العمر و تسارع السنين، لتتحوّل تلك اللحظات الوجدانية إلى مجرد كلمات ضاعت في زحام الحياة، و لعل الحب الأول و الأخير هو حب الوطن، حب العائلة، أدركت قيمة العائلة حينما أصبحت رب أٍسرة ، وأحاول أن يدرك أبنائي قيمة هذه اللحظات التي سبق أن عشتها في ظروف حياتية مغايرة عن اليوم " .