الأحد 26 مارس 2023 / 09:13

احترام سيادة الدول

عثمان الماجد- صحيفة الأيام البحرينية

وفقًا لمصدر سعودي، فإن كثيرًا من تفاصيل الاتفاقية التي أُعلِن عنها يوم الجمعة قبل الماضية بين المملكة العربية السعودية وإيران، والتي ستعود في ضوئها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين خلال شهرين، لا تزال مبهمة بسبب التكتم والسرية اللذين يكتنفانها.

وفي ظني أن بنود هذه الاتفاقية ستبقى كذلك قيد المداولة والنقاش لمدة قد تطول أو تقصر، لما لهذه النقاشات من أبعاد استراتيجية يتوقف عليها مستقبل السلام واستقرار الأوضاع المنشودة في منطقة الشرق الأوسط التي تعد الشريان الحيوي الأكبر والأهم في اقتصاديات العالم. ومع ذلك، فقد كشف هذا المصدر السعودي بعضًا من عناوين بنود التفاوض، ولعل أهم بند فيها احترام سيادة الدول وما اندرج تحته من تفاصيل، وهو في اعتقادي من البنود التي ننتظر نحن مواطني دول مجلس التعاون بفارغ الصبر الكشف عن آليات تفعيلها في الاتفاقية وعن مدى استعداد إيران الالتزام به، وعن مدى قوّة الضمانة الصينية في تنفيذ هذا البند المحوري؛ لأن مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية قد شكل على مدى الأربعين عامًا الماضية ضاغطًا رئيسًا يؤزم العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون، حكومات وشعوبًا ويزيد في تدهورها كلما ضاق الخناق على إيران داخليًّا أو دوليًا، إذ وجد نظام الحكم القائم في طهران في التدخل في شؤون دول الجوار والتعدي على سيادتها جهرًا وسرًا سبيلاً لصرف أنظار الداخل عما يجري في الداخل الإيراني، وورقة ضغط دولية يناور بها المجتمع الدولي.
مبدأ احترام سيادة الدول يعني في أبسط معانيه، كما هو معروف، استقلال القرار الوطني وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهذا في الاتفاقية يعني، بالتأكيد، وقف كل أشكال الدعم المقدم من حكومة الملالي إلى جماعات الإسلام السياسي التي تعتبرها حكومات الدول، في جلها إن لم تكن كلها، أحزابًا وتنظيمات ومجموعات إرهابية خارجة على القانون وتعمل على تنفيذ الأجندات السياسية للدولة الإيرانية. وقد كانت جماعات الإسلام السياسي هذه عاملاً لتأخير عمل الحكومات الوطنية في التوجه نحو التنمية وبناء مقومات الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتوجيه اهتمامها لمواجهة ما تسببه هذه التدخلات من عدم الاستقرار المؤسس لفوضى عارمة نلمس لمس العين تفاصيلها في العراق واليمن ولبنان وسوريا وفي ما خلفته من آثار كارثية في مصر وتونس وليبيا، فهذه الجماعات لا يختلف عاقلان في أن بينها وبين مفهوم الدولة ملايين السنوات الضوئية، وأن بينها وبين معاني الولاء للوطن والاعتزاز بالانتماء له عملاً قبل القول أضعاف أضعاف المسافة الفاصلة بينها وبين مفهوم الدولة.
التأكيد على مبدأ سيادة الدول، وهو في الأصل مبدأ من المبادئ الأساسية في القانون الدولي ومرتكز قانوني أنشئت بفضله هيئة الأمم المتحدة ويُفترض أن يكون سائدصا دائمًا في العلاقات بين الدول المختلفة، سيجعل الطريق معبدة لتسوية النزاعات القائمة بسبب عدم احترام السيادة، وسيطوي صفحة ما نشب من نزاعات مسلحة مريرة في بعض البلدان العربية التي كانت إيران - ولا تزال - تنتهك سيادتها عن طريق دعم الميليشيات الإرهابية كما هو واقع في اليمن والعراق ولبنان، وكما هو حاصل من تدخلات إيرانية سافرة في شؤون بعض دول مجلس التعاون مثل الكويت والمملكة العربية السعودية، ولا ننسى أننا هنا في مملكة البحرين قد عانينا كثيرًا من تدخلات حكام إيران الفجة في شؤوننا بدعمهم المفضوح للمجموعات الإرهابية التي يقبع قائدها وأبوها الروحي عيسى قاسم وثلة من بطانته في إيران ويرسلون تحريضاتهم في كل مناسبة مستهدفين أمن المجتمع البحريني واستقراره.
كل المآسي والفوضى التي شهدتها بعض الدول العربية ومنها عانت لم تكن لتوجد أصلاً لولا عدم احترام الساسة في إيران وملاليها لسيادة الدول وتدخلهم الفج والصريح في شؤونها الداخلية وتورطها بدعم جماعات متطرفة تحت غطاءات وعناوين كثيرة عقائدية مزيفة لم يكن لها من مردود سوى تعميق التأزيم بين المكونات الإجتماعية المختلفة، ولهذا فإن جوهر الاتفاق السعودي الإيراني المزمع لن يكون ذا قيمة ومعنى إذا لم يتضمن إقرارًا إيرانيًا وضمانة صينية قوية باحترام سيادة الدول والابتعاد كليًا عن التدخل في شؤونها الداخلية. الاتفاق السعودي الإيراني يعزز لدينا الأمل بأن الأيام المقبلة تبقى حبلى بكثير من التطورات، ولا نرجو إلا أن تكون إيجابية، لننتقل إلى مستوى متقدم من العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل والعيش المشترك؛ لنحيل منطقة الخليج العربي إلى واحة أمن وسلام واستقرار وتنمية وتقدم.